كيف ترى الخرطوم أزمة دارفور؟ (الحلقة الخامسة) ـ الجنجويد.. الخرافات والحقائق

مصطلح تم انتقاؤه بعناية فائقة بواسطة بعض الجهات المغرضة ضمن محاولة تحقيق مقولة «فرَّق تسد» * علاقة جميع القبائل بلا استثناء في دارفور بالسلاح علاقة قديمة جدا، ذلك لأن وجود القبائل في مناطقها الأصلية سابق لقيام الدولة الحديثة في السودان

منظر جوي لأكواخ في قرية موكجار غرب دارفور (أ.ب)
TT

ما راج مصطلح ذو صلة بالسودان طوال فصول تاريخه الحديث يحمل دلالات غاية في البشاعة والسلبية مثل رواج مصطلح «الجنجويد»، الذي بلغ من الذيوع والانتشار بفضل آلة الإعلام الغربي الرهيبة، إلي حد أنه دخل بلفظه ذاته إلى معاجم معظم اللغات الأوروبية المعاصرة، شأنه في ذلك شأن بعض المصطلحات العربية التي أخذت حظها من الرواج خلال العقدين المنصرمين مثل مصطلح «مجاهدون» الذي استخدمته سائر وسائل الإعلام العالمية في معرض الإشارة إلي نشاط المقاومة الأفغانية ضد الوجود السوفياتي في أفغانستان سابقا، وكذلك مصطلح «الانتفاضة» على سبيل الإشارة إلى انتفاضة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي. غير أن الفرق هو أن استخدام هذين المصطلحين الأخيرين بواسطة الصحافة ووسائل الإعلام العالمية، كان ينم عن موقف ايجابي إلى حد ما وبدرجات متفاوتة، أما مصطلح «الجنجويد» الذي تلقفته وسائل الإعلام الأميركية خصوصا، والغربية عموما ومن ورائها وسائل الإعلام العالمية بما في ذلك بعض وسائل الإعلام العربية بحسن نية أو عن قصد وتعمد، أو غفلة وجهل، فإنه مصطلح قد تم انتقاؤه بعناية فائقة بواسطة بعض الجهات المغرضة التي عملت على تضخيمه وإبرازه في صورة تجسد كل الشرور والآثام من أعمال قتل واختطاف واغتصاب وإحراق للقرى ونهب وسلب وترويع وتشريد للآمنين. ثم عمدت تلك الدوائر المغرضة من خلال آلة إعلامها الرهيبة أيضا على إلصاق هذا المصطلح بكل الصورة البشعة التي يجسدها على مجموعة عرقية بعينها في دارفور سعياً وراء إذكاء نار الفتنة العنصرية البغيضة، من أجل تمزيق النسيج الاجتماعي المتشابك الذي ظل يربط بين مختلف قبائل الإقليم منذ قرون خلت بفضل الإسلام الذي يدين به أفراده جميعهم، وبفضل التداخل الإثني والاختلاط والتزاوج الذي حدث بين مختلف مكونات المجتمع الدارفوري. والهدف من ذلك هو بالطبع محاولة تحقيق مقولة «فرَّق تسد» علي أرض الواقع خدمة لأهداف إستراتيجية تسعى القوى الامبريالية إلي تحقيقها في السودان وفي القارة الإفريقية بأسرها.

لعلنا لا نجافي الحقيقة إذا ما ذهبنا إلى القول بأن مصطلح «الجنجويد» هذا قد انتشر في العالم بفضل ماكينة الإعلام الغربية إياها قبل أن يدرك معظم السودانيين أنفسهم ممن هم خارج دارفور كنهه. ولعل الكثيرين منهم لم يسمع به إلا من خلال وسائل الإعلام الأجنبية، إذ أن هذا المصطلح نفسه حديث الابتكار والاستخدام في دارفور نفسها. فهو لا يدل مطلقا على مجموعة عرقية أو قبلية بعينها، ولذلك يصاب السودانيون عموما، وأهل دارفور خصوصا بالدهشة والاستنكار عندما يقرأون أو يسمعون حتى من خلال بعض الصحف ووسائل الإعلام العربية عبارة «عرب الجنجويد»، إذ ليس هناك قبيلة عربية في دارفور أو غيرها تسمى «الجنجويد».

