بطرس غالي لـ«الشرق الأوسط»: حسابات أميركا ستقرر لمن يكون مقعد أفريقيا الدائم بمجلس الأمن

أصدر كتابا بعنوان «60 عاما من الصراع».. وقال إن مشكلة دارفور أكبر من إمكانيات مصر كدولة

بطرس غالي
TT

قد لا يحمل كتابه الجديد الذي يضم وجهة نظره، مصحوبة برأي شيمعون بيريس الرئيس الاسرائيلي، والذي حمل عنوان «ستون عاماً من الصراع في الشرق التوسط»، المزيد من الأسرار على حد تعبيره، لكنه يقدم القضية على مدى سنوات عمرها بكافة التفاصيل المصحوبة بوجهتي النظر العربية والإسرائيلية.

«الشرق الأوسط» التقت الدكتور بطرس بطرس غالي، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة ووزير الدولة المصري للشؤون الخارجية خلال سنوات حاسمة من السبعينات وحتى التسعينات من القرن الماضي، في حوار بالقاهرة تناول كتابه الجديد، والوضع العربي الحالي وما يحمله من تراجع في الأداء بشكل كان له أثره على القضية الفلسطينية بكافة جوانبها، ونظرية الفراغ التي يرى أن الولايات المتحدة نجحت في ملئه لصالحها في السنوات الماضية. كما تحدث عن توقعه بأن تصاب الولايات المتحدة بالشيخوخة التي تجبرها على تغيير سياساتها في السنوات المقبلة. وفي ما يلي نص الحوار:

* تلك هي المرة الأولى التي نرى فيها كتابا يروي الحقائق الخاصة بالصراع العربي ـ الاسرائيلي من وجهتي نظر اثنين من الضالعين في هذا التاريخ. ما تأثير ذلك على الرؤية التي يطرحها الكتاب؟

ـ الفكرة الأساسية التي أردنا توصيلها من خلال تلك التجربة هو أنه لا يمكن الوصول الى تسوية أو حلول خاصة بأي قضايا إلا من خلال الحوار الذي يتيح لك التعرف على الأخر. والانفتاح على كافة المعطيات والتيارات. وأنا أعرف شيمعون بيريس منذ سنوات طويلة على الرغم من أنه تم استبعاده من وفد المفاوضات الاسرائيلي وقتها حين تصدى حزب الليكود الأكثر تطرفاً لعملية التفاوض، وهو الأمر الذي كان يرحب به الرئيس السادات لإيمانه بأن حزب العمل يتردد كثيراً في اتخاذ القرارات على عكس الليكود. بالإضافة إلى أنه إذا وافق الطرف الأكثر تطرفاً على ما نصل اليه من اتفاقات فسيوافق عليها بالتبعية الحزب الأخر.

* ما الجديد الذي يقدمه الكتاب؟ وهل من أسرار جديدة يذيعها للمرة الأولى؟

ـ ليس في الكتاب معلومات يمكن إطلاق تعبير الأسرار عليها، فالقضية نوقشت عبر الكثير من المؤلفات والشخصيات التي كانت ضالعة بها. ولكن في رأيي أنها قد تكون المرة الأولي التي تقدم وتطرح فيها القضية بكافة تفاصيلها ومعالمها ومن وجهتي نظر مختلفتين، حيث تتواجه معلوماتي وتحليلي للأحداث مع نظيرتها لدى شيمعون بيريس منذ نشوب أول حرب عربية ـ إسرائيلية في عام 1948 وحتى أيامنا هذه.

* بعد مرور 60 عاما على الصراع، ما الذي تغير في الصورة الآن؟

ـ تغيرت معالم كثيرة في الصورة، أهمها من وجهة نظري توقيع مصر والأردن لاتفاقيتي سلام مع إسرائيل، وتدهور حال القضية الفلسطينية التي تزداد أوضاعها سوءاً، لا بسبب إسرائيل وحدها، ولكن بسبب العديد من العوامل المجتمعة والتي تتمثل في ضعف الموقف العربي الذي ساده الصراع في السنوات العشرين الأخيرة في أكثر من نقطة، بدءاً من حرب الخليج الأولي، وانتهاء بالصراع الدائر الآن في دارفور. بالاضافة الي موقف الولايات المتحدة الذي يتسم على مدى سنوات الصراع بالكيل بمكيالين.

