لمن سيصوت الأتراك؟

الاختيار بين حزب التوأمين وحزب رجعت به عقارب الساعة للوراء وحزب متهم بعلاقات مع عصابات

مؤيدون لـ «حزب العمل القومي» يحملون علما ضخما في اسطنبول أمس (أ.ب)
TT

إذا فاز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات البرلمانية اليوم، فإن زعيمه رجب طيب أردوغان، سيكون قد حقق انجازا لم يحصل من قبل في تاريخ الأحزاب ذات الجذور الإسلامية في تركيا، وهو الفوز في دورتين متتاليتين. فحزب الفضيلة بزعامة نجم الدين أربكان، ظل في الحكم نحو العام، قبل أن يجبره الجيش على الاستقالة، ويحظر على أربكان العمل السياسي، ويحل الحزب الذي لم يتمكن بالتالي من المشاركة في الانتخابات التالية. وإذا كان فوز حزب العدالة شبه مؤكد، فإن الشيء غير المؤكد هو نسبة الأصوات التي سيحصل عليها، فالحزب يريد الحكم منفردا، ولا يريد حكومات ائتلافية مع الأحزاب العلمانية أو القومية. وهناك توجس داخل العدالة من «نتائج مفاجئة» في بعض المحافظات، خصوصا أن الحملات الانتخابية للأحزاب العلمانية والقومية كانت مكثفة، وحصدت الكثير من التأييد الذي ظهر في المظاهرات التي شارك فيها الملايين من الأتراك في أنقرة واسطنبول خلال أزمة انتخابات الرئاسة. فمن هي الوجوه الأساسية التي تتنافس في الانتخابات؟

* رجب طيب أردوغان يتمتع أردوغان، 53 عاما، زعيم حزب العدالة والتنمية ورئيس الوزراء، بشعبية كبيرة في تركيا، ويعتبره البعض السياسي الأكثر نفوذا على الساحة السياسة اليوم. ومع أن الجيش التركي اختلف كثيرا مع سياسات أردوغان خصوصا بسبب أزمة الرئاسة، ومواجهة حزب العمال الكردستاني، إلا أن الجيش لم يستطع أن يزعزع سلطات أردوغان، أو يهدد منصبه، مما دفع الكثيرين إلى القول إن المؤسسة السياسية في تركيا، بلغت مستوى من القوة يمكنها من مواجهة تدخل العسكر في السياسة.

يدخل أردوغان الانتخابات، وفي جعبته الكثير من الانجازات، أهمها على الاطلاق بدء المفاوضات التاريخية بين تركيا والاتحاد الأوروبي للانضمام لعضوية الاتحاد عام 2003، والنمو الاقتصادي الذي تحقق في عهده. لكن على الجانب الآخر، يعارض العلمانيون أردوغان ليس بسبب سياساته حيال حزب العمال الكردستاني، بل بسبب خلفيته الإسلامية. فأردوغان، الذي شغل منصب عمدة اسطنبول، وطبق فيها بعض أفكاره، سجن عام 1999 لعدة أشهر بسبب القائه قصيدة شعرية في محفل عام تعلي من شأن الجامع والمئذنة على حساب الجيش والقوات المسلحة، وهو ما رأته المحكمة ساعتها شيئا لا يمكن غفرانه. أما زوجته أمينة، فترتدي الحجاب، وتصلي بانتظام هي وأبناؤها الأربعة. ويقول العلمانيون إن ارتداء السيدة الأولى لتركيا للحجاب، مؤشر خطر على علمانية البلاد.

* عبد الله غل عبد الله غل، 56 عاما، هو ثاني أهم شخصية سياسية في تركيا اليوم، ليس فقط بوصفه الرجل الثاني في حزب العدالة والتنمية، بل لكونه «مهندس» الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا لبدء مفاوضات الانضمام، كما أنه كان مرشح حزب العدالة والتنمية للانتخابات الرئاسية. وبالرغم من الأزمة السياسية التي حدثت على خلفية هذا الترشيح، ما زال غل وحزب العدالة يريان أن وزير الخارجية سيكون قريبا رئيسا للبلاد، بعد تطبيق نظام التصويت الشعبي المباشر. وعلى عكس أردوغان الذي لم يتعلم في الخارج، ولا يتحدث أية لغات أجنبية، ويرفض تعلم الانجليزية، واهتمامه بالقضايا الدولية ضئيل جدا، فإن غل درس في بريطانيا، وهو يتحدث الانجليزية إلى جانب التركية، وذو معرفة واسعة بالقضايا الدولية، كما أنه مفاوض ماهر. وبسبب علاقاتهما الوثيقة جدا، وكون كل واحد منهما يكمل الآخر، فإن الحديث عن حزب العدالة والتنمية، يعني الحديث عن أردوغان وغل معا، أو «حزب التوأمين»، فالأول يركز انتباهه على القضايا الداخلية والحزبية، والثاني يركز انتباهه على القضايا الخارجية وعلاقة تركيا بالعالم وجيرانها الإقليميين.

