أردوغان يحذر من برلمان سيولد منقسما وينتقد دعوة ليلى زانا لإقامة فيدرالية

مرشحة لحزب العدالة في أسطنبول تخطف الأضواء.. وتنافس غل على الرئاسة

تركية تقف جنب صورة لرئيس الوزراء التركي أوردغان في اسطنبول أمس (أ.ف.ب)
TT

فيما يتوجه الناخبون الأتراك اليوم إلى صناديق الاقتراع لانتخاب برلمان جديد، وجه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، انتقادا حادا إلى الناشطة الكردية ليلى زانا، وذلك بعد دعوتها الحكومة التركية إلى اقامة نظام فيدرالي، وإعطاء المحافظات المختلفة فى البلاد الحق في إدارة شؤونها. يأتي ذلك فيما حذر أردوغان من أن البرلمان الجديد سيولد منقسما، وسيشهد توترا بين القوميين ونواب مستقلين من الأكراد يتوقع أن يدخلوا البرلمان بعد انتخابات اليوم. وإلى جانب حزبي العدالة والتنمية، والحزب الجمهوري الشعبي بزعامة دينز بايكال، المؤكد دخولهما إلى البرلمان الجديد، يعتقد على نطاق واسع أن حزب الحركة القومية بزعامة دولت بهشلى، ونوابا مستقلين من الأكراد سيدخلون البرلمان الجديد. وتوقع أردوغان أن تؤدي التشكيلة الجديدة للبرلمان الى توتر كبير بين القوميين والأكراد، إذ ينظر القوميون إلى الأكراد بوصفهم يسعون للانفصال ويهددون وحدة تركيا، فيما ينظر الأكراد إلى القوميين بوصفهم متعصبين لا يرون غير حقوق الأتراك.

ودعا أردوغان، تحسبا لاحتمال التوتر في البرلمان الجديد، إلى تجنب التصعيد ومعالجة المسألة الكردية بهدوء. كما انتقد أردوغان ووزير الخارجية عبد الله غل الناشطة الكردية ليلى زانا بسبب دعوتها لاقامة نظام فيدرالي في تركيا. وقال رئيس الوزراء التركي إن على زانا مراعاة كلامها قبل أن تتحدث. وزانا التي دخلت السجن لتحدثها باللغة الكردية في البرلمان التركي عام 1999 وممنوعة من المشاركة في الانتخابات الحالية، دعت الحكومة التركية إلى تطبيق نظام فيدرالي في تركيا لاعطاء المناطق المختلفة حقوقها الثقافية والاقتصادية والسياسية. وفي جهد اللحظة الأخيرة لحض الناخبين على التصويت، نظمت الأحزاب المختلفة مسيرات في العاصمة أنقرة لحث الناخبين على الإدلاء بأصواتهم، كما نشرت الكثير من الأحزاب إعلانات في الصحف تذكر الناخبين للمرة الأخيرة بأهداف وبرنامج كل حزب. ونشر حزب العدالة والتنمية، الذي يعتمد على سجله الاقتصادي، إعلانا في صحف أمس يقول: «دعونا نتقدم للأمام في وحدة وتضامن». وخاطب أردوغان أمس تجمعا في مدن جنوب تركيا على ساحل البحر المتوسط، قبل أن يعود إلى أنقرة. ويعتقد على نطاق واسع أن هذه الانتخابات ستشهد اقبالا واسعا على التصويت، قد يكون الأعلى خلال العقود الماضية. من ناحيتها، كثفت المعارضة العلمانية تحركها ضد أردوغان، وهاجمت صحيفة «جمهوريات» اليومية التي تدعم حزب الشعب الجمهوري العلماني، سنوات حكم العدالة والتنمية، ووصفت في صفحتها الأولى أمس سنوات حكم أردوغان بالسنوات السوداء. وقالت الصحيفة إنه خلال حكم حزب العدالة تزايدت تهديدات المتمردين الأكراد، وباعت الحكومة البنوك التركية للأجانب، وسعى حزب العدالة إلى أسلمة النظام التعليمي. وأظهرت الصحيفة صندوق اقتراع أسود اللون، وسيدة تغطي نصف وجهها، وتعليق تحت الصورة يقول:«هل أنت مدرك للخطر المحدق بنا؟».

