المري .. طالب الكومبيوتر الغامض يواجه معضلة «المقاتل العدو» في أميركا

ما زال يخفي أسباب احتفاظه بـ 100 بطاقة ائتمان مسروقة والاستخبارات تعتقد أنه تدرب على استخدام السموم على يد أبو خباب المصري

المري(«واشنطن بوست»)
TT

كان طالب علوم الكمبيوتر علي صالح المري في سباق مع الزمن قبل انتهاء الموعد النهائي. فبعد يوم واحد فقط من تسلم تأشيرة الدخول الى الولايات المتحدة من السفارة الاميركية في قطر، استقل المري، 37 سنة، الطائرة مع زوجته وأطفاله الخمسة متوجها الى شيكاغو، حيث وصلت الاسرة ليلا وباتت في فندق قريب من المطار قبل التوجه في اليوم التالي الى بيوريا على متن سيارة اجرة. وفي نفس ذلك اليوم حدث الهجوم على مركز التجارة العالمي بنيويورك في 11 سبتمبر (ايلول) 2001. خلال الاسابيع التالية قادت سلسلة من المعلومات خطى أفراد مكتب المباحث الفيدرالي (اف بي آي) الى منزل الطالب علي صالح المري. وانتهى المكتب الى الاعتقاد في ان المري واحد من عناصر تنظيم «القاعدة» في الولايات المتحدة وانه عميل نائم قام بزيارة لمدة يوم واحد الى نيويورك عام 2000 وكان يخطط لموجة ثانية من الهجمات. ولكن بعد مرور ما يزيد على خمس سنوات على سجنه، لا يزال المري شخصية غير معروفة. إذ ان التحريات حول نشاطاته ظلت تلفها السرية، كما ان لجنة التحقيق في هجمات 11 سبتمبر 2001 أبقت على اسمه عمدا خارج التقرير الذي جاء في 567 صفحة. اما الرئيس جورج بوش، فقد اعلن في 2003 ان المري «مقاتل عدو»، وهو الأجنبي الوحيد الذي ألقي القبض عليه داخل الاراضي الاميركية وصنف كمقاتل عدو. إلا ان الاهتمام العام تركز بصورة رئيسية حول حقوقه كمتعقل جرى تصنيفه ضمن فئة المقاتلين الأعداء. وكان الرئيس جورج بوش قد لمح لأول مرة خلال حديث له في مايو (أيار) الماضي بأكاديمية خفر السواحل بان السبب وراء حرص المحققين على الاطلاع على ما يعرفه المري حول أفراد الخلايا النائمة. وقال بوش ان اجهزة الاستخبارات تعتقد ان من ضمن أهداف المري المحتملة «خزانات المياه وبورصة نيويورك والأكاديميات العسكرية الاميركية». وقال محامو المري انه أكد على براءته خلال جلسات التحقيق الأولى بعد حبسه. إلا ان وزارة الدفاع (البنتاغون)، التي أعلن مسؤول فيها العام الماضي ان المري لا يزال «خطرا كبيرا يتهدد الامن القومي الاميركي»، قد توقفت عن استجوابه عقب قرار اصدرته المحكمة العليا عام 2004 ينص على حق المعتقلين في الولايات المتحدة كمقاتلين اعداء في الاستعانة بمحام للدفاع. ولا يزال المري في الحبس بسجن تابع لسلاح البحرية الاميركي في تشارلستون بولاية ساوث كارولاينا في انتظار نتيجة الاجراءات القانونية حول وضعه. إلا ان وراء المناورات القانونية أسرار لم