والواقع هو أن ابتكار لفظة «الجنجويد» وسيرورتها في المجتمع الدارفوري المحلي بالأساس، هي من إفرازات ثقافة الحرب والعنف التي ظلت سائدة في إقليم دارفور لبضعة عقود خلت مع الأسف. حيث أن هذا الإقليم يتسم بواقع اجتماعي يتميز بالبروز الصارخ للقبلية وتأثيرها شبه المطلق على الفرد وتشكيل هويته وولائه وخياراته الاجتماعية والسياسية. أضف إلى ذلك أن علاقة جميع القبائل بلا استثناء في دارفور بالسلاح علاقة قديمة جدا، ذلك لأن وجود القبائل في مناطقها الأصلية سابق لقيام الدولة الحديثة في السودان الذي يؤرخ له بسقوط دولة المهدية وبدء الاحتلال البريطاني للسودان في عام 1898م. فالقبائل قد ظلت جميعها تستشعر الحاجة دائما إلي وجود السلاح بين أيدي رجالها والحصول عليه بشتى السبل والوسائل من أجل حماية أفرادها وديارها وثرواتها من المواشي إذا كان بدواً رعاة، أو من المحاصيل والمزارع إذا كانت جماعات مستقرة، خصوصاً في ظل الاتساع الشاسع للإقليم وترامي أطرافه وبعده عن المركز وقد زاد من إذكاء ثقافة العنف والحرب أيضا انتشار السلاح الناري بوتائر أكبر من ذي قبل بسبب اندلاع الاضطرابات المسلحة في جمهورية تشاد المجاورة لدارفور لعقود متطاولة، مما سهل الحصول على السلاح في دارفور. أضف إلى ذلك حلول بعض الكوارث الطبيعية والبيئية متمثلة في موجات الجفاف والتصحر التي ظلت تضرب الإقليم بدرجات متفاوتة من القسوة وقوة التأثير منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي، الأمر الذي أدى إلى نزوح أعداد هائلة من أفراد القبائل البدوية خاصة بقطعانها من شمال دارفور ذي المناخ الصحراوي الذي كان الأكثر تأثراً بتلك الموجات، إلى جنوب الإقليم ذي الموارد الطبيعية الأكثر ثراءً نسبياً مما أدى إلى حدوث بعض الاحتكاكات والصدامات القبلية المسلحة.

وفي خضم هذا الجو المفعم كله بالعنف، وانتشار السلاح، واستشراء النعرات القبلية، واعمال الغارة والسلب، والعمليات الانتقامية، تفاقمت ظاهرة النهب المسلح بصورة مكثفة ومزعجة منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي، وهي الظاهرة التي كانت قد بدأت تظهر في شكل حوادث فردية متفرقة منذ قبل ذلك التاريخ، وخصوصا في أقصى شمال الإقليم. وقد وجد بعض ضعاف النفوس وطالبي الثراء السريع فرصة انتشار هذه الظاهرة فطفقوا يقطعون طرق النقل بين المدن والبلدات على الركاب والمسافرين فيسلبونهم أموالهم وأمتعتهم، هذا بالإضافة إلى نهب المواشي والإبل، ثم السيارات مؤخراً. وقد ترعرعت هذه الظاهرة أيضا في كنف ثقافة عنف سلبية تحض على أعمال الإغارة والسلب، نذكر منها على سبيل المثال مقولة: «نهب يومين ولا اغتراب سنتين» .. بمعنى «أن تحترف مهنة النهب المسلح ليومين فقط خير لك من أن تغترب في السعودية أو في الإمارات أو ليبيا... الخ لمدة عامين».. والمقصود هو العائد المادي بالطبع.

