الجيش البريطاني ينهي مهامه في آيرلندا الشمالية بعد 38 عاماً

تسليم الأمن للشرطة يؤكد نجاح عملية السلام والتطبيع

جندي بريطاني يعود إلى معسكر «القصر» في بلفاست أمس، بعد اتمام مهامه (أ.ب)
TT

أنهى الجيش البريطاني مساء أمس، أطول عملية في تاريخه بانتهاء عملياته العسكرية في ايرلندا الشمالية، وتسليم الأمن لشرطتها. وتأتي هذه الخطوة ضمن سلسلة من الخطوات لـ«تطبيع» الأوضاع في ايرلندا الشمالية بعد ثلاثة عقود من النزاع التي انتهت عام 1998 بإحلال عملية سلام «الجمعة الصالح». وبعد 38 عاماً من انتشاره في ايرلندا الشمالية، يتقلص الوجود العسكري البريطاني في ايرلندا الشمالية في عشرة معسكرات للتدريب. وقال وزير الخارجية الايرلندي ديرموت اهيرن أمس: «التغيير في الواقع السياسي والأمني في ايرلندا الشمالية منذ 2005 كان افضل مما كنا نأمل فيه». وأضاف اهيرن في بيان صدر بمناسبة نقل السيطرة الأمنية للشرطة في ايرلندا الشمالية: «بعد 38 عاماً، انتهت العمليات العسكرية في ايرلندا الشمالية»، معتبراً: «هذه خطوة مهمة اضافية نحو تحقيق مجتمع طبيعي وسلمي ومزدهر في ايرلندا الشمالية».

وامتنع ناطق باسم «مكتب ايرلندا الشمالية» الرسمي في لندن التعليق على انتهاء عمليات القوات البريطانية لحفظ السلام في ايرلندا الشمالية. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هذه خطوة ضمن تطبيع الاجراءات، وضمن التزام الحكومة باتفاقات السلام التي اعلن عنها قبل عامين». ويعتبر تسليم الأمن الى الشرطة أمس امراً رمزياً، اذ لم تنتشر القوات البريطانية في شوارع بلفاست منذ عامين. وكان لدى الجيش البريطاني 106 قواعد و27 الف عنصر في ايراندا الشمالية، ولكن لديه اقل من 20 قاعدة اليوم، ومن المتوقع ان يبقي عشرا فقط بحلول ابريل (نيسان) المقبل. وفي كروسماغلين، معقل القوميين الايرلنديين في الاقليم الذي تحكمه بريطانيا، ما زال السكان يتعاملون مع ميراث الاشتباكات الشرسة بين المسلحين الجمهوريين والقوات البريطانية. وقال تيري هيرتي، عضو المجلس المحلي عن «شين فين» الحليف السياسي لمنظمة الجيش الجمهوري الآيرلندي المحظورة لـ«رويترز»: «الجيش البريطاني ادار حربا من خلال هذه المنطقة، وكان الناس في الطرف القاسي منها».

وادى الانتهاء من «عملية لافتة»، الاسم العسكري لنشر قوات حفظ سلام بريطانية في ايرلندا، الى نظرة داخلية بريطانية حول النزاع في ايرلندا. ودار نقاشاً حول اذا كانت القوات البريطانية قد نجحت في هزم الجيش الجمهوري الايرلندي المحظور والذي قاد الحملة لقلب الحكم في ايرلندا الشمالية بالقوة. وقال بول بيفر، وهو عسكري بريطاني خدم في ايرلندا ويعمل مستشاراً امنياً الآن، لـ«الشرق الاوسط»: «شكلت هذه الخطوة مرحلة مهمة جداً وتنهي اطول عملية للجيش البريطاني، الذي تعلم الكثير منها، وخاصة في مكافحة التمرد». وأضاف بيفر الذي كان في ايرلندا قبل 7 اشهر واطلع على عمليات القوات البريطانية: «لقد تعلمنا الكثير وحصلنا على المعدات الضرورية التي تجعلنا اليوم افضل جيش لمواجهة التمرد والحرب غير التقليدية». وتابع: «لن يكن الحل في ايرلندا الشمالية عسكرياً، بل سياسياً وكان دور الجيش اعطاء السياسيين المجال لانجاح الجهود السياسية من خلال محاربة الارهابيين». وعن ربط الواقع في ايرلندا الشمالية بالاوضاع في العراق اليوم، قال بيفر: «هناك تقارب كبير بين الوضع في العراق مع ما جرى في ايرلندا الشمالية، ولكن الفرق اننا في ايرلندا لم نحل الجيش والسلطة مثلما حصل في العراق، وهذا الخطأ الاكبر والاشد في العراق». وانتهاء العمليات العسكرية، يعني ان الجيش البريطاني سيحتفظ فقط بـ«حامية لوقت السلم» مثلما هو الحال في بقية اجزاء المملكة المتحدة، حيث سيتم تدريب القوات الآن على الانتشار في المناطق المضطربة في العالم مثل العراق وافغانستان. ولن يزيد عدد القوات في ايرلندا الشمالية على خمسة آلاف جندي، مقارنة مع 27 الف جندي في ذروة الصراع في عام 1972.

وشرح بيفر: «ايرلندا الشمالية جزء من المملكة المتحدة، ونحن نجد الكثير من الجنود من ايرلندا، فمن الطبيعي ان تبقى معسكرات للجيش هناك». وأضاف: «الا ان وجودهم الآن طبيعي، ويأتي ضمن تدريب القوات وانتشارها طبيعياً في مواقع داخل البلاد». وارسلت القوات البريطانية الى ايرلندا الشمالية في عام 1969 للمساعدة في قمع الاضطرابات بشأن الحقوق المدنية التي اندلعت بين غالبية السكان البروتستانت، الذين يريدون ان تبقى ايرلندا الشمالية جزءاً من المملكة المتحدة وبين الكاثوليك المحليين. وقتل 3700 شخص من جراء النزاع الذي عرف بـ«الاضطرابات»، منهم 763 جندياً و309 قتلوا على ايدي الجنود، بينهم اعضاء من الجيش الجمهوري الايرلندي. وانتهى العنف الى حد بعيد بوقف لإطلاق النار من جانب الجيش الجمهوري الايرلندي عام 1997، وفي مايو (ايار) من العام الجاري دخل سياسيون من كل الأطراف العرقية في حكومة جديدة لاقتسام السلطة. لكن بالنسبة لكثيرين في المنطقة ما زالت الجروح غائرة لم تلتئم. وكان السفر بطريق البر الى ارماه في السبعينات من القرن الماضي، قد أصبح بالغ الخطورة حيث بدأ الجيش البريطاني استخدام طائرات الهليكوبتر في نقل القوات وارسال الامدادات الى قواعده.