أكراد تركيا يبحثون عن لسان يتحدث عن مشاكلهم.. وأتراك يخشون من نياتهم

رغم الإصلاحات تظل مستويات النمو والحقوق السياسية في مناطق الأكراد أقل من باقي البلاد

TT

قبل يومين من الانتخابات التركية يتذكر الأكراد الذين سيخوضون الانتخابات كمستقلين، انه وفي مطلع التسعينات، طرد نواب أكراد تم انتخابهم في البرلمان، وسجنوا لأنهم اقسموا يمين الولاء باللغة الكردية وليس التركية قبل تولي مناصبهم. وفيما يتأهب الساسة الموالون للأكراد لدخول البرلمان التركي لأول مرة منذ أكثر من عشر سنوات، جالبين معهم أملا للكثير من الأكراد بالاهتمام بثقافتهم وحقوقهم السياسية، خصوصا انه لم تمثل أحزاب موالية للأكراد الجزء الجنوبي الشرقي الفقير المضطرب من تركيا في البرلمان منذ أوائل التسعينات، تبرز أمامهم العقبات الكثيرة التي تعوق مشاركة الأكراد بفاعلية في الحياة السياسية. وقال محمد شريف كورتا، 47 عاما، وهو بائع متجول للخضروات في سوق بديار بكر، أكبر مدن الجنوب الشرقي لوكالة «رويترز»: «لا يهمنا عدم وجودهم في الحكومة. كل ما نريده هو التمثيل في البرلمان وأن يتحدثوا بلساننا». ويشكو أكراد تركيا الذين يتراوح عددهم بين 12 و15 مليونا من بين 74 مليون نسمة هم إجمالي عدد السكان، من التمييز السياسي والاقتصادي والثقافي، ومن أسباب ذلك عدم الاعتراف بهم رسميا كأقلية عرقية. ويأمل الأكراد أن تكون هذه الانتخابات نقطة تحول لأفقر مناطق تركيا وهي البلد الذي يمر بمرحلة من الانتعاش الاقتصادي باستثناء تلك المنطقة، وأن تساعد في نهاية الأمر على إنهاء الصراع المسلح بين المتمردين المسلحين الأكراد والقوات المسلحة. وقال نصرت ليلي، وهو موسيقي كردي تخلى عن عمله الفني بعد أن سجن لفترة لـ«رويترز»: «ما من أحد يجرؤ على تناول القضايا الكردية لأن الكثير من الأتراك يعتقدون أن كل الأكراد إرهابيون وأن اللغة والهوية الوحيدة هي التركية». ونصرت الذي يعد الآن لتسجيل ألبوم جديد، تابع قائلا «يمكن أن يساعد المرشحون الأكراد في تغيير تلك الصورة».

