معركة تمويل حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية بدأت مبكرة

المتنافسون جمعوا حتى الآن 254 مليون دولار والحماس للتبرع أشد للمرشحين الديمقراطيين

TT

جمع التبرعات والمساهمات المالية يعتبر مفتاح النجاح في طريق الوصول الى السلطة السياسية في الولايات المتحدة، وحاليا ازدادت سخونة سباق جمع التبرعات بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي. بعض المرشحين أعلنوا اعتزامهم خوض معركة الترشيح، والناخبون من جانبهم لا يزالون يشعرون بالإرهاق فيما يبدو من الانطلاق المبكر للسباق الرئاسي العام المقبل، إذ لا يزال هناك ما يزيد على ستة شهور على السباق التمهيدي.

الانتخابات والسباقات التمهيدية قبلها ستكلف الحزبين الجمهوري والديمقراطي عدة مليارات من الدولارات عندما ينطلق التصويت لانتخاب رئيس جديد للبلاد في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام المقبل، إلا ان الضغوط الرامية الى جمع الأموال تعتبر الآن اكثر حدة ونشاطا من أي وقت مضى. ويقول محللو انتخابات وخبراء استطلاعات ان على المرشحين تأمين احتياطات مالية وإلا سيجدون انفسهم خارج دائرة التنافس عندما يبدأ موسم الاعلانات السياسية على شاشات التلفزيون في اكتوبر (تشرين الأول). يضاف الى ما سبق ان التعديلات في جداول السباقات التمهيدية سيصب في مصلحة المرشحين الأقوياء الذي اعلنوا ترشيحهم مبكرا على حساب الذين سيصعد نجمهم متأخرا بسبب عدم توفر الوقت لجمع تبرعات جديدة او تأخرهم في الحملات الانتخابية بالولايات. يقول آنتوني كورادو، الزميل بمعهد بروكينغز، ان التعديلات التي اجريت على التقويم الزمني كان لها اثر عميق على طريقة المرشحين في جمع التبرعات، أي ان على المرشحين التنافس على 15 او 20 مقعدا في نفس الوقت. وعليه يجب عليهم ان يجمعوا تبرعات الآن كي تصبح جاهزة للإنفاق لدعم جهود المرشح. ويبدو ان المنافسة باتت حادة اثر جمع مبلغ 245 مليون دولار حتى الآن. إذ نجح ثمانية من الديمقراطيين من جمع مبلغ 80 مليون دولار خلال فترة الثلاثة أشهر السابقة، فيما جمع 10 جمهوريين مبلغ يقارب 50 مليون دولار. ويتقدم الديمقراطيين باراك اوباما، الذي نجح في جمع تبرعات بلغت جملتها حتى الآن 33 مليون دولار تليه هيلاري كلينتون (27 مليون دولار) وجون ادواردز (9 ملايين دولار) والحاكم بيل ريتشاردسون (7 ملايين دولار) بالإضافة الى اثنين آخرين هما كريس دود وجو بيدن (3.5 مليون دولار وربما أقل). الجمهوريون جمعوا تقريبا نصف التبرعات التي توصل الى جمعها مرشحو الحزب الديمقراطي، إذ جمع رودلف جولياني 17.2 مليون دولار وحاكم ماساتشوسيتس ،السابق مت رومني 13.7 مليون دولار والسيناتور جون ماكين 11.2 مليون دولار. إلا ان لعبة المال اثبتت مسبقا انها مكلفة. فقد أقال ماكين قبل 3 اسابيع 50 من العاملين في حملته اثر النتائج السلبية التي افرزتها الاستطلاعات. وفي وقت لاحق استقال اثنان من كبار المساعدين بعد ان اتضح ان ماكين جمع تبرعات أقل من جولياني ورومني. ويبدو ان تأييده العلني للحرب في العراق ادى الى تراجع التبرعات لصالح ماكين الى أقل من مليوني دولار.

ويرى محللون ان وضع حملة ماكين لا يعكس افتقاره لتأييد قطاع الأعمال التجارية وإنما الفشل في التواصل مع المواطنين العاديين. وكان اوباما قد نجح في جمع مبلغ 260000 دولار باستخدام شبكة الانترنت كوسيلة قليلة التكلفة لجمع التبرعات، علما بأن ثلث مبلغ الـ33 مليون دولار من التبرعات التي جمعها اوباما كانت مساهمات بحدود 200 دولار او اقل. على العكس من ذلك، جمعت هيلاري كلينتون مبلغ مليوني دولار من التبرعات الصغيرة.