إنَّ «الجنجويد» هم في الحقيقة بمثابة النسخة الأخيرة من مرتادي جرائم النهب المسلح في دارفور. إذ أنهم وباتفاق جميع من عرف هذا المصطلح وأدرك مدلوله من أهل دارفور أنفسهم، وباختلاف قبائلهم وخلفياتهم السياسية والاجتماعية عبارة عن مجموعات من قطاع الطرق ومعتادي جرائم النهب المسلح ليس بين أفرادها أية روابط قبلية أو عرقية سوى أنهم يمارسون هذه العادة السيئة معاً. وبالتالي فإنهم لا ينتمون إلى أيه قبيلة بعينها، بل إنهم يمثلون شتي قبائل دارفور العربية منها وغير العربية. ومن أكثر التخريجات أو التفاسير شيوعاً لمصطلح «الجنجويد»، أنها مشتقة أو منحوتة نحتاً من عبارة: «جن راكب جواد وشايل جيم» بمعنى جنيِّ أو كائن من الجن يركب جواداً ويحمل بندقية من طراز جيم ثري G3 الألمانية الصنع.

وفيما يلي تعريف لمصطلح «الجنجويد» ورد في وثيقة لمنظمة العفو الدولية نشرت بموقعها علي شبكة الانترنت بتاريخ 16 يوليو 2004م تحت عنوان: «السودان: أزمة السودان ـ أسئلة وأجوبة».. وقد قصدت إلى اقتباسه ههنا على ما به من محاولات التضليل والتدليس والدس والسعي إلى دق إسفين الفتنة ليس بين مسلمي دارفور من العرب وغير العرب فحسب وإنما بين كافة المسلمين في إفريقيا عموما وذلك على الرغم من محاولة التظاهر بالموضوعية:

«تعني لفظة الجنجويد «الأسلحة/الخيالة المسلحون»، وهي التسمية التي يطلقها الأشخاص المستقرون على الجماعات التي تهاجمهم. وتفضل الميليشيات البدوية أن تطلق على نفسها لفظة الفرسان. ومعظم أفرادها ينتمون إلى جماعات البدو أو الرعاة الناطقين بالعربية في دارفور، لكن الجماعات «العربية» لم تنضم جميعها إلي الجنجويد. ويقال إن أشخاصا ينتمون إلي جماعات «عربية» في أجزاء أخرى من غرب إفريقيا مثل تشاد وموريتانيا وليبيا، قد انضموا أيضا إلى الجنجويد، لكن أغلبية المقاتلين مازالت تنتمي إلى المنطقة كما يبدو».

فهذه الفقرة المقتبسة من مادة نشرتها منظمة العفو الدولية، وهي منظمة من المفترض أنها محايدة، ثم أنها قطعاً غير منحازة للحكومة السودانية أو متعاطفة معها، تؤكد بصريح العبارة أن ليس كل الجنجويد ينتمون إلى القبائل العربية أو البدوية. وذلك هو بالضبط بخلاف ما أريد لهذا المصطلح أن يحمل من دلالات معينة خدمة لأجندة محددة التقت بشأنها مصالح وأهداف القوي الغربية المعادية للسودان سلفا، مع مصالح وأهداف حركات التمرد في دارفور.

إنَّ أدبيات الحرب والعنف السائدة في دارفور منذ بضعة أعوام، قد شهدت مصطلحات أخرى ذات ارتباط بالميليشيات القبيلة والمجموعات المسلحة، ظهرت على المستوى المحلي في ذات الفترة التي ظهر فيها مصطلح «الجنجويد»، غير أنها لم تجد حظها من الذيوع والانتشار على مستوى العالم، بالقدر الذي وجده مصطلح «الجنجويد»، الذي تم العمل علي إبرازه خدمة لأهداف محددة، بينما تم التعتيم على المصطلحات الأخرى مثل مجموعة «التورا بورا» نسبة لجبال وكهوف «تورا بورا» بأفغانستان ومجموعة «البشمركة» نسبة لميليشيات «البشمركة» الكردية المعروفة، وذلك ببساطة لأن الجهات الداخلية والخارجية التي أشعلت نار الفتنة في دارفور قد هدفت إلى تكريس فكرة أن أعمال العنف وانتهاكات حقوق الإنسان مرتبطة بـ«ميليشيات الجنجويد التي تدعمها الحكومة» حصراً وتحديداً، ولا تريد أن تذكر شيئاً عما تفعله ميليشيات «التورا بورا» و«البشمركة» في المقابل، وذلك لارتباطهما بحركات التمرد المسلحة.

