تصاعد المواجهة في نهر البارد بعد تأكيد مقتل الرجل الثاني في «فتح الإسلام»

«أبو هريرة» هرب بحراً إلى عين الحلوة ثم عاد إلى طرابلس

دورية للجنود اللبنانيين في محيط مخيم نهر البارد (أ ف ب)
TT

عادت الحرارة الى مختلف محاور القتال في مخيم نهر البارد بين الجيش اللبناني ومسلحي تنظيم «فتح الإسلام» إثر فترة هدوء نسبي طغت عليه المناوشات والقصف المدفعي المتقطع. فمنذ الرابعة من فجر امس تصاعدت المواجهات العنيفة على مختلف المحاور في المساحة المتبقية تحت سيطرة المسلحين الاصوليين. واستخدمت فيها الاسلحة المتوسطة والخفيفة، مصحوبة بقصف مدفعي مركز استهدف السوق القديمة وشارع راس البروة وسوق البروة والجهة الجنوبية من حي المهجرين. وقد تصاعد دخان الحرائق في سماء المنطقة. وفي حين تحدثت المعلومات عن ان الجيش وضع يده على بعض الملاجئ المحصنة وشدد الحصار على المسلحين، سُجّل سقوط صاروخ كاتيوشا بعد الظهر في محيط بلدة دير عمار في قضاء المنية ـ الضنية، اقتصرت اضراره على الماديات. فيما طاول رصاص القنص بعض البلدات المجاورة ومنها العبدة وببنين والمنية التي اصيب فيها شخص من آل زريقة.

وجاء هذا التصعيد في المواجهات اثر البلبلة التي سادت اوساط المسلحين عقب اعلان مجلس الوزراء ليل اول من امس عن مقتل احد كبار المسؤولين في «فتح الإسلام»، المدعو شهاب قدور والمعروف بـ«أبو هريرة» الذي يتردد انه المسؤول الثاني في التنظيم، وذلك خلال تبادل لاطلاق النار مع حاجز لقوى الامن الداخلي في محلة ابي سمراء في طرابلس منذ ايام. وكانت «الشرق الأوسط» نشرت الخبر الخميس الماضي. وذكر حينها ان الشخص الذي قتل يدعى خالد محمد بليبل (فلسطيني). لكن تبين ان هذه هي احدى الهويات المزورة التي كان يحملها «أبو هريرة» ويتنقل بواسطتها. وقد ألقي القبض خلال حادث تبادل اطلاق النار على شخص كان برفقة «أبو هريرة» على دراجة نارية، ويدعى جمال الدين ملص الذي ابلغ السلطات الامنية المعلومات الكاملة عن القتيل، كاشفاً أنه «أبو هريرة». وقد تم استدعاء والدي الاخير وشقيقيه (احدهما جندي في الجيش اللبناني). واخذت عينات من الوالدين من أجل إجراء فحص الحمض النووي (DNA). وتم التأكد من ان الجثة هي لأبو هريرة. كما تعرفت الى الجثة شقيقته.

وأفاد ملص اثناء التحقيق معه ان قدور فر من مخيم نهر البارد في وقت سابق، وزار مخيم عين الحلوة حيث تقيم عائلته المؤلفة من زوجة فلسطينية لا تزال في المخيم وخمسة اولاد. وقد انتقل بعضهم لاحقاً للإقامة في منزل جدهم في طرابلس.

وقد حصل «أبو هريرة» في مخيم عين الحلوة على مبلغ كبير من المال. ثم عاد الى طرابلس واقام فيها من دون ان يعرف به ذووه الذين رفضوا امس مواجهة وسائل الاعلام التي راحت تستقصي المعلومات عن شهاب قدور من الجيران، علماً ان منزل ذويه قائم في حرم مقبرة الغرباء في مدينة طرابلس الى الجهة الغربية من مجرى نهر ابو علي وعلى مسافة قريبة من مستديرة ابو علي التي تفصل بين منطقتي التبانة والزاهرية.

ونظراً الى قرب المنطقة من محلة التبانة فقد لعب شهاب قدور، عندما كان في الخامسة عشرة من عمره، دوراً مساعداً للمسلحين في تلك المنطقة منتصف الثمانينات عندما دارت معارك بين السكان هناك والجيش السوري. وذكر انه كان يساعد المسلحين من «حركة التوحيد الإسلامي» على التنقل من منطقة الى اخرى عبر اقنية الصرف الصحي المتصلة بمجرى نهر ابو علي، الأمر الذي دفع القوات السورية لإلقاء القبض عليه وبقي في السجن ست سنوات ونصف سنة. وقد افرج عنه لاحقاً خلال مرحلة شهدت اطلاق سراح عدد من السجناء من ابناء طرابلس في التسعينات.