خير النساء، زوجة غل محجبة وملتزمة دينيا، مثلها مثل زوجة أردوغان، غير انها ايضا ناشطة نسوية وحقوقية، وقد رفعت قضية أمام محكمة حقوق الإنسان الأوروبية بخصوص منع ارتداء الحجاب في تركيا في المدارس والمؤسسات الحكومية، وبالتالي يشعر العلمانيون انها خطر على مبادئ اتاتورك، مثلها مثل أردوغان وغل، ولا يتصورون أن تصبح السيدة الأولي.

* دينز بايكال بايكال، 69 عاما، هو زعيم حزب اتاتورك، أو الحزب الشعبي الجمهوري الذي أسسه مصطفى كمال اتاتورك، وحكم تركيا لفترات طويلة، قبل أن تضعفه التصدعات الداخلية، وصعود الإسلاميين، إلا أن الحزب ما زال حزب المعارضة الرئيسي في تركيا، وأهم حزب علماني. بايكال ليس بعيدا عن دوائر الحكم، فقد شغل منصب وزير الخارجية بين 1995 و1996، لكن ادارته لحزب الشعب الجمهوري لم ترض البعض داخل الحزب، وهناك اتهامات له بأنه أخذ الحزب المحسوب على يسار الوسط إلى ناحية اليمين الشعبوي. ومع أن بايكال درس في أميركا لفترة طويلة، إلا أن رأيه في السياسة الأميركية في المنطقة، خصوصا العراق، سلبي جدا، وقد انتقد أردوغان بسبب قربه من واشنطن. والانتقاد الأساسي الذي يوجهه بايكال للعدالة والتنمية، هو أن الحزب يهدد مبادئ العلمانية التركية، مستشهدا بمساعيه لانتخاب غل رئيسا للبلاد، وهي المساعي التي شلها بايكال برفع الأمر إلى المحكمة العليا التركية التي ساندت طلبه، واعتبرت تصويت البرلمان غير قانوني لعيوب فنية، وأحالت الأمر إلى الاستفتاء الشعبي، مما يعني أن «سيناريو حكم ائتلافي بين العدالة والشعبي الجمهوري» غير وارد.

* دولت بهشلي بهشلى، 59 عاما، هو زعيم حزب الحركة القومية ذو التوجهات اليمينية. ومع أن بهشلي قضى معظم حياته السياسية داخل الحركة اليمينية، إلا أن الخبير الاقتصادي، غير لهجته السياسية وبعض أفكاره، عندما شارك في الحكومة الائتلافية التركية من 1999 إلى 2002، وبات أكثر اعتدالا. لكن فشل الحزب في انتخابات 2002 في الفوز بأي مقاعد في البرلمان، أعاد عقارب الساعة للوراء بالنسبة إلى بهشلي، الذي تراجع عن أفكاره المعتدلة في هذه الانتخابات واستخدم طوال حملة الانتخابات الحالية شعارات يمينية متشددة، من بينها دعوة الجيش «لاكتساح قواعد حزب العمال الكردستاني في العراق، وتدميرها وتدمير المتمردين الأكراد»، وعودة العمل بعقوبة الاعدام، والتحذير من مخاطر الإسلاميين.

* محمد أغار أغار، 55 عاما، سياسي علماني بأفكار اجتماعية محافظة، وهو زعيم الحزب الديمقراطي التركي، الذي أسس ليحل محل حزب «الطريق القويم». وبالرغم من أن حزب الطريق القويم، كان من الأحزاب الأساسية في تركيا، وشارك في الكثير من الحكومات الائتلافية طوال عقدين الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، إلا أن الحزب الديمقراطي لم يحقق بعد نجاح سلفه، وأحد الأسباب وراء ذلك هي اتهامات باساءة استغلال المنصب وجهت إلى أغار، الرئيس السابق بالشرطة التركية، عام 1996 كشفت عن علاقات ربطت سياسيين أتراك مع أكراد متمردين، وعصابات منظمة تعمل تحت الأرض. وخلال حملة الانتخابات الحالية، دعا أغار إلى سياسات أكثر اعتدالا في معالجة المسألة الكردية.

* شيم أوزان أسس أوزان حزب الشباب اليميني الشعبوي قبل وقت قليل من انتخابات 2002، وحقق مفاجأة كبيرة بفوزه بـ7.5% من الأصوات، إلا أن الحزب لم يدخل البرلمان لأنه كان دون نسبة الـ10% المطلوبة. غالبية الأصوات التي حصل عليها أوزان جاءت من شباب الأحياء الثرية في تركيا الذين انجذبوا إلى شكل أوزان غير التقليدي بالنسبة للسياسيين، وخطابه السياسي الشعبوي غير المعقد. أوزان نفسه من عائلة ثرية محافظة، غير أن للعائلة مشاكل كبيرة مع القانون، فوالده وأخوه هاربان من العدالة منذ عدة سنوات في قضايا تزوير، غير أن أوزان يقول إن دوافع الاتهامات سياسية، فيما يقول معارضوه أنه دخل مجال السياسة ليغطي على أنشطة اسرته.