«البنتاغون» يحصل على دروس في فن «الابتكار» لكسب ود الشعب العراقي

بعد فشل «ماركة القوة» التي طرحها أيام الغزو أمام «ماركات» العدو المنافسة

TT

في عالم الإعلانات هوية المنتج هي كل شيء. فسيارة فولفو تعني الأمان. وكولغيت يعني النظافة. والايبود يعني الاناقة. ولكن منذ غزت القوات المسلحة الاميركية العراق في عام 2003 تبين ان «استعراض القوى» كانت له جاذبية محدودة للمستهلك العراقي، طبقا لدراسة جرت مؤخرا لحساب القوات المسلحة الاميركية.

واوضح اخصائي علم النفس العيادي تود هيلموس مؤلف كتاب «تكليف ميدان مديسون: منطلقات التسويق للفوز بدعم شعبي في مسرح العمليات»، وان المدخل الى زيادة صورة وفاعلية العمليات العسكرية حول العالم يتطلب «تشكيل» كل من المنتج والسوق، ثم تأسيس هوية منتج تضع ما تبيعه في ضوء ايجابي. وقد صدرت الدراسة الواقعة في 211 صفحة والتي دفعت فيه قيادة الاركان المشتركة 400 الف دولار لمؤسسة راند، في الاسبوع الحالي.

وتوصل هيلموس والمشاركون في الدراسة الى ان «ماركة القوة» التي طرحتها الولايات المتحدة في السنوات الاولى من الاحتلال، كان مصيرها الفشل منذ البداية وفقدت الكثير امام «ماركات» العدو المتنافسة. واشار التقرير الى انه في الوقت الذي لم تتخل فيه الولايات المتحدة عن العناصر المتشددة للحرب، فربما كانت «الماركة» الاكثر جاذبية بالنسبة للعراقيين هي «سنساعدكم»، وهو ما تسعى اليه استراتيجية الرئيس بوش الجديدة نحو العراق، وهي تركز على تشكيل قوات اميركية للحماية في احياء بغداد، وتدريب قوات الامن العراقية، وتشجيع الحكومة المحلية والمركزية لأخذ زمام المبادرة في تحسين الاوضاع.

وتجدر الاشارة الى ان الكثير من نتائج الدراسة ربما تبدو واضحة كما هي صعبة التطبيق وسط العمليات القتالية والهجمات الارهابية. واعترف هيلموس ان الوقت قد مضى من اجل اعادة تسويق الجهود الاميركية في العراق. ولكن دود شاتل، الذي طلب مكتب العمليات الحضرية في قيادة الاركان المشتركة اجراء الدراسة، ذكر ان «المدن هي ميادين المعارك في المستقبل». وما حدث في بغداد يقدم درسا للمستقبل. واوضح «ليس ذلك خاصا بنسف الاشياء بل هو يتعلق بالعمل في بيئة في غاية التعقيد».

ففي تمرد حضري، على سبيل المثال، يمكن للمدنيين تحديد المتسللين من العدو ومساعدة القوات الاميركية. الا ان الدراسة قالت ان احتمالات مساعدتهم اقل ترجيحا عندما يتعرضون للاضرار خلال هجمات اميركية، وتحطم ابواب بيوتهم او يطلق عليهم النار في نقاط التفتيش لانهم لا يتحدثون الانجليزية. والعلاقات الثقافية والسعي للقيادات المحلية عند دخول حي ما، مهمة للغاية.

واشارت دراسة راند الى ان انجح الشركات، هي تلك التي تدرس زبائنها وتشكل مناطق عملها ومنتجاتها بطريقة تربط ما بين ماركتهم في كل التعاملات مع المستهلك. يقترح هليموس توسيع التدريب العسكري ليشمل مسائل مثل الوعي الثقافي، وتركز الدراسة على مخاطر الفشل في فهم المستهلك. وتحذر الدراسة من ان بعض الأشياء لا تترجم بطريقة جيدة وان الخطر يكمن في افتراض التشابه. فإشارة بوش خلال الاحتفال ببداية فترة رئاسته الثانية عام 2005 بسبابته واصبعه الصغير تعتبر في بعض الثقافات «رمزا للشيطان» ودلالة على الخيانة الزوجية في ثقافات اخرى. الكلمات ايضا تتسبب في اثارة الارتباك من الناحية الثقافية. فكلمة «جهاد»، على سبيل المثال، لها مضامين دينية لدى المسلمين. واستخدامها للدلالة على الارهاب يراه البعض مسيئا ويعطي شرعية لارتكاب أعمال عنف. ويقر شاتل بأن كثيرا مما يحقق نجاحا في الإعلان التجاري المتعلق بالمستهلكين في الولايات المتحدة ربما لا يكون كذلك في بغداد. لكنه يقول ان عمليات المدن تتعلق اساسا باستكشاف الواقع الجديد والتكيف معه. أضاف شاتل ايضا انهم في حاجة الى النظر الى مفاهيم جديدة وممارسات جديدة في المجال التجاري بغرض معرفة ما اذا كانت هناك اشياء يمكن تعلمها. وبما ان مكتبه قد اقيم بعد ان أعلن الجيش الاميركي عن نهج جديد في حرب المدن عام 2002، فإنهم ظلوا باستمرار يتعلمون من الدروس المستفادة من كل مختلف الدول وليس فقط العراق وأفغانستان، وإنما أماكن اخرى مثل الفلبين واميركا الجنوبية. وأضاف قائلا انهم عادة ما يتوجهوا الى أي منطقة كان يدور فيها قتال بغرض الإطلاع. ويرى شاتل ان التحدي الذي يواجه الدراسة التي اعدت حول الإعلانات يتمثل في العثور على «شيء يمكن تعلمه من ماديسون آفينيو او من المسوقين للمساعدة في محاولة توجيه رسالة حول ماهية الديمقراطية». وقال شاتل ان سكان المدن هم مركز الجذب في العراق وان المشكلة تكمن في كيفية التأثير عليهم كي يقفوا في جانب الولايات المتحدة او ألا يصحبوا عدوا لها على الأقل. ويكمن هدف مثل هذه الدراسات في استيعاب التجارب الناجحة وتطبيقها وتضمينها في برامج التدريب المستقبلية. وأشارت دراسة راند الى ان الأعداء يعملون على طريقتهم على تشكيل ساحة معارك المدن. وفيما التهديد والإكراه والاغتيالات ربما لا تجعلهم محبوبين، فإن مثل هذه التقنيات تحد بصورة فاعلة من تواصل الناس مع القوات الاميركية. تعلمت قوات العدو ايضا ان «القيام بعمل ايجابي منهج تقليدي في كسب الأصدقاء والتأثير على الآخرين»، وكثيرا ما يقدم خدمات اساسية على نحو لا تستطيعه القوات الاميركية. ويقول هلموس ان الجيش الاميركي والسلطات المدنية يجب ان توقف النظر الى نفسها كونها «مصدرا للأفكار الايجابية»، وان أي فكرة تصدر عنها افضل من أفكار العملاء.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الاوسط»