وذكر بعض الجيران ان قدور لم يكن يتردد على اهله منذ فترة طويلة. وكانوا يعتقدون انه ما زال داخل مخيم نهر البارد الى ان فوجئوا بالسلطات الامنية تستدعيهم للتعرف الى جثته. ويشار الى انه بعد نحو شهر على اندلاع المعارك في نهر البارد، ذكرت معلومات انه تم العثور على قوارب مطاطية جنوب المخيم قرب ساحل المنية. وقيل حينها ان مسلحين من «فتح الإسلام» حاولوا الفرار من المخيم، لكن الجيش كشف خطتهم واستهدفهم بنيرانه، مما يعزز الاعتقاد بأنه ربما كان هناك قياديون آخرون في التنظيم الاصولي هربوا فعلاً من المخيم وتركوا المسلحين المغرر بهم لمواجهة مصيرهم تحت شعارات دينية وسياسية.

وتوجه أمس عدد من ذوي شهاب قدور الى المستشفى الحكومي في بعبدا من اجل تسلم جثته تمهيداً لدفنها، من دون ان يعرف ما إذا كان ذلك سيتم في مدينة طرابلس حيث يقطن أهله، أو مسقط رأسه بلدة مشمش في قضاء عكار.

وأصدرت شعبة العلاقات العامة في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بياناً جاء فيه: «إلحاقا لبلاغنا السابق الصادر في 1/8/2007 حول تعرض عناصر من قوى الأمن الداخلي ـ فوج السيار الرابع لحادثة إطلاق النار في 31/7/2007 أثناء إقامتها حاجز تفتيش في ساحة سعدون ـ محلة أبي سمراء، من قبل شخصين على متن دراجة نارية مرت بالمكان من دون لوحات تسجيل، لم يمتثلا لأوامر عناصر الحاجز بالتوقف، بل بادر احدهما الى اطلاق النار من مسدس حربي باتجاه عناصره ولاذ بالفرار نحو مدخل احد الأبنية حيث قام عناصر الحاجز بمطاردته وتبادلت إطلاق النار معه، مما أدى الى مقتله، فيما تم توقيف الآخر، سائق الدراجة النارية الذي تبين أنه يدعى: جمال الدين مصطفى ملص (مواليد 1977) لبناني، وعثر بحوزة القتيل على بطاقة خاصة باللاجئين الفلسطينين باسم: خالد محمد بليبل (مواليد 1970) تبين لاحقا أنها مزورة. وبنتيجة التحقيق المكثف الذي أجري مع الموقوف جمال الدين ملص، أنكر في بادئ الأمر معرفته بهوية القتيل. ولدى مواجهته بالمعطيات التي توافرت، تراجع وأكد أن القتيل هو اللبناني شهاب قدور (ابو هريرة)، كما افاد أنه في تاريخ 28/7/2007 حضر شخص على معرفة سابقة به وطلب منه استضافة احد الاشخاص في منزله الكائن في محلة التبانة، فوافق على ذلك، وعلم في ما بعد أن الشخص هو المدعو أبو هريرة (شهاب قدور) الذي بدوره اخبره انه منذ نحو ستة أيام وقرابة الساعة 23.00 قام برفقة شخص آخر بالخروج من المخيم بحرا وبشكل غير منظور وبدون استعمال أي وسيلة نقل بحرية، معتمدين على الغوص المؤقت على تخوم مخيم نهر البارد من دون إحداث أي حركة مسموعة، بعدها تابعا سباحة لنحو أربع ساعات، حيث استطاع القدور بمساعدة شخص آخر، الانتقال في ما بعد عبر الجبال ولعدة أيام إلى منزل ملص في طرابلس».

وفي مجال آخر، تابع قاضي التحقيق العسكري الأول، رشيد مزهر، تحقيقاته مع عناصر «فتح الإسلام» فاستجوب 3 منهم وأصدر مذكرات وجاهية بتوقيفهم سنداً الى الادعاء الأساسي، أي «تأليف عصابة مسلحة بهدف القيام بأعمال ارهابية وحيازة ونقل واستعمال مواد متفجرة واسلحة وذخائر».

الى ذلك، التقى امس ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، عباس زكي، النائبة بهية الحريري. وتم البحث في المستجدات على الساحة الفلسطينية في لبنان، وخصوصاً ما يتصل بأوضاع نازحي مخيم نهر البارد وسبل العمل على تخفيف معاناتهم بانتظار عودتهم الى مخيمهم وإعادة إعماره.