العراقيون في سورية.. هربوا من دوامة العنف ليصبحوا ضحايا الفاقة

يناشدون المنظمات الدولية مساعدتهم.. وارتفاع الإيجارات أكبر مشكلة يواجهونها

TT

تعد سورية الدولة الأولى في استقبال اللاجئين العراقيين، فقد تجاوز عددهم حسب الإحصاءات الرسمية، المليون والاربعمائة ألف نسمة، من اصل مليونين ومائتي الف عراقي فروا خارج البلاد بسبب العنف الطائفي وتدهور ظروف المعيشة.

في سورية يعيش العراقيون أوضاعا متباينة، لكن الغالبية تعاني من الأعباء المالية التي تثقل كاهلها، فعلى الرغم من رخص الاسعار في سورية، مقارنة بالدول الاخرى التي استضافت العراقيين، الا ان وجود هذا العدد الكبير منهم ادى الى رفعها، خاصة السكن والطعام.

ودمشق وحلب من ابرز المحافظات التي احتضنت العراقيين، فهناك الأطباء والمهندسون وضباط الجيش السابقون وخريجو الجامعات والباحثون عن فرص العمل، يتركزون في مناطق معينة تسمع فيها اللهجة العراقية وتأكل الطعام العراقي، حيث وجد عدد من أصحاب المطاعم العراقية فرص العمل. وفي منطقة السيدة زينب وسط دمشق، اصبحت اللهجة العراقية هي الدارجة، ويقول كريم احمد، 42 عاما: كنت اعمل طاهيا في احد المطاعم في منطقة الكرادة وسط بغداد، وبسبب العنف قل العمل في المطعم وقام صاحبه بإغلاقه، ولم أجد فرصة عمل أخرى، وكانت سورية محطتي الأولى في الهجرة قبل سنة. ويضيف، بسبب وجود عدد كبير من العراقيين، فإن العديد من المطاعم أصبحت تقدم الأكلات العراقية. وأوضح كريم انه يفكر في جلب عائلته المكونة من زوجته وابنتيه، لانه يخشى عليهم البقاء في العراق بسبب تصاعد العنف.

وفي منطقة باب الفرج وسط مدينة حلب اقرب المدن السورية إلى مدينة الموصل العراقية، وضع العديد من المطاعم إعلانات تشير الى انهم يقدمون الأكلات العراقية والموصلية. ويقول نزار يونس، 28 عاما، انه كان يملك محلا لتصليح الأجهزة الكهربائية، وبعد تلقيه تهديدا لم يعرف سببه، لجأ الى سورية وعمل في مطعم بحلب.

المناطق التي يقصدها العراقيون أصبحت مشهورة، حتى ان هناك شارعا في دمشق يسمى شارع الفلوجة، ويختار معظم العراقيين السكن في ما يدعى بـ«ريف دمشق»، وهي الضواحي المحيطة بالعاصمة، وذلك للرخص النسبي لايجار الشقق السكنية فيها. وهي في العادة مناطق فقيرة ذات خدمات متواضعة، لكنها لا تبعد أكثر من 20 دقيقة بالسيارة عن مركز المدينة.

ويخضع اختيار العراقيين للأماكن الى جملة من العوامل، منها وفرة الشقق وأسعارها المناسبة، إضافة الى وجود من يعرفونه في تلك المناطق. ومن المناطق الشهيرة بالكثافة العراقية في دمشق، حرستا وجرمانة والزاهرة والسيدة زينب وقدسيا، وهي من أشهر المناطق حاليا وأكثرها كثافة بالسكان العراقيين، وفي المدينة شوارع وساحات تحمل أسماء عراقية.

ويعاني العراقيون من ارتفاع الأسعار، خاصة بعد ازديادهم في سورية، الأمر الذي أثر على السوريين أنفسهم. ويقول محمد وليد، 34 عاما، وهو من بغداد، انه قدم إلى سورية منذ أكثر من عام، بعد أن سيطرت الميليشيات على منطقته، ويعمل حاليا موظفا في شركة تجارية، لكن المرتب غير كاف لسد متطلبات المعيشة. أما أسامة حميد، 39 عاما من محافظة ديالى، فقال انه هرب من نفوذ المتشددين في محافظته، موضحا انه لم يتلق تهديدا مباشرا، الا انه وجد ان الكثيرين تعرضوا الى مخاطر بسبب نشاط المسلحين فقرر اللجوء مع عائلته الى سورية، ريثما تتحسن الأوضاع في ديالى. وقال: سجلت اسمي في مفوضية اللاجئين وأنا بانتظار ما ستقدمه لي هذه المفوضية.

وأهم ما يشغل بال العراقي القادم الى سورية هو ايجار السكن، الذي ارتفع الى أربعة أضعافه خلال الثلاث السنوات الماضية، الأمر الذي اصبح يشكل العبء الأكبر للعوائل النازحة من العراق، وأصبح مصدر قلق وتذمر من قبل المواطن السوري نفسه، الذي شملته معاناة ارتفاع الايجار. وقامت السلطات السورية بإقرار ضوابط جديدة لمنح الإقامة المؤقتة للعراقيين، وذلك لغرض التخفيف عن عبء العراقي في الذهاب الى الحدود، حيث إن على العراقي الذي يروم تجديد الاقامة الذهاب الى الحدود العراقية ومغادرة سورية والدخول الى العراق، ومن ثم العودة الى سورية مرة اخرى، وهذا يتطلب وقتا وجهدا ومالاً يثقل كاهله المتعب، واصبحت فترة الإقامة المؤقتة الثانية ثلاثة أشهر بدلا من شهرين، حيث عند دخول العراقي الى سورية لأول مرة فإن السلطات السورية تمنحه إقامة مؤقتة لمدة شهر واحدإ وبعد انقضاء فترة الشهر الممنوحة، فإن العراقي يمكنه أن يراجع دائرة الهجرة والجوازات، كلا حسب منطقة سكناه، ويقدم سند تأييد من المختار ويسمى (سند إقامة) و‌عقد إيجار سكن مصدق.

وأصبحت ظروف العراقيين صعبة وبدوا يطلقون مناشدات للمنظمات الدولية والإنسانية مطالبين في الوقت نفسه الحكومة العراقية إيجاد حل لمشكلتهم، مشددين على ان افضل شيء هو إحلال الاستقرار في العراق ورفع الحالة المعيشية لكي يعودوا إلى بلدهم بعد تجرع مرارة الغربة وذل اللجوء. وتقول سمية جاسم، 45 عاما، وهي مدرسة من بغداد: «تلقى زوجي تهديدا، حيث كان يعمل مهندسا في التصنيع العسكري سابقا، ولجأنا الى سورية قبل عامين، لانها ملاذ آمن ورخيص»، وتضيف: «بعدما لاقينا من ذل الغربة اتمنى العودة الى بلدي، لان وجودنا هنا ليس له معنى، خاصة مع عدم وجود العمل واستنفذنا جميع مدخراتنا». وأوضحت سمية وهي تقوم بملء استمارة قرب المفوضية العليا للاجئين، انه على الرغم من رغبة العائلة بالعودة، الا انها تفكر عدة مرات قبل الاقتراب من الحدود العراقية بسبب تردي الأوضاع الامنية.