ومهما يكن من أمر في نهاية المطاف فإن مصطلح «الجنجويد» هذا قد عملت فيه آلة الدعاية الغربية، وأخرجته من سياقه المحلي، بعد أن نفخت فيه أبواق التحالف الصهيومسيحي بالولايات المتحدة، خدمة لأجندتها الخاصة الرامية إلى صرف الأنظار عن جرائمهم الفظيعة في العراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان، بتصوير الوضع في دارفور كذباً بأنه أسوأ وضع إنساني في العالم، فضلا عن نيتهم المبيتة لبلقنة إفريقيا وإعادة استعمارها بغية السيطرة على مواردها وانتهاب ثرواتها، وتمزيق العالمين العربي والإسلامي تحت مسميات القرن الإفريقي والشرق الأوسط الكبير خدمة لأمن الكيان الصهيوني المحتل للأرض العربية، وهنا تجدر الإشارة إلى أن اللوبي الصهيوني وأنصاره في الإدارة الأميركية وفي الدول الغربية عموماً تعمد إلى استخدام مصطلح الجنجويد استخداما رمزيا يتجاوز القبائل العربية في دارفور والوجود العربي في السودان كله إلى الوجود العربي من حيث هو في معرض الصراع العربي الإسرائيلي الواسع.

لا شك في أن احد الأسباب الرئيسية للصراع الدائر في دارفور حالياً هو تراكم الإحساس بالغبن من جراء التهميش والإهمال اللذين ظل يعاني منهما إقليم دارفور وأهله منذ عهد الاستعمار البريطاني للسودان، وطوال عهود الحكومات الوطنية التي تعاقبت على سدة الحكم في البلاد منذ استقلالها في الأول من يناير عام 1956م. بيد أن الحقيقة التي من شأنها أن تتكشف لكل باحث أو مراقب موضوعي خال من الغرض والهوى، هي أن ولايات دارفور الثلاث قد شهدت خلال عهد حكومة ثورة الإنقاذ الحالية، التي جاءت إلى السلطة في 30/6/1989، طفرات ملحوظة وغير مسبوقة في مجالات التنمية والخدمات، فضلاً عن إتاحة المجال لأبناء دارفور لمشاركة أكبر على مستوى السلطة السياسية بمختلف مستوياتها بالإضافة إلى الخدمة المدنية.

وإيماناً منها بالإهمال والتهميش الذي حاق بإقليم دارفور وأهله خلال الحقب السابقة، فقد آلت حكومة ثورة الإنقاذ الوطني على نفسها أن تبذل قصارى جهدها في الارتقاء بمستوى التنمية والخدمات في دارفور في شتى المجالات. وقد أعدت الحكومة بالفعل برنامجاً طموحاً يستهدف إحداث نهضة تنموية وخدمية شاملة في دارفور، تحت الإشراف المباشر لعلي عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهورية آنذاك، ورصدت لذلك البرنامج موارد مالية كبيرة كانت كفيلة بتأمين تنفيذ جملة المشاريع المقترحة في إطار ذلك البرنامج، وكان ذلك قبيل اندلاع أعمال العنف من قبل الحركات المتمردة في فبراير 2003م. وهكذا، فقد تأثر تنفيذ ذلك البرنامج تأثراً بالغاً من جراء أعمال العنف التي ظل يشنها المتمردون مستهدفين كافة ما وصلت إليه أيديهم من مرافق تنموية وخدمية. ومع ذلك تبقى الطفرة الإنمائية والخدمية التي شهدتها ولايات دارفور منذ قيام ثورة الإنقاذ الوطني في عام 1989م وحتى الآن، مقارنة بما كان عليه الوضع في السباق، حقيقة ساطعة لا مراء فيها.

