طهران تفتح أبواب مركز «أصفهان» النووي أمام الصحافيين الأجانب

في محاولة لكسب ثقة الغرب والتأكيد على التمسك بتخصيب اليورانيوم

TT

يقول المسؤولون الايرانيون ان الإسراع في معالجة اليورانيوم هو من أجل توليد الكهرباء، الا انه لا توجد هناك محطات كهربائية.

وفي داخل المركز النووي لتحويل اليورانيوم في اصفهان هناك اسلاك سوداء وحمراء تخرج من جدار كونكريتي وتنتهي في حاويات بيضاء عملاقة مملوءة بمركب اليورانيوم المتقلب، إنها بواسطة تلك الأسلاك النحيفة يأمل المجتمع الدولي أن يراقب طموحات إيران النووية.

وتمر هذه الأسلاك عبر ختم نحاسي ملحوم ومعلم بطريقة تجعل أية محاولة لتحويل الوقود إلى استخدام من اجل صنع قنبلة يتم رصدها من قبل مراقبي الامم المتحدة، إنه زناد نووي يأمل العالم بألا يتم سحبه ذات يوم.

ومع تصاعد التوتر الدولي حول مساعي إيران النووية، جرى فتح أبواب مصنع أصفهان لعدد قليل من الصحافيين الاوروبيين والاميركيين الاسبوع الماضي في محاولة نادرة من الحكومة الايرانية لتحقيق قدر من الشفافية.

و16 كيلومتراً جنوب شرق مساجد اصفهان، يوجد المجمع النووي الذي يضم عددا من المباني ذات القرميد الأصفر محاطة بمدافع مضادة للجو وسط الصحراء. أما في الداخل، فهناك شبكة مكثفة من الاوعية الضخمة والمتألقة مع أنابيب وأجهزة قياس وكلها تعمل من أجل معالجة اليورانيوم الخام وتحويله إلى «هيكسافلوريد»، وهو غاز مخادع يقع استخدامه ما بين وقود نووي وقنابل نووية.

ويصر المسؤولون الإيرانيون على أنهم يريدون صنع الوقود ويقدمون مصنع أصفهان باعتباره مكانا تتحقق فيه البراعة العلمية والعمل السلمي. وقال حسين سيمروغ الناطق باسم الصناعة النووية الإيرانية للصحافيين الزائرين للموقع: «يمكن لكم رؤية براءة عملنا وبإمكانكم أن تنقلوا للعالم الخارجي الخبر الحسن».

ومع ذلك، فإن مصنع أصفهان النووي بالنسبة للعالم الخارجي هو نقطة نووية قابلة للالتهاب. فقبل عامين، تمت إزالة الأختام عن الحاويات الخاصة بهيكسافلوريد اليورانيوم أمام المفتشين من الوكالة الدولية للطاقة الذرية في إجراء تحد من قبل الحكومة الإيرانية، وفي اشارة قوية بأن طهران لن توقف تقدمها النووي مقابل الحوافز الاقتصادية الأوروبية. وجاء قرار استئناف تخويل اليورانيوم في أصفهان بعد عامين على إيقافه. وكان ذلك القرار الصادر في أغسطس (اب) 2005 إيذانا ببدء الأزمة التي راحت تتعمق أكثر فأكثر إلى الحد الذي جعل واشنطن تردد بأنها تدرس امكانية استهداف المواقع النووية الإيرانية، بينما راحت الحكومة الإيرانية تلقي خطب نارية، وخلال ذلك أصبحت أوروبا واقعة بين الطرفين مما دفعها كي تسعى إلى إيجاد حل سلمي.

