قائد القوات الأميركية في العراق لسلطان هاشم: من أجل هذه الأمة العظيمة أرجو أن تتخذ القرار الصحيح

مكتب بترايوس يؤكد مصداقية رسالة حصلت عليها «الشرق الأوسط»

TT

أكد مصدر في مكتب قائد القوات الأميركية في العراق ديفيد بترايوس، مصداقية رسالة، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها بعثها الجنرال الأميركي إلى وزير الدفاع العراقي السابق سلطان هاشم أحمد الطائي صيف 2003 يطالبه فيها بـ«الاستسلام الشريف». وكان الوزير العراقي السابق سلم نفسه بعد أشهر من سقوط نظام صدام حسين السابق بناءً على طلب اميركي له بالاستسلام، مقابل معاملة حسنة، ليسجن ويحكم لاحقاً بالاعدام بقضية «الانفال». الا ان المصدر العسكري الاميركي رفيع المستوى نفى أن يكون بترايوس قد تعهد بإعطاء سلطان هاشم حصانة من المحاكمة مقابل الاستسلام، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «أي انطباع بأن الجنرال بتريس، خلال توليه قيادة وحدة عسكرية عام 2003، وعد الجنرال سلطان هاشم حصانة من المحاكمة في حال استسلامه، هو انطباع خاطئ». وبحسب الرسالة التي حصلت «الشرق الأوسط» عليها من مصادر موثوقة، وجه بترايوس خطاباً لسلطان هاشم يوم 28 أغسطس (آب) 2003 من منطلق مبدأ رجل عسكري يخاطب زميلاً عسكرياً آخر، قائلاً: «انك معروف لسمعتك المنتشرة على صعيد هذا البلد، كونك رجلاً نزيهاً ومحترماً. وعلى الرغم من اننا وجدنا انفسنا على جانبين مختلفين في الحرب، لكننا نتشارك في نفس الميزات». وأضاف: «كوننا رجالاً عسكريين نحن نتبع اوامر قادتنا، ليس بالضرورة ان نتفق على السياسة والروتين الحكومي، ولكننا نفهم بأننا يجب أن نطيع الأوامر الآتية من القادة، وان ندعم قادتنا في القرار الذي يتخذونه». وناشد بترايوس سلطان هاشم بالتعاون مع القوات الاميركية، قائلاً: «ان سقوط نظامكم يؤكد على ضرورة اخذ فكرة مساندتنا بنظر الاعتبار من قبلكم». وأضاف: «اعرض عليك وببساطة، خياراً يضمن لك الاحترام أو أن تحيا حياة تكون فيها هارباً من قوات التحالف حتى تتجنب القاء القبض عليك، لكي لا تودع في السجن وتخسر كرامتك واحترامك كضابط معروف كفريق اول ركن».

وانهى بتريوس خطابه بمطالبة سلطان هاشم، الذي كان مختبئاً في الموصل مدينة مولده حينها، بالاستسلام، قائلاً: «اطلب منك رسمياً ان تسلم نفسك، وفي المقابل سأستلمك شخصياً». واضاف: «لك كلمتي بأنك ستعامل باحترام فائق وكرامة، وبألا يتعرض أحد لك أو يسيء معاملتك لا جسدياً ولا معنوياً، طالما انت تحت وصايتي». وختم الرسالة بالقول: «من اجل مستقبل هذه الامة العظيمة أرجو من الله ان تتخذ القرار الصحيح، الذي تمليه عليك اخلاقك».