وإذا ما تركنا لغة الأرقام والإحصائيات تتحدث فإنها ستوقفنا على الحقائق التالية:

( أ ) التنمية والخدمات:

1ـ خدمات التعليم:

في مجال التعليم العام توضح البيانات والأرقام مدى التطور الذي حدث منذ عقد الستينات من القرن الماضي وحتى العام 2001، ففي العام 1967م كانت مدارس طلاب وطالبات المرحلة الأولية 241 والمرحلة الوسطى 21 والثانوية 2. وكان عدد طلاب وطالبات المرحلة الأولية 30.475 والمرحلة الوسطى 2.788 والثانوية 782، وفي العام 2001م بلغ عدد الطلاب والطالبات في مرحلة الأساس 444.208 وفي المرحلة الثانوية (52.422 طالباً).

وبعد عام 1995م بدأت تجربة إدخال مراكز ومعاهد الحاسوب وأصبحت ولاية شمال دارفور تضم 90 من معهد إلى مركز وولاية جنوب دارفور 40 وولاية غرب دارفور 20، أما في مجال إنشاء معامل تطبيقية بالمدارس الثانوية وإجلاس الطلاب والمعلمين فقد شمل مشروع إجلاس الطلاب في ولاية شمال دارفور 32.282 من الطلاب و 693 من المعلمين وإنشاء 7 معامل، وفي ولاية جنوب دارفور شمل مشروع الإجلاس 30.338 من الطلاب و 967 من المعلمين وإنشاء 12 معملاً، وفي ولاية غرب دارفور شمل الإجلاس 25.360 طالباً و 570 معلماً و3 معامل.

أما في مجال التعليم العالي فقبل عام 1989م لم يكن هنالك أي وجود للتعليم العالي في ولاية دارفور سوى قرار جمهوري صدر عام 1975م بإنشاء كلية للطب البيطري والموارد الطبيعية بدارفور، وهو قرار لم يجد حظه من التطبيق والتنفيذ، وفى فبراير من عام 1982م تم تكليف لجنة علمية لوضع تصور لقيام مؤسسة على المستوى الجامعي تحت اسم جامعة دارفور.

وبعد قيام ثورة الإنقاذ الوطني صدرت قرارات بقيام جامعة الفاتح من سبتمبر بدارفور عام 1990م، وبعد قيام الحكم الاتحادي وتقسيم الولايات عام 1994م صدر قرار جمهوري بقيام جامعتين أخريين هما جامعة زالنجي وجامعة نيالا وعدل اسم جامعة الفاتح إلى جامعة الفاشر، بذلك أصبحت هناك ثلاث جامعات بدارفور الكبرى إضافة إلى كلية نيالا التقنية، وتتوزع الكليات والمعاهد بجامعات دارفور على أرجاء الولايات الثلاث.

والبنيات الأساسية لهذه الجامعات معقولة حيث أنها تضم قاعات المحاضرات ومنازل الأساتذة والمزارع والمعامل ومراكز البحوث، كما أنها تحظى بميزانيات مقدرة، وفي مجال الدراسات العليا هناك عدد مقدر من الطلاب والطالبات المنتسبين على مستوى الدبلوم العالي.

2ـ الخدمات الصحية:

أن الأرقام تشهد علي تطور الخدمات الصحية في دارفور ففي عام 1990م كان عدد المستشفيات (16 وعدد الأسرة 1.307 والمراكز الصحية 29 ونقاط الغيار 14 وعدد الوحدات الأولية 623 وحدة، وفى عام 2001م ارتفع عدد المستشفيات إلى 23 وزاد عدد الأسرة إلى 1398 والمراكز الصحية إلى 44 ونقاط الغيار إلى 23 والوحدات الصحية الأولية إلى 702 وحدة إضافة إلى توفير عربات الإسعاف المجهزة.