يتحدث حولها المري مثل السبب وراء سفره بين قطر والسعودية وأفغانستان والولايات المتحدة، والغرض من وراء بحثه في الكمبيوتر في مجال التسلل والتجسس الالكتروني وكيفية شراء وخلط كميات كبيرة من المواد الكيماوية وتحويلها الى غاز سيانيد الهيدروجين القاتل، فضلا عن السبب في حيازته ما يزيد على 1000 رقم لبطاقات ائتمان مسروقة، بالإضافة الى اسئلة اخرى مثل: هل له علاقة بديرين باروت، العضو القيادي في تنظيم «القاعدة» الذي يقضي عقوبة في السجن ببريطانيا حاليا اثر ادانته بالتدبير لتفجير مبان في الولايات المتحدة وانجلترا، والذي من المحتمل ان يكون له اثره على محاولات التفجير باستخدام سيارات مفخخة في كل من لندن وغلاسغو الشهر الماضي؟ ثم، ما هو السبب وراء عجلته في السفر الى الولايات المتحدة في 10 سبتمبر 2001؟ وهل كان ذلك بناء على تعليمات من اسامة بن لادن ام للحاق بموعد التسجيل للدراسة؟ اللقاءات التي اجريت مع عشرات المسؤولين في الأجهزة الامنية، فضلا عن دبلوماسيين ومحامين ومسؤولين أكاديميين وغيرهم داخل الولايات المتحدة وخارجها ألقت الضوء على تحول المري من طالب جامعي عادي الى شخص يشتبه في ضلوعه في الارهاب. وتوجه المري وشقيقه ناجي للدراسة في الولايات المتحدة عام 1982. وكانت رحلة المري الى ايلينوي عام 2001 مع زوجته وأطفاله الى مكان اعتاد العيش فيه، إذ ان الشقيقين قضيا حوالي عقد من الزمن تقريبا في الدراسة بجامعة برادلي في بيوريا ومؤسسات تعليمية اخرى في ريف ايلينوي. درس علوم الكمبيوتر لمدة فصل دراسي في «كلية سبون ريفر» بماكومب في ولايات ايلينوي. واجتذبت مدينة ماكومب عددا من الطلاب من منطقة الشرق الاوسط بسبب برنامج اللغة الانجليزية المكثف الذي تقدمه «جامعة غرب ايلينوي». انتقل الشقيقان بعد ذلك الى جامعة برادلي الخاصة، حيث تدور حياة الطلاب حول الصداقات ولعب كرة السلة. يقول طلاب درسوا مع المري، خلال تلك الفترة انه كان شابا نحيفا صاحب حس فكاهي وله شعر طويل ويحب الحفلات، تخرج عام 1991 بعد حصوله على درجة جامعية في إدارة الأعمال، وعاد الى بلده. وأفاد ضباط مكتب المباحث الفيدرالي بأنه عمل لبضع سنوات في مصرف قطر الإسلامي في الدوحة وعمل فترة ايضا في مكتب المراجعات التابع للحكومة. كثيرون من قبيلة المري يدينون بالولاء لأمير قطر السابق، وفي بداية عام 1996 وجهت تهم الى العشرات منهم بالتورط في محاولة فاشلة لإطاحة الأمير الإبن وإعادة والده الى الحكم. وقال مسؤولون اميركيون وأفراد من عائلته ان المري غادر قطر خلال تلك الفترة، ولكن هذه المرة الى أفغانستان. وطبقا لوثائق قانونية وتصريحات مسؤولي الاستخبارات، توجه المري الى معسكرات التدريب التي أقامها اسامة بن لادن في أفغانستان.