وللوقت الحالي، أعيدت الأسلاك إلى أماكنها داخل مصنع أصفهان، مع كاميرتي مراقبة للوكالة الدولية للطاقة الذرية. ولكن درجة السيطرة الدولية ضعيفة في أحسن الأحوال، فكون ان المكائن داخل منشأة اصفهان النووية بدأت تعمل بحد ذاتها تضع إيران في وضع مخالف لقرارات مجلس الأمن الدولي والداعية إلى ايقاف أي نشاط يتعلق بتخصيب اليورانيوم. وكانت الجولة التي اجريت للصحافيين الأجانب عبارة عن استعراض للانفتاح الذي أدى الى نتائج عكسية عندما عدلت الحكومة الايرانية عن رأيها في اللحظات الأخيرة حول المواقع التي يمكن للصحافيين الاطلاع عليها. إلا ان الغرض من الرحلة كان توجيه رسالة واضحة مفادها ان لا نية لدى ايران في التخلي عن أي جزء من برنامجها النووي، الذي تعتبره ضمن حقوقها المشروعة. وعملت الحكومة الايرانية جاهدة على إقناع الشعب الايراني بأن التمكن من انتاج وقود اليورانيوم امر ضروري لعملية التنمية وتحقيق الازدهار. وقبل جولة أصفهان، عرض فيلم ترويجي لعملية انتاج اول دفعة من غاز هيكسافلوريد اليورانيوم (UF6) في مصنع عام 2004. وتزعم الحكومة الايرانية ايضا انها تمكنت تماما من الخطوة التالية في هذه العملية، أي الجانب الهندسي المتعلق بعملية فصل نظائر اليورانيوم الشديدة الإنشطار (uranium-235). وجرت هذه العملية في مختبر لعمليات الفصل باستخدام تقنية الطرد المركزي في مفاعل يتم بناؤه في «نطنز»، شمال شرق اصفهان. واستخدام هذه التقنية على غاز الـ«يو اف 6» الى مستوى تخصيب يبلغ 5 في المائة في نظائر اليورانيوم الشديدة الانشطار يؤدي في نهاية الأمر الى انتاج وقود نووي. ويذكر استمرار عملية الفصل بالطرد المركزي حتى مستوى تخصيب 90 في المائة يعني توقف مدخلات انتاج القنبلة. وبالإضافة الى حقيقة عدم إبلاغ ايران الهيئة الدولية للطاقة الذرية بوجود «نطنز» حتى كشفت عنه مجموعة ايرانية معارضة عام 2002، يمثل هذا الجانب اساس الشكوك الدولية في البرنامج النووي الايراني، إلا ان ثمة علامة استفهام كبرى حول اصفهان ونطنز: ما هو السبب في عجلة الحكومة الايرانية لتخصيب الوقود في الوقت الذي تفتقر فيه ايران الى مصانع طاقة نووية تستخدم فيها هذا الوقود؟

وهناك مفاعل واحد شارف العمل فيه على الانتهاء بالقرب من «بوشهر» يجري تشييده بموجب عقد مع موسكو، إلا ان الحكومة الروسية هي الجهة الوحيدة التي يفترض ان توفر الوقود النووي. والجدير بالذكر ان الحكومة الروسية قررت إبطاء العمل في مفاعل «بوشهر» بسبب ما قالت انه خلاف حول الاستحقاقات المالية، إلا ان هناك من ينظر الى ذلك كونه سعي الى مضاعفة الضغط على ايران لحملها على وقف عمليات التخصيب. وفتحت الأبواب المعدنية الثقيلة لمفاعل «نطنز» الاسبوع الماضي أمام الصحافيين، وبدا واضحا ان إبطاء روسيا العمل فيه تسبب في عدم استكمال الكثير من العمل. وثمة شعور متزايد بالتشاؤم من الجانب الايراني حول مستقبل «بوشهر»، وفي هذا السياق قال مسؤول حكومي ايراني رفيع المستوى: «انهم يلعبون معنا، انا متأكد من انهم لن يزودونا بوقود لبوشهر، لذا توصلنا الى خلاصة مفادها اننا يجب ان نحقق الاكتفاء الذاتي في هذا الجانب»، وهذا هو لب تبرير ايران لوجود برنامجها النووي، فتقول ان العالم الخارجي لا يمكن الاعتماد عليه، وطهران تعتقد من جانبها انها بمجرد تمكنها من تخصيب اليورانيوم سيجري التعامل معها بعد ذلك بصورة جدية، وهذا ما عبر عنه المسؤول المشار اليه عندما قال: «نعلم انهم لا يثقون فينا، ونحن لا نثق فيهم».

* خدمة «الغارديان» - خاص بالشرق الأوسط