وبالنسبة للقوى العاملة في الحقل الصحي لولايات دارفور الكبرى فقد بلغ عدد الاختصاصيين في مجال المهن الصحية عام 1980م 12 وارتفع عام 2001م إلى 21 كما ارتفع عدد الأطباء العموميين لذات الفترة من 44 إلى 71، وارتفع عدد الفنيين من 9 إلى 97 والمساعدين الطبيين من 203 إلى 491.

وفي مجال التمريض بلغ عدد الممرضين عام 1980م 885 وفى عام 2001م 1570، وارتفع عدد الزائرات الصحيات لذات الفترة من 29 إلى 72 ، والقابلات القانونيات من 421 إلى 985 ومفتشي وضباط الصحة من 18 إلى 26. 3- الكهرباء والمياه:

بدأ تشييد محطة نيالا عام 1976م وتوقفت تماماً بعد ذلك وفي عام 1988م تم تشييد محطة جديدة بسعة 7 ميغاواط انخفضت إلى 3 ميغاواط. وفي عام 1989م حدثت إضافات جديدة للمحطة لترتفع سعة التوليد إلى 7 ميغاواط، وفي الضعين كانت هناك مولدات صغيرة تعمل في الفترة المسائية بطاقة اقل من نصف ميغاواط، وفى عام 2002م تم إنشاء محطة جديدة بالمدينة بسعة 3 كيلو واط، وفى الجنينة حاضرة غرب دارفور تم عام 1989م تشييد ماكينة، بسعة 100 كيلو واط، وفى عام 1994م تم تشييد ماكينتين بسعة 800 كيلو واط ثم ماكينة بسعة 200 كيلو واط، وهكذا حتى بلغت السعة 3000 كيلو واط، تغطي كل المدينة.

وفي مايو من العام الماضي تم افتتاح محطة كهرباء إسعافية بمدينة الفاشر وتوقيع عقود إنشاء محطات أخرى للفاشر والجنينة بجملة طاقة 17 ميغاواط بتكلفة 17 مليون يورو ووصف وزير الطاقة والتعدين الدكتور عوض احمد الجاز محطة الفاشر بأنها الأكبر في تاريخ دارفور بطاقة 9.4 ميغاواط، وأشار إلى توزيع محطات لـ 12 مدينة وبلدة بشمال دارفور.

وفي مجال خدمات المياه حدثت زيادة مطردة في الإنتاجية على مستوى مياه الريف والحضر، من آبار وحفائر وسدود، ففي قطاع مياه الريف بلغت نسبة الزيادة في الآبار في جنوب دارفور في الفترة ما بين 1989م وحتى 2003م 50%، وفي غرب دارفور 80% وفى شمال دارفور 100% وفي مجال الحفائر بلغت الزيادة في جنوب دارفور 100% وفي غرب دارفور 106% وفي شمال دارفور 150%. أما في مجال السدود فقد بلغت نسبة الزيادة لذات الفترة في جنوب دارفور 125% وفي غرب دارفور 500% وفى شمال دارفور 230%، وأما في مجال مياه الحضر فقد قفزت المياه من 5 ملايين و 400 ألف متر مكعب في العام 1989م إلى 9 ملايين و 160 ألف متر مكعب في العام 2003م بزيادة مقدارها 70%. وقد تم التعاقد على مشروع مياه نيالا من حوض البقارة الجوفي بتكلفة 50 مليون دولار بتمويل من جمهورية الصين الشعبية.

4- خدمات الاتصالات:

وفي مجال الاتصالات شهدت ولايات دارفور طفرة كبيرة بدخول الشركة السودانية للاتصالات (سوداتل) التي ساهمت بخدمات عديدة ومقدرة في تطوير الاتصالات بالولايات الثلاث بجانب خدماتها في الاتصالات التي غطت كل رئاسات الولايات والمحليات في دارفور الكبرى، إضافة إلى ربط دارفور الكبرى بالعالم الخارجي من خلال شبكة الانترنت بجانب خدمة الهاتف السيار.