اتبع المري خطا موازيا لذلك الذي انتهجه العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر، خالد شيخ محمد ، الذي يقول ضباط فيدراليون انه اصبح مرشدا للمري. اتم المري دراسته الجامعية في اميركا، مثلما هو الحال مع خالد شيخ محمد، في الولايات المتحدة خلال عقد الثمانينات من القرن الماضي وانتهى به المطاف في قطر. وبنهاية فترة منتصف التسعينات شارك محمد خالد شيخ في عدد من العمليات الارهابية، بما في ذلك مساعدة قريبه رمزي يوسف في تمويل تفجير مركز التجارة العالمي عام 1993. وجد محمد ومجموعة من العناصر المتشددة ملاذا في أطراف الدوحة بمزرعة يملكها وزير الشؤون الدينية. وفي عام 1996 فر محمد من قطر الى أفغانستان اثر شعوره بمتابعة مكتب المباحث الفيدرالي لنشاطاتهم.

يعتقد مسؤولو الاستخبارات ان المري تدرب في أفغانستان على مدى عامين تلقى خلالها تدريبات على كيفية استخدام السموم في معسكر ديرونتا بالقرب من جلال أباد. ويعتقد انه تلقى هذه التدريبات على يد أبو خباب المصري، وهو مصري متخصص في الاسلحة الكيماوية والبيولوجية قتل العام الماضي في غارة على منطقة بباكستان. ويقول اشخاص على معرفة بالمري وأسرته انه عندما عاد الى الدوحة بدت أفكاره المتطرفة واضحة تماما وعاد بلحية طويلة. وقال اشقاؤه لبعض المعارف انه اصبح مجاهدا تلقى تدريبا في معسكرات اسامة بن لادن. وقال واحد من هؤلاء، وهو مسؤول قطري، لـ«واشنطن بوست» ان المري وصل الى قطر وبحوزته أقراص مدمجة تحتوي على محاضرات تدريبية لتنظيم القاعدة ومواد دعائية بالإضافة الى رخصة قيادة اميركية مزورة. بعد وقت قصير من عودة المري الى قطر فقد بعض أقربائه جنسياتهم ووظائفهم بفعل استمرار التحقيق حول محاولة الانقلاب عام 1996. وبنهاية عام 2000 عاد أشقاء المري ووالداه الى السعودية، وانتقلت ايضا زوجة المري وأطفاله. لم يتبع المري اسرته. وبدلا من ذلك، وفي مايو 2000، طار لشيكاغو من الدمام في السعودية، مستخدما جواز سفر مزورا واسم عبد الكريم المسلم، طبقا لمكتب المباحث الفيدرالية. وقضى المري الشهرين التاليين في شيكاغو. وفي شهر يوليو، ظهر في ماكوم وهي بلدة زراعية كان يدرس فيها قبل 15 سنة من قبل. واقام في فندق «تايم اوت» الذي يصل ايجار الغرفة فيه الى 22 دولارا في الليلة، وهو يقع الى جوار «دوغ باوند، المشهور في اوساط الطلاب. وبقى هناك لمدة شهر، طبقا لما ذكره مسؤولون اميركيون.

وخلال وجوده هناك، سجل المري شركة مزيفة اطلق عليها اسم AAA كربت وفتح ثلاثة حسابات مصرفية عن طريق رقم ضمان اجتماعي مسروق. واتهم باستخدام ارقام بطاقات ائتمان مسروقة للقيام بعمليات شراء وهمية من شركة السجاد كما فتح حسابا مصرفيا على الانترنت يمكن عن طريقه تحويل الاموال.

ثم قام «المسلم» بالرحلة التي اثارت قلق وغرابة المسؤولين في مكافحة الارهاب.

ففي 17 اغسطس من عام 2000 اتصل بوكالة سفر لحجز رحلة الى نيويورك، طبقا لما ذكره مكتب التحقيقات الفيدرالي. كما اتصل ايضا بإمام مسجد ماكوم، وهو طالب سعودي متخرج اسمه خالد الجلود، وطلب منه توصيله الى مطار بيوريا. طبقا لما ذكره جلود في مقابلة مع هذه الصحيفة. وقال جلود انه لم يعرف المكان الذي سيذهب اليه هذا الشخص الذي يطلق على نفسه اسم المسلم ولم يطلب منه معرفة مكان ذهابه. وقال انه يتلقى كثيرا مساعدات من الطلاب العرب لطلب المساعدات.

وفي اليوم التالي سافر «المسلم» من بيوريا الى نيويورك.