وتقدم حزب المجتمع الديمقراطي، أكبر الأحزاب الموالية للأكراد، بالعشرات من المرشحين غير المنتمين أو «المستقلين» لأن الحزب يخشى ألا يحصل المرشحون على نسبة العشرة في المائة من الأصوات، وهي الحد الأدنى الذي تفرضه الحكومة للفوز بمقاعد في البرلمان. وتتوقع استطلاعات الرأي أن يفوز هؤلاء المرشحون بما بين 20 و30 مقعدا من بين 550 مقعدا في البرلمان. وسيكون هذا العدد كافيا للأعضاء لإعادة التنظيم تحت لواء حزب المجتمع الديمقراطي بمجرد انتخابهم. ومن المتوقع أن يظل حزب العدالة والتنمية الحاكم ذو الجذور الإسلامية أكبر حزب في البرلمان الجديد. ومن المفترض أيضا أن يتخطى الحزب الشعبي الجمهوري المنتمي الى يسار الوسط، والحزب الشعبي القومي ذو التوجهات القومية نسبة العشرة في المائة وأن يفوزا بمقاعد. وحصل حزب المجتمع الديمقراطي عام 2002 والذي كان يعرف في ذلك الحين باسم الحزب الشعبي الديمقراطي، على ستة في المائة من الأصوات، ولم يحصل على أي مقعد رغم حصوله على أغلب الأصوات في جنوب شرق البلاد الذي تسكنه أغلبية كردية. وقال سيزجين تانريكولو وهو محام بارز في مجال حقوق الإنسان «إن مصدر قلقي هو أن التوقعات كبيرة للغاية. يعتقد الأكراد أن كل مشكلاتهم ستختفي بمجرد دخول حزب المجتمع الديمقراطي البرلمان. سيكون هذا صحيحا لو كانت تركيا بلدا ديمقراطيا، ولكنها ليست كذلك». ويخشى القوميون الأتراك أن تكون رغبة الأكراد هي تقسيم البلاد ويقولون إن حزب المجتمع الديمقراطي هو لسان حال حزب العمال الكردستاني المحظور والذي ما زال يلقى قدرا لا بأس به من الدعم في الداخل والخارج. وينفي حزب المجتمع الديمقراطي أي صلة بحزب العمال الكردستاني، ولكن سكان جنوب شرق البلاد يقولون إن للحزب علاقات فضفاضة مع حركة المتمردين. وتتهم أنقرة حزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكذلك تركيا منظمة ارهابية، بالمسؤولية عن سقوط 30 ألف قتيل منذ بدء الجماعة حملتها المسلحة للحصول على وطن مستقل للأكراد عام 1984. وزادت وتيرة العنف مرة أخرى وتقول جماعات حقوق الإنسان إن أكثر من 200 من الجنود ومتمردي حزب العمال الكردستاني لقوا حتفهم منذ يناير (كانون الثاني). ويعتقد الكثير من السكان المحليين أن حزب المجتمع الديمقراطي يمكن أن يساعد في إنهاء الصراع. ولكن إن صحت استطلاعات الرأي فان حزب المجتمع الديمقراطي يمكن أن يجد نفسه منخرطا في مواجهات وربما في معارك قانونية مع القوميين الأتراك بمجرد دخول مرشحيه البرلمان. ومن المرجح أن تواجه إيسل توجلوك، وهي عضو في حزب المجتمع الديمقراطي وترشح نفسها كمستقلة متاعب من زملائها من النواب في حال انتخابها بسبب علاقتها بزعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوغلان، باعتبارها محامية الدفاع. وهون أحمد ترك، زعيم حزب المجتمع الديمقراطي، وهو سياسي محنك وكان بين المسجونين بسبب واقعة 1991 في البرلمان عندما تحدث النواب باللغة الكردية، من مخاوف من احتمال أن يفسد حزبه هذه الفرصة التاريخية. وقال ترك خلال جولة انتخابية الى كيزيلتيبي قرب الحدود مع سورية «نحن نعلم أنه ستكون هناك استفزازات ولكننا لا ندخل البرلمان لاختلاق اشتباكات بل لايجاد حلول». ويدير حزب المجتمع الديمقراطي عدة مجالس بلدية بالفعل في جنوب شرق تركيا. واتخذ حزب العدالة والتنمية بعد ضغط من الاتحاد الأوروبي خطوات صغيرة لتلبية مطالب الأكراد في السنوات الأخيرة مثل السماح ببث برامج محدودة على التلفزيون باللغة الكردية وتدريس اللغة الكردية في دورات خاصة. وقال وزير الزراعة مهدي اكير، وهو كردي، خلال زيارة انتخابية في اقليم أجدير بشرق تركيا «تحسن الوضع منذ تولينا السلطة، ولكن الأمر يستغرق وقتا ويتعين تجاوز قدر كبير من الماضي». ويبدو أن هناك بعضا من السكان المحليين الذين لا يشعرون بالرضى عما يقوم به حزب المجتمع الديمقراطي. وقال الطالب ايدين بيكارا،21 عاما، من كيزيلتيبي «أنا أصوت لصالح حزب العدالة والتنمية لأنه يجلب استثمارات ويمنحنا كتبا دراسية. أنا لا أدري ما الذي فعله حزب المجتمع الديمقراطي».