وبمقارنة ما تم في مجال الاتصالات الحديثة قبل العام 1989م نشير إلى أن حال الاتصالات الحديثة أو حتى التقليدية في ولايات دارفور الثلاث كان اضعف من أن يوصف برقم قبل العام 1989م ولنقارن الحال الراهن بما كان آنذاك.

5- خدمات الطرق والمطارات:

إضافة إلى مطار الفاشر الدولي في شمال دارفور فقد تم افتتاح مطار نيالا الدولي عام 1998م فى جنوب دارفور وتجرى الآن السفلتة فى مطار صبيره في مدينة الجنينة عاصمة غرب دارفور، أي أنه بنهاية هذا العام ستكون هنالك ثلاثة مطارات دولية في دارفور إضافة إلى المهابط والمطارات الصغيرة في عدد من مدن دارفور، وتمت حتى الآن سفلتة 100 كيلومتر في طريق الإنقاذ الغربي قطاع نيالا الفاشر. واكتمل تشييد ثلاثة جسور في طريق الإنقاذ الغربي بين زالنجى والجنينة هي كجا، وباري، وأزوم الذي يبلغ طول الكبرى فيه 1100 متر طولي بتكلفة إجمالية 25 مليون دولار.

(ب) المشاركة في السلطة:

لا يجرؤ أن ينكر إلاَّ مكابر أن نسبة مشاركة مواطني دارفور الكبرى في مختلف مستويات السلطة في السودان كماً ونوعاً قد شهدت زيادة كبيرة جداً منذ قيام ثورة الإنقاذ الوطني في عام 1989م، بالمقارنة مع ما كان عليه الوضع خلال الحقبة الاستعمارية والحقب الوطنية الأخرى التي تلتها.

فلقد كانت دارفور إحدى المناطق التي «تُصدِّر» إليها قيادات الأحزاب الطائفية النواب من الخرطوم تصديراً لكي يتم انتخابهم من هنالك بإشارة من زعيم الطائفة، بينما صارت الهيئة التشريعية الآن لا تضم أعداداً مقدرة من النواب الذين يمثلون أهل دارفور تمثيلاً حقيقياً فحسب، وإنما أوصلت بعض أبناء دارفور كفاءتهم وتأهيلهم، لتولي قيادة بعض تلك الهيئات التشريعية القومية نفسها، على النحو الذي يتولى فيه حالياً علي يحيى وهو من أبناء دارفور، رئاسة مجلس الولايات على المستوى القومي.

وهكذا، تم علي سبيل المثال خلال الفترة من 1994 إلى 2000م تعيين أربعة ولاة ولايات، وثلاثين وزيراً، وعشرين محافظاً من ولاية جنوب دارفور، وتعيين أربعة ولاة، وثلاثة وثلاثين وزيرا، وثمانية عشر محافظا من ولاية شمال دارفور، بينما تم تعيين أربعة ولاة، وتسعة وثلاثين وزيراً، وتسعة وعشرين محافظاً من أبناء ولاية غرب دارفور، بما يجعل جملة أبناء دارفور الكبرى الذين تم تعيينهم في مناصب دستورية سامية خلال الفترة المذكورة 176 شخصاً، وهذا الرقم يعادل 13% من مجمل الوظائف المماثلة بالنسبة لكل السودان.

وصفوة القول في الختام إن جهود حكومة ثورة الإنقاذ الوطني في الارتقاء بالتنمية والخدمات في دارفور الكبرى، وتأمين اكبر قدر ممكن من المشاركة السياسية لأبناء دارفور على مختلف مستويات السلطة، جهود مقدرة وغير مسبوقة، ولا يمكن مقارنتها مع الأوضاع التي كانت سائدة في أي عهد مضى. ورغم كل هذا فإن دارفور مازالت في حاجة للتنمية والخدمات وتوسيع مجال المشاركة السياسية ولكن كل هذا لا يتأتى عبر حمل السلاح والدمار والخراب وإنما عبر الحوار والمشاركة الإيجابية، في قضايا دارفور خاصة وقضايا السودان عامة.

* مستشار الرئيس السوداني ووزير الخارجية السابق