شركة طيران تسير رحلات جوية للمدخنين

بوسع المسافرين الالتقاء في حاناتها بالطابق العلوي للشرب والمقامرة

رجل الأعمال الألماني ألكساندر شوبمان مؤسس شركة «سمينتاير» يؤكد أن بإمكان ركاب طائراته الاستمتاع بالسفر جواً (رويترز)
TT

التدخين في مطار مدينة دوسلدورف الدولي، غرب ألمانيا، يقتصر على بضعة أماكن مخصصة، اما اذا كانت هذه الأماكن مزدحمة بالمدخنين، فلا خيار أمام الشخص سوى التدخين في الشارع الداكن والكئيب خارج صالة المطار.

إلا ان محبي التبغ من مختلف أنحاء العالم ربما يبدأون التوجه قريبا الى دوسلدورف، حيث تعتزم شركة طيران تتخذ من هذه المدينة مقرا لها، تسيير رحلات جوية للمدخنين بعد عقود من منع التدخين على متن الرحلات الجوية، الأمر الذي جعل من المستحيل الاستمتاع بتدخين سيجارة خلال الرحلة. يطلق على شركة الطيران هذه «الخطوط الجوية العالمية للمدخن» (سمينتاير). ومؤسسها رجل أعمال محلي وعد في السابق بالعودة الى الأيام التي كان السفر خلالها يعتبر متعة دون ان يكون هناك حظر على التدخين او اعتبار التدخين في دورات مياه الطائرة امر يستوجب المحاكمة الجنائية. ويقول مؤسس الشركة، آليكساندر شوبمان، ان شركات الخطوط الجوية فقدت أي نوع من التعاطف مع الركاب وباتت تعاملهم مثل القطيع. وأضاف معلقا ان كل ما تريده هذه الشركات هذه الأيام ان يلزم الركاب مقاعدهم ويظلوا جالسين عليها وألا يطلبوا حتى أي شيء للأكل او الشرب. ويقول شوبمان ان رحلات شركته ستوفر للمسافرين مساحات كافية للركاب كي يفعلوا ما يمكن ان يجعل رحلتهم ممتعة مثل التدخين وتناول المشروبات الروحية وحتى المقامرة. وسيصبح بوسع المسافرين الالتقاء في الحانات على الطابق العلوي او السفلي لطائرة بوينغ 747، التي ستصمم على نحو يجعل مساحاتها واسعة بحيث تسع 138 مقعدا فقط بدلا عن 400 مقعد كما هو الحال في غالبية الطائرات. المحظور في طائرات «سمينتاير» هو مقاعد الدرجة العادية، إذ ستقتصر مقاعدها على الدرجة الأولى او درجة رجال الأعمال، ويتوقع ان يتراوح سعر التذكرة الى اليابان بين 6700 و1400 دولار اميركي. وتعتبر «سمينتاير» آخر شركة طيران ضمن عدد من الشركات التي قصرت نفسها على تقديم الخدمات الخاصة. وعندما أعلن شوبمان قبل حوالي عام عن خططه الخاصة بإنشاء شركة طيران للمدخنين قوبلت فكرته بالسخرية. وشكك محللون في مجال السفر والنقل الجوي في نجاح هذه المشروع. واتهمت مجموعات مكافحة التدخين شوبمان بنشر مادة الكارسينوجين في الجو. إلا ان الشركة كانت تسير تدريجيا نحو التحول الى واقع. إذ حصلت على مصادقة على ارض للهبوط بمطار دوسلدورف الدولي ولديها، كما حصلت ايضا على تصريح بالطيران الى اول وجهة لها، وهو مطار ناغويا وسط اليابان. وقال شوبمان انه يتوقع إنهاء إجراءات شراء أول طائرة جامبو نفاثة خلال الأسابيع القليلة المقبلة. وإذا ما سارت الأمور كما هو مخطط لها، كما يقول، فإن أول رحلة لخطوط «سمينتاير» ستنطق مطلع العام المقبل. ويأمل شوبمان في شراء طائرة او طائرتين من طراز بوينغ 747 بنهاية صيف العام المقبل، الأمر الذي سيسمح بتسيير رحلات يومية بين ألمانيا واليابان، وربما أماكن اخرى. إلا المفارقة تكمن في ان شوبمان يزعم ان الهواء على متن طائرات «سمينتاير» سيكون أكثر نقاء من هواء طائرات الخطوط الجوية الأخرى. إذ يعتزم تزويد طائراته بنظام قوي لتكييف الهواء يسمح بضخ الهواء بصورة مستمرة من الخارج بدلا عن الاعتماد على هواء الكابينة الذي يعاد توزيعه ويعتمد عليه في غالبية الطائرات. وقال شوبمان في هذا السياق ان الناس يعتقدون ان الكابينة ستكون مليئة بالدخان، إلا ان ذلك غير صحيح، لأن الهواء الذي يتنفسه ركاب «سمينتاير»، حسب قوله، سيكون اكثر نقاء من هواء السفريات العادية، مؤكدا ان المسافر لن يشتم حتى رائحة تبغ السجاير او الغليون من المقعد المجاور. يصر شوبمان على انه لا يصدق أيا من التحذيرات المكتوبة على عبوات منتجات التبغ. وكان قد دخل ايضا في خلاف علني مع هيئة الصحة العالمية واصفا المخاوف الصحية من استنشاق دخان السجاير بواسطة غير المدخنين بأنها لا تعدو ان تكون «اكبر خدعة في التاريخ». وأضاف معلقا: «انا مدخن يتمتع بصحة جيدة. لم أر في حياتي مدخنا مريضا، لكنني رأيت مرضى غير مدخنين، وهؤلاء دائما ما يعانون من مختلف أنواع المشاكل».