ويقول كورادو ان المرشحين يفضلون التبرعات الصغيرة من قاعدة واسعة من المتبرعين لأنه من الممكن العودة مرة اخرى الى هؤلاء المتبرعين عند اشتداد المعركة العام المقبل. لا يرغب المحللون في استبعاد ماكين لأنه صاحب شعبية وسط قادة قطاع الأعمال، وتحتل قائمة مؤيديه المرتبة التالية لهيلاري كلينتون، التي لم تحصل على تأييد واسع في وول ستريت. ومن ضمن مؤيدي ماكين فريد سميث، المؤسس والمدير التنفيذي لشركة «فيديكس» وجيمس لي رئيس «جي بي مورغان تشيس» وجون ثاين، المدير التنفيذي لـ«نيس ايورونيكست». إلا ان ماكين ليس الوحيد الذي يشعر بالقلق ازاء الجانب المالي، فجولياني ورومني لا يعتبران جمهوريين اصيلين في نظر البعض، والمحافظون ينظرون بعين الشك الى التوجه الليبرالي لجولياني والميول «المورمونية» لرومني. إلا ان كليهما وجد تأييدا في دوائر المال والأعمال خصوصا رومني. ولكن في ظل تطلع الجمهوريين الى مرشح من طراز رونالد ريغان تبرز شكوك في ان يتمكن أي جمهوري من منافسة الديمقراطيين في جمع التبرعات للمعركة الانتخابية. ويقول كورادو ان ذلك يعكس الرغبة في التغيير في الولايات المتحدة. إلا ان المعركة الحقيقية هي بين هيلاري كلينتون وباراك اوباما، إذ ينظر كلاهما الى مجتمع المال والأعمال في منطقة الساحل الشرقي وأيضا الى قطاع الترفيه والتكنولوجيا في مناطق غرب الولايات المتحدة. وبما ان السباق لا يزال مفتوحا، فإن هناك متبرعين بارزين على استعداد لدعم عدة مرشحين في نفس الحزب او في الحزبين المتنافسين، فعلى سبيل المثال تبرع ستيفن شوارزمان، المدير التنفيذي لشركة «بلاكستون» لكل من ماكين ورومني. وفي الغرب أقام الملياردير ديفيد غيفين، الذي تخلى عن صديقيه القديمين هيلاري وبيل كلينتون، مناسبات لجمع التبرعات دعما لأوباما ولعمدة نيويورك مايك بلومبيرغ. من ضمن مؤيدي اوباما من الأسماء المعروفة اوبرا وينفري والمنتج السينمائي جيفري كاتزينبيرغ بالإضافة الى عدد من أثرياء شيكاغو، وهناك ايضا جون ماك، المدير التنفيذي لـ«مورغان ستانلي» وشيريل ساندبيرغ، نائبة رئيس «غوغل»، والمخرج السينمائي ستيفن سبيلبيرغ. ولكن في ظل عجز أي من الحزبين عن تقديم مرشح خال من العيوب الانتخابية ومطالبة الناخبين برئيس قادر على تغيير الاتجاه، يبقى السباق مفتوحا على مصراعيه. من المحتمل ان تكون الصورة خلال فترة ستة شهور مختلفة تماما. فإذا اخذنا في الاعتبار امكانياته المالية الهائلة، لا يمكن تجاهل بلومبيرغ، فيما سيأمل تومسون في الحصول على تبرعات صغيرة عبر الانترنت، ويقول كورادو ان نجاحه يعتمد على تحليه ببعض من جانب الجاذبية الشخصية التي يتمتع بها اوباما لدى الديمقراطيين. ويعتقد كورادو ان تومسون يمكن ان يصبح مرشحا لا يمانع الجمهوريون في ان يتبرعوا له بـ50 او 100 دولار والنظر اليه بمثابة الشخص الذي يريدون. كل شيء يعتمد على المال.

*خدمة «غارديان نيوز آند ميديا» خاص بـ«الشرق الاوسط»