ما الذي كان يفعله في المدينة ذلك اليوم لا يزال غير معروف. ولكن الصدف تثير الانتباه. فديرين باروت المسؤول عن نشاطات القاعدة في بريطانيا كان في نيويورك. وقد طار من لندن قبلها بيوم لمتابعة سوق الاوراق المالية وغيرها من الاهداف المالية، طبقا لعريضة اتهام صدرت في عام 2005 في المحكمة الجزئية الاميركية في نيويورك.

واعترف باروت الذي قبض عليه في بريطانيا في عام 2004 وحكم عليه بالسجن مدى الحياة في الخريف الماضي، بما وصفه القاضي الذي نظر القضية بأنها مؤامرة «ضخمة ولم يسبق لها مثيل» لنسف عربات في مترو الانفاق في لندن، وتفجير قنابل قذرة اشعاعية واستخدام سيارات ليموزين مليئة بأنابيب الغاز لتدمير فنادق فاخرة.

كما اعترف هو وشركاؤه بإجراء عمليات استطلاع باستخدام كاميرات الفيديو لسوق الاوراق المالية والمصرف الدولي وغيرها من المواقع في نيويورك وواشنطن بين عام 2000 و 2001. وحصلوا على تصميمات المباني واجراءات الامن.

وبعد رحلة «المسلم» الى نيويورك عاد الى شيكاغو وبعدها بعدة ايام عاد للسعودية. وترك شيئا خلفه.

فقد اوضح جلود «لقد طلب مني وضع كومبيوتر في منزلي. وقال انه يريد تخزين معلومات الى ان يحضر اسرته». وقال جلود انه قبل الاحتفاظ بكومبيوتر في بدروم المسجد. «وبعدها بعدة اسابيع بدأ في الاتصال، يريد مني ارساله لباكستان وقال انه هناك». واضاف جلود انه في النهاية اتصل به رجل اخر في المسجد وطلب منه شحن الكومبيوتر الى عنوان في واشنطن. وقال الجلود انه نفذ ذلك، ودفع التكلفة بنفسه. وعاد جلود الى السعودية في نهاية عام 2001. وقال مسؤولون اميركيون في نهاية 2001. ولم يسمح للمسؤولين الاميركيين باستجوابه، ولكن السلطات السعودية حققت معه في عام 2005 . وقال الجلود انه قال للسعوديين انه لا يتذكر العنوان الذي ارسل اليه الكومبيوتر في واشنطن. وهو يعيش الان في اسكتلندا حيث يدرس الدكتوراه في مجال الطب الرياضي في جامعة ستيرلنغ. وفي 2 اكتوبر دق عنصرا مكتب المباحث الفيدرالي نيكولاس زامبيك وروبرت براون على باب شقة المري الجديدة في اطراف المدينة. وسمح لهم المري بالدخول وفحص صندوق كبير في الشقة، يحتوي على ملابس وتوابل. ويتذكر زامبيك انه لم يكن بالشقة الكثير من الاثاث.

وترك العميلان الشقة بعدما سألا المري عن رحلاته في الولايات المتحدة وعن قضية تتعلق برقم التأمين الاجتماعي، التي تم حلها في اليوم التالي.

وبدأ المري يثير الشكوك بعد ذلك ـ هذه المرة ماكوم. فقد قام بعدة رحلات ذلك الخريف الى تلك المدينة الواقعة غرب بيوريا. وحاول الانضمام لجامعة ويسترن الينوي لي مجال برنامج مكثف لدراسة الانجليزية، الا ان المسؤولين في المدرسة كانوا قلقين، فقد ذكرت مسؤولة ادارية ان «انجليزيته كانت جيدة، وكان قد انضم الى برنامجين لدراسة اللغة من قبل».

ولم يقدم المري عنوانا او يوقع الطلب. وقالت السيدة جولي روز انه «كان يتصل بالطلاب. كان الامر يبدو غريبا». وقالت انها حذرت طالبا سعوديا كان يحاول مساعدته وقالت له لا تتورط معه، كن حذرا ـ لا نعرف من هو».

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الاوسط» شارك في إعداد هذا التقرير كل من ساري هورويتز وآليس كرايتس وجولي تيت.