وأكد ضابط عسكري رفيع المستوى يعمل في مكتب بترايوس مصداقية الرسالة بعد الاطلاع عليها، قائلاً: «أؤكد ان الرسالة هي ما بعثت اليه»، في اشارة الى سلطان هاشم. واضاف في تصرح لـ«الشرق الأوسط» حول استسلام هاشم للقوات الاميركية مقابل معاملة حسنة: «الجنرال بتريس قبل استسلامه وعامله باحترام، وراعى احتياجاته الطبية، وهو يعامل بهذه الطريقة خلال فترة احتجازه لدى قوات التحالف». وشرح المصدر العسكري الأميركي الأسباب وراء ارسال الجنرال بتريس تلك الرسالة، قائلاً: «في عام 2003، عندما كان الجنرال بتريس في مرتبة ميجور جنرال قائداً عاماً للفرقة 101 المحمولة جواً، قرر ان استمرار ولاء الجنرال سلطان هاشم لنظام صدام حسين، كان يهدد محاولات بناء الامن والاستقرار في العراق. واعطى الجنرال العراقي خياراً: الاستسلام بشرف أو الملاحقة من قبل قوات التحالف». وأكد أن «الجنرال بتريس عرض الاستسلام على سلطان هاشم تحت قانون النزاع المسلح، ووعده بالمعاملة الانسانية، بما في ذلك الرعاية الصحية والاحترام المناسب لرتبة الجنرال سلطان المتقدمة، والتزمنا بهذه الوعود». ولكنه اردف قائلاً: «لم يوعده، ولم يكن بالامكان الوعد، بإعطائه حصانة لجرائم اتهم سلطان بها لاحقاً، ومن ثم ثبت انه قام بها». وقد سلم سلطان هاشم نفسه الى قوات التحالف يوم 19 سبتمبر (ايلول) 2003، أي بعد فترة وجيزة من استلامه رسالة بترايوس ومكث في سجن «كروبر» الاميركي في بغداد ووجهت تهم الابادة الجماعية له في قضة «الانفال»، وهي العمليات العسكرية بين عامي 1987 و1988 التي اودت بحياة حوالي 180 الف كردي. واصدرت المحكمة الجنائية العراقية العليا حكماً بالاعدام بحق سلطان هاشم، بالإضافة إلى علي حسن المجيد وحسين رشد التكريتي يوم 24 يونيو (حزيران)، والحكم قيد الاستئناف.

وحول حكم وزير الدفاع العراقي السابق بالاعدام، قال المصدر العسكري الرفيع: «الأدلة التي جمعتها المحكمة العراقية العليا، تظهر ان سلطان هاشم شارك في حملة الانفال»، مضيفاً: «المحكمة وجدت انه قام بخروقات خطيرة لقوانين الحرب وتقاليدها، بالإضافة الى القانون الدولي». وتابع: «على الأخص، وجدت انه ساعد في تنفيذ الأمر رقم 4008 الذي أمر بإعدام اشخاص بين سن الـ15 والـ70 عاماً في قرى معينة».

وتعتبر بعض الأوساط العراقية ان العفو عن سلطان هاشم قد يساعد في تهدئة الأوضاع الأمنية في العراق، وكسب تأييد عناصر الجيش العراقي المنحل بسبب المكانة التي يتمتع بها هاشم بين الجنود العراقيين والذي عرف بكفاءته ومهنيته. وكان رئيس الوزراء العراقي السابق رئيس القائمة العراقية اياد علاوي، اول من طالب بإطلاق سراح الوزير العراقي السابق، وكرر هذا النداء من خلال وسائل الاعلام مرات عدة. وبناءً على ذلك، وجه سلطان هاشم رسالة شكر الى علاوي اطلعت عليها «الشرق الأوسط» جاء فيها «أشكركم جزيل الشكر والامتنان على حديثكم وتقييمكم لي في وسائل الاعلام، ومطالبتكم بإطلاق سراحي». وقال مصدر مقرب من رئيس الوزراء العراقي السابق: «الدكتور اياد علاوي يسعى لإطلاق سراحه لإيمانه بأنه رجل مهني، ولم يشارك في جرائم نظام صدام». ويذكر أن علاوي كان على علم برسالة بترايوس الى سلطان هاشم، ومساعي الاميركي لاستسلامه.

وعبر عسكري عراقي سابق برتبة عميد، عمل مع سلطان هاشم ومقيم في عمان حالياً، عن استيائه من الحكم الصادر بحق وزير الدفاع السابق، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: أي عسكري عراقي ساهم في حرب ايران ستتم تصفيته، اما عن طريق المحكمة أو الميليشيات الموالية لإيران». وقال المصدر الأميركي المقرب من بترايوس ان مصير الحكم النهائي على سلطان هاشم، ما زال قيد الدراسة للاستئناف، معتبراً ان «أي اقتراح بأن مصير سلطان هاشم نتيجة لوعود لم تتحقق امر خاطئ تماماً». ورداً على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول احتمال تهدئة الوضع الأمني من خلال العفو عن سلطان هاشم، وكسب عناصر الجيش العراقي السابق، قال: «لا نتفق مع التقييم بأن ذلك سيغير من الوضع»، مضيفاً ان المسألة تعود في آخر الأمر لقرار المحكمة العليا العراقية.