اختيار «سمينتاير» اليابان كأول وجهة لها جاء لعدة أسباب. فأولا، الرحلة طولية تستغرق 12 ساعة، وهو زمن طويل لا يستطيع فيه مدمنو النيكوتين ان يبقوا بدون تدخين. ثانيا، هناك احتمالات تقدم ونجاح كبيرة في هذه السوق. إذ ان ثلث اليابانيين من المدخنين وربع الألمان من المدخنين ايضا. يضاف الى ذلك ان في دوسلدورف ثالث أكبر جالية مغتربين يابانيين في اوروبا، إذ يقدر عددهم بحوالي 20 ألف شخص. ويقول تيسو اوياما، مدير المبيعات بفندق نكو في دوسلدورف، ان خطوط «سمينتاير» اذا سيّرت رحلات الى ناغويا فإن ذلك امر جيد، وأضاف قائلا انه شخصيا غير مدخن ولا يرغب بالطبع في السفر على متن رحلة للمدخنين، لكنه قال ان كثيرا من الآسيويين يدخنون وربما تروق فكرة السفر على هذا الخط لكثير من اليابانيين. لا يزال هناك متشككون في إمكانية انطلاق عمل سمينتاير». وكان شوبمان قد وعد في بداية الأمر بانطلاق رحلات شركته صيف هذا العام، لكنه قال ان العقبة الوحيدة تكمن في السوق الطائرات التي تقدم خدمات خاصة. من جانبه قال هانز ـ هينينغ ميلك، المتحدث باسم لجنة الطيران الفيدرالية الألمانية، ان «سمينتاير» لا تزال في المراحل المبكرة في إجراءات التقديم للحصول على رخصة تشغيل، وحسب توقعات ميلك من المحتمل ان يصدر التصديق بعد عام، مؤكدا انه لا بد من التأكيد اولا من ان شوبمان يرغب بالفعل في المضي قدما وانه قادر على الايفاء باللوائح الاوروبية ذات الصلة بمثل هذه المشاريع. ليست هناك لوائح دولية تمنع التدخين في الجو، على الرغم من ان بعض الدول، مثل الولايات المتحدة، حظرته على متن الطائرات التي تمر بمجالها الجوي. وأضاف ميلك قائلا ان غالبية شركات الطيران تتبع سياسات مكافحة التدخين منذ سنوات. إلا انه لا يعرف ما اذا ستتأثر «سمينتاير» بالقوانين الألمانية الجديدة التي تفرض قيودا على التدخين في الأماكن العامة، وهي القوانين التي تقرر بدء العمل بها اعتبارا من خريف العام الجاري. وقال شوبمان، الذي لم يكن له سابق خبرة في العمل بقطاع الطيران، انه المستثمر الوحيد في هذا المشروع حتى الآن، وأضاف انه تلقى موافقة على ضمانات قروض من وزارة المواصلات في مقاطعة «نورث راين ـ ويستفاليا» الألمانية. اذا نجح مشروع «سمينتاير» في مرحلته الأولى، فمن المتوقع ان يتطلع الى ايجاد خطوط رحلات جديدة الى الولايات المتحدة وجوهانسبيرغ وسيدني وساوباولو. إلا انه لم يعرف بعد ما اذا سيكون هناك عدد كاف من المسافرين على استعداد لدفع تكلفة الاستمتاع بالتدخين في الجو.

وتقول مونيكا بينز، وهي مدخنة، انها لا تشعر بالارتياح عندما يدخل عدد كبير من الناس في مكان واحد. لكنها تعتقد ايضا ان مطالبة المدخنين بالتوقف عن التدخين لمدة ثماني او عشر ساعات امر صعب.

*خدمة «واشنطن بوست» (خاص بـ«الشرق الأوسط»)