بروفايل: ناصر المنقور.. إرث من الدبلوماسية ومكارم الأخلاق

TT

التقيته يوم الأحد الفائت في أحد مشافي لندن، حيث كان يعاني من آثار كسر سببته عثرة في منزله، لكنه كان على أفضل حال من الوعي الذهني واليقظة والدعابة، يتحفز للقيام بمستلزمات الضيافة، كعادته في صحته، فلا يقدر على ذلك بسبب ملازمته السرير، وما هي الا ثلاثة أيام حتى اختاره الحق سبحانه الى جواره.

اشتركت في زيارته مع الاخت الاعلامية السعودية في اذاعة لندن هدى الرشيد، فكان يستعيد معها أدق تفصيلات ذكرياته مع والدها، ويسألها عن رواياتها القديمة، ويلح عليها بعدم التخلي عن موقعها في اذاعة لندن.. الى آخر تلك الدقائق التي تنم عن الود والحميمية والشفافية الروحية، في تعامله مع كل اصدقائه وزواره.

هذا هو ناصر المنقور، ينضم اليوم الى قافلة الراحلين من عمالقة السفراء والوزراء والوجهاء السعوديين، الذين تسنموا المجد عبر المهارة السياسية والخلقية والاجتماعية، التي لا يلقاها الا من هو ذو حظ في ذلك.

لقد ولد ناصر المنقور في حوطة سدير الواقعة شمال الرياض عام 1930، وتربع على عرش الدبلوماسية الراقية عقودا من عمره في كوريا واليابان والسويد واسبانيا وبريطانيا وايرلندا، وخلف من الاولاد احمد وهاني ونورة من زوجته الوحيدة: سوسن عبد السميع، حفظهم الله.

أما دراسته المبكرة، فقد أتم الابتدائية والثانوية في مدارس مكة المكرمة والطائف، ثم تخرج في آداب جامعة القاهرة عام 1953.

ان ناصر المنقور، ومهما يقال عن نجاحاته في عالم الدبلوماسية، الا ان ما كان يحظى به واخوه عبد المحسن (الذي سبقه الى الدار الآخرة قبل نحو عامين) في أفئدة الناس يفوق كل تفوق آخر، حيث لم تغيرهما المناصب، ولم يتغير معهما الناس، وقد تركا الوظائف ولم يتخل المجتمع عنهما حاضرين كانا أم غائبين. لقد جالا في قلوب الناس عبر رحابة صدر،، من دون تكلف، وكرم من دون مبالغة، وطول بال بلا املال او ملل، وقدر كبير من الوقار والرزانة والوفاء.

اما على صعيد الادارة المحلية، فان تاريخ التعليم يسجل له مواقع مؤثرة في بداياته، فلقد كان اول مدير (معتمد) للتعليم في نجد، عندما كانت الادارة المركزية للتعليم في العاصمة المقدسة (مكة المكرمة)، ثم كان أول مدير سعودي لجامعة الملك سعود، بعيد احداثها عام 1957، بعد فترة تأسيسية قصيرة باشرها فيها الدكتور عبد الوهاب عزام، وكان قد مر على وزارة المعارف مديرا عاما لها. واختير المنقور في مطلع الستينات وزيرا للدولة لشؤون مجلس الوزراء ووزيرا للعمل والشؤون الاجتماعية في فترة تأسيسها المبكر، قبل ان ترسو سفينته على شاطئ العمل الدبلوماسي الواسع، ثم كانت هناك محطات قصيرة في حياته، جرب فيها العمل الحر، او أسهم فيها، بنشاط ثقافي واعلامي، لكن المقام لا يتسع للتفصيل فيها.