وقال محمد يورتسيفين، 24 عاما، وهو طالب يدرس الصحافة لرويترز «إن رئيس الوزراء لا يستطيع حتى أن يصرح بأنه تركي». وتزخر غرف الدردشة عبر الانترنت بانتقاد لزعماء حزب العدالة والتنمية، ويزعم شبان ذوو ميول قومية أن أجداد أردوغان من أصل يوناني وأن وزير خارجيته عبد الله غل يهودي، وهي مزاعم لا يأخذها أحد على محمل الجد. والوصفان يمثلان إهانة في تركيا. وتحيي لقطات مصورة أخرى ذكريات كفاح كمال أتاتورك، مؤسس تركيا الحديثة، لاقامة جمهورية علمانية حديثة عقب الحرب العالمية الأولى على أنقاض الإمبرامورية العثمانية، وتتهم أردوغان بأنه يهدد الإرث العلماني. غير أن الحزب له انصار كثر بين الشبان ولا تنطبق عليه بالضرورة الصورة الذهنية للمتدينين والمحافظين.

وردا على تزايد الاتهامات ضده بأنه يعمل على أسلمة النظام التركي، عمد أردوغان إلى ترشيح ممثلين عن حزب العدالة والتنمية ليس لهم جذور إسلامية، كما تخلى عن ترشيح نواب بارزين بالبرلمان المنحل لأن جذورهم الإسلامية معروفة، وتعمد الحزب كذلك ترشيح عدد أكبر من النساء في هذه الانتخابات. وقال متحدث باسم حزب العدالة والتنمية لـ«الشرق الأوسط»: إن الكثير من مرشحات حزب العدالة لهن حظوظ في الفوز في المدن التي ترشحوا فيها. ومن بين المرشحات البارزات أديبة سوزان، وهي أستاذة جامعية في تركيا ومن المقربات من أردوغان، وكانت من الأسماء المتداولة لمنصب رئيس الجمهورية قبل أن يختار الحزب وزير الخارجية عبد الله غل ليكون مرشحه الرئاسي. وأديبة سوزان المرشحة في اسطنبول والمرجح فوزها، ستلعب دورا متزايدا إلى جانب أردوغان في الحكومة الجديدة، كما قال مقربون من حزب العدالة، موضحين أنها تجيد الانجليزية وتعطي صورة متنورة عن الحزب وأهدافه. ولا يمنع الدستور التركي النساء من تولي منصب الرئاسة، وبحسب ناشطين في حزب العدالة تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بشرط عدم الكشف عن هوياتهم، فإن اسم أديبة سوزان قد يطرح للرئاسة إذا تعثرت خطوات غل. كذلك، وفي جهد آخر لتغيير صورته، قبل حزب العدالة والتنمية عضوية ناشطين في أحزاب أخرى، إذ قام منظر اليسار والأمين العام السابق لحزب الشعب الجمهوري، المنافس الأبرز لحزب العدالة والتنمية، بتحول جذري بانضمامه إلى صفوف حزب العدالة. وهذا السياسي ليس الوحيد الذي قام بذلك. فالعديد من الشخصيات اليسارية بالإضافة إلى نساء ورجال أعمال ليبراليين ونواب سابقين من يمين الوسط يتصدرون قوائم ترشيحات العدالة في مناطق انتخابية عدة.

ويرى المراقبون السياسيون في هذه الخطوة رغبة باعطاء نفحة جديدة للحزب الذي انشأه في 2001 أعضاء «محدثون» في حزب الرفاه، ووصل إلى السلطة في السنوات التي تلت بزعامة أردوغان. وينفي مسؤولو حزب العدالة والتنمية الاتهامات القائلة بان لديهم «مخططا سريا» يقضي في النهاية بتحويل تركيا العلمانية إلى جمهورية إسلامية على الطريقة الإيرانية. وقال ايجمن باجيس النائب عن حزب العدالة والتنمية لوكالة الأنباء الفرنسية «نحن نرفض وصفنا بالإسلاميين، نحن في الوسط، وحزب العدالة والتنمية يفوز بأصوات من اليمين واليسار». وهذا البرلماني الشاب الذي عاش سنوات عدة في الولايات المتحدة، يجسد الوجه الحديث والعصري لحزبه. وأطلق حملته الانتخابية من متحف للفن الحديث في اسطنبول.