* كيف تستطيع الدول العربية من وجهة نظرك القيام بدور فعال في السياسة الدولية بشكل يمكنها من فرض تسوية عادلة للقضية الفلسطينية؟

ـ من خلال الاهتمام بالسياسة الخارجية والأحداث العالمية نستطيع تكوين جبهة يعتد بها. وهذا الاهتمام لا يكون فقط من خلال العلاقات القوية مع الدول والحكومات ولكن أيضاً من خلال الاهتمام بتكوين علاقات مع المنظمات الأهلية وغير الحكومية والأحزاب السياسية المختلفة الاتجاهات والوضع في الاعتبار أن تلك الجهات قد تمثل جماعات ضغط يمكنها المساهمة في دعم السياسة الخارجية العربية. هناك تعبير في علم السياسة يقول «non state actor» وهو يعني اللاعب الذي لا ينتمي الى دولة. وهذا هو ما يقصد بالمنظمات غير الحكومية التي يمكنها لعب دور مؤثر في السياسة الدولية وتحقيق مصالح عليها لأي دولة. وهي سياسة لم تخفق فيها الدول فقط ولكن الأمم المتحدة أيضا تخلفت عن أن يكون بها تمثيل للدول بشكل غير رسمي من خلال المنظمات غير الحكومية.

* في رأيك إلي متى يمكن أن تستمر سيطرة العملاق الأميركي على الساحة العالمية؟

ـ لكل كائن دورة حياة، والولايات المتحدة مرت بمعظم مراحلها، وفي رأيي أن السنوات الخمسين المقبلة قد تشهد شيخوخة الكيان الأميركي وبروز عمالقة آخرين على الساحة الدولية. فهناك العملاقان الصيني والهندي في الأساس، بالاضافة الي العملاق الأوروبي إذا نجح في تلاشي الخلافات الداخلية، والعملاق الروسي الذي أعتقد في رجوعه بقوة من خلال ما لديه من موروث وتقاليد تحتم عليه القيام بدور مؤثر.

* كيف ترى الدور المصري الآن في المنطقة العربية؟

ـ قد يرى البعض أن هناك تراجعا في السياسة الخارجية المصرية. ولكن في رأيي أن مصر بلد محوري بحكم تاريخها وجغرافيتها وثقلها في المنطقة ولهذا فقد يشهد الدور الذي تقوم به صعود في بعض الأحيان، وهبوط في أحيان أخرى، نجاح في ملف من الملفات وإخفاق في ملف آخر. ولكن لا يمكننا القول بتراجع أو تهميش الدور المصري في المنطقة.

* وماذا عن التراجع الذي يشهده الدور المصري في القارة الأفريقية؟

ـ ليس تراجعاً ولكنه موجات صعود وهبوط. فمنذ قديم الأزل كانت لمصر علاقات قوية بالقارة الأفريقية. وفي العصر الحديث أيضاً كان لنا دوراً محوريا هاماً في الكثير من حركات التحرير التي شهدتها القارة سواء من خلال الدعم المادي أو المعنوي. هذا بالإضافة الي النيل الذي يربطنا بدول حوض النيل. وإذا كان الحديث قد كثر مؤخراً عن الاخفاق الذي منيت به السياسة المصرية في ملف دارفور، ففي رأيي أن مشكلة دارفور أكبر من إمكانيات مصر كدولة. فمصر لا تستطيع إرسال 50 ألف جندي لحفظ السلام في الإقليم السوداني ولا تحمل تلك التكلفة. وهو الدور الذي كان من الأولى أن تقوم به الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. ولكن ما حدث هو تنصل المجتمع الدولي من تلك المسؤولية حيث ينظرون الي المسألة بعين المصلحة.

* وماذا عن فرصة مصر في الفوز بمقعد مجلس الأمن عن القارة الأفريقية؟

ـ الجميع يتحدث عن المنافسة الشرسة بين نيجيريا وجنوب أفريقيا ومصر للفوز بهذا المقعد. ولكن دعوني أؤكد أن الاختيار سيكون على أساس ومعيار سياسي تتحكم فيه مصالح الدول الكبرى وعلى رأسها العملاق الأميركي. ولا دخل لأي من الدول الثلاث أو لمكانتها الحالية أو التاريخية في هذا الاختيار. إنها معايير المصالح الأميركية.

* ولكن مصر على علاقة جيدة بالولايات المتحدة الأميركية. هل يؤهلها ذلك للاختيار؟

ـ هذا ليس صحيحا، فمصر، وأنا على يقين من ذلك، ليست على علاقة وثيقة بالولايات المتحدة. فهناك الكثير من نقاط الخلاف التي تسود العلاقة بينهما.

* في تصورك ما هي ملامح الصراع العربي ـ الاسرائيلي في السنوات الخمسين المقبلة؟

ـ أول ملمح من ملامح الصورة من وجهة نظري هو انفجار سكاني في فلسطين على وجه التحديد وفي العالم العربي على وجه العموم بشكل يؤثر على الصراع. أما الملمح الثاني فهو احتمال تغير السياسة الأميركية لتميل بعض الشيء تجاه العالم العربي بعد ظهور عملاق جديد يغير من ملامح الصورة التي سيطرت عليها الولايات المتحدة لسنوات. وبخاصة مع سيطرة فكر ومنهج العولمة على مسار الأمور، حيث ستفرض الحلول الدولية حتى على المشاكل الشديدة المحلية.