من جهته، قال الصحافي يلشين دوغان «هذه خدعة. هؤلاء المرشحون الثلاثة أو الأربعة هم جزء من الديكور، فحزب العدالة والتنمية يقوده أساسا وعلى الدوام الإسلاميون»، مشيرا إلى أن أردوغان يدير حزبه بقبضة حديدية. وخلال حملته الانتخابية، بدا أردوغان واثقا بأداء حزبه وتعهد بالانسحاب من الحياة السياسية، إذا لم يحصل حزبه على أصوات كافية تمكنه من الحكم منفردا.

وعلى الرغم من رغبة ظاهرة في التغيير وأداء اقتصادي جيد، لم يعرف حزب العدالة والتنمية كيف يتخلص من الشعار الإسلامي الذي ألصقه به «حماة النظام»، أي المؤسسة العسكرية والسلطة القضائية والبيروقراطية، الذين يمثلون حراس الإرث العلماني لمصطفى كمال (أتاتورك) مؤسس تركيا الحديثة. وأدت بعض الإجراءات المثيرة للجدل التي اتخذتها حكومة أردوغان ـ ثم عادت عنها ـ كتلك المتعلقة بتقييد بيع الكحول وبالتشريعات التي تفسح المجال أمام إنشاء المدارس القرآنية أو التي اعتبرت الزنى جريمة، إلى زيادة التوترات بين غلاة العلمانيين والحكومة. وتساءل سنان تسكين وهو مدرس متقاعد «كيف لنا أن نفكر أن هذا الحزب غير عقليته»، مشيرا إلى أن حزب العدالة والتنمية «يستغل ببراعة» الدين لغايات سياسية. وكان هذا المدرس «الكمالي» (نسبة إلى مصطفى كمال اتاتورك) شارك في التظاهرات المؤيدة للعلمانية التي جرت في أبريل (نيسان) ومايو (أيار) عقب اطلاق الجيش سلسلة تحذيرات للحكومة. أما عالم الاجتماع سنسر اياتا فيعتبر أن الملايين الذين تظاهروا يمثلون «الطبقة الوسطى الجديدة»، وهي تمتاز عن أبناء الطبقات الشعبية قليلة التعليم الذين يصوتون لصالح حزب العدالة والتنمية، بمرتبتها الاجتماعية أكثر منها بسلوكها السياسي ونمط حياتها.

* الأموال والانتخابات

* متوسط تكلفة كل مرشح 100 ألف دولار > بلغت القيمة الإجمالية التي ستتحملها الأحزاب السياسية التركية والدولة خلال الانتخابات نحو 1.5 مليار دولار، بزيادة نحو 400 ألف دولار عن انتخابات 2002. > يعطي القانون التركي للأحزاب السياسية حق الاستفادة من الدعم المالي للدولة في الحملات الانتخابية، وتتفاوت النسب بين الأحزاب بحسب النتائج التي حققها كل حزب في آخر انتخابات. > حزب «العدالة والتنمية» الحاكم أكبر المستفيدين من الدعم الحكومي، حيث تلقى نحو 124 مليون دولار خلال حملته الانتخابية، ثم حزب «الشعب الجمهوري» المعارض بـ72 مليون دولار، وثالثا الحزب الديمقراطي (حزب الطريق القويم سابقًا) بـ35 مليون دولار، ثم حزب الحركة الوطنية بـ31 مليون دولار، وأخيرًا حزب الشباب بـ26 مليون دولار.

> مكاتب الاقتراع، ومحتوياتها من أوراق وصناديق وكل ما يتعلق بالعملية الانتخابية تناهز تكلفتها الـ80 مليون دولار تتحملها الدولة. > الأحزاب تدفع جانبا كبيرا من تكلفة الانتخابات لمرشحيها، لكن غالبية المرشحين يساهمون بجانب كبير من تكاليف حملاتهم. > تشير الإحصاءات إلى أن معدل تكلفة التنقل اليومي للمرشحين للتعريف بأنفسهم لدى الناخبين يقترب من 6 آلاف دولار شهريًّا، بالإضافة لبطاقات التعريف والتي تكلف ما بين 3 آلاف إلى 10 آلاف دولار. ومع تكلفة الاعلانات واللافتات يكون متوسط تكلفة انتخاب المرشح الواحد نحو 100 ألف دولار.