ملك المغرب يعفي «رجله القوي» من مهامه وسط دهشة الطبقة السياسية

إعفاء عالي الهمة وزير الداخلية عشية مفاوضات نيويورك وانتخابات سبتمبر

TT

شكل إعفاء فؤاد عالي الهمة، وزير الداخلية، من موقعه الحكومي مفاجأة كبرى، وخلق حالة ذهول لدى الطبقة السياسية المغربية، فالرجل الذي كان حتى الليلة قبل الماضية، يعد أقوى رجل في مملكة محمد السادس، ويتحكم في المربعات الأمنية وغير الأمنية، وضع بيان من القصر الملكي بثته وكالة الأنباء المغربية في الساعة السابعة والربع من مساء أول من امس (توقيت جرينتش)، حدا لمهامه. رغم أن بيان الديوان الملكي تحدث عن التماس رفعه عالي الهمة الى الملك محمد السادس، لإعفائه من مهامه الوزارية كعضو في الحكومة، وان العاهل المغربي وافق على ذلك.

وعزا بيان الديوان الملكي التماس الهمة إعفاءه من مهامه، الى رغبته في الترشح للانتخابات التشريعية المزمع تنظيمها في السابع من سبتمبر (ايلول) المقبل.

وأفاد البيان بأنه بهذا القرار الملكي أبى العاهل المغربي «إلا أن يحيط بسابغ رضاه ويشمل بكريم استجابته المولوية رغبة الوزير المنتدب في الداخلية بالترشح للانتخابات النيابية المقبلة، وذلك مع كافة المواطنين المغاربة وبدون تمييز أو استثناء بين المرشحين لاقتراع السابع من سبتمبر المقبل، وفي نطاق الاحترام التام للمقتضيات القانونية والتنظيمية الجاري بها العمل».

واضاف البيان أن الملك محمد السادس أبى إلا أن يعرب عن إشادته الكريمة بما عهده في الوزير الهمة «من خصال إنسانية ومؤهلات عالية وكفاءة رفيعة ووعي عميق وتحمل تام للمسؤولية وقيامه بالواجب ونهوضه بكافة المهام المنوطة به في تفان ونكران ذات وإخلاص دائم للعرش العلوي المجيد».

وشبه المراقبون في الرباط حدث إعفاء الهمة بحدث إعفاء إدريس البصري، وزير الداخلية «القوي» الأسبق، يوم 8 نوفمبر (تشرين الثاني)1999 . واعتبرت مصادر سياسية متطابقة في العاصمة المغربية اعفاء الهمة زلزالا سياسيا لا سيما انه يأتي عشية تنظيم الانتخابات التشريعية، وقبل ايام قليلة من انطلاق المفاوضات مع جبهة البوليساريو في ضواحي نيويورك، وهي المفاوضات التي شارك الهمة في جولتها الاولى الشهر الماضي. ويرى البعض أن الهمة خرج من دواليب السلطة عبر النافدة وربما يعود من الباب بعد الانتخابات، اذ هناك من يرشحه لمنصب الوزير الأول خلفا لإدريس جطو، لكن هدا السيناريو يظل صعب التحقيق ما دام يتعارض مع ما سبق ان أعلن عنه الملك محمد السادس في إحدى خطبه من ان الوزير الأول المقبل سيكون من صفوف الأحزاب. كما ان تعيين الهمة وزيرا أول قد يحمل في طياته بوادر سياسية بين الأحزاب السياسية الأساسية والقصر. لكن ما هي خلفيات اقالة الهمة التي لم يعلن عنها بيان الديوان الملكي؟

في منتصف ليلة السبت /الأحد الماضية، حل الوزير الهمة بشكل مفاجئ، بالنقطة الحدودية «باب سبتة» ليكتشف حالة الفوضى التي يعيشها المركز الحدودي، الذي يخضع لمراقبة جميع أصناف الأجهزة الأمنية من شرطة، ومراقبة التراب الوطني، والدرك الملكي، والدراسات والمستندات (مخابرات عسكرية)، والقوات المساعدة، وهو ما جعله يرغي ويزبد من هول ما شاهده من حالة اللا نظام السائدة به، بل انه وجد الكثير من جوازات السفر لمواطنين مغاربة في مكاتب الجمارك وهي غير مختومة، وقام بحجز سبعة منها.

ويبدو ان زيارة الهمة للنقطة الحدودية في شمال البلاد، حركت عليه عش الدبابير، وبدأ صراع الأجهزة.

ربما تكون هده الواقعة واحدة من أسباب كثيرة عجلت برحيل الهمة، رفيق الفصل الدراسي لملك المغرب، وأحد أصدقائه الخلص، لكن سياسة الدول عبر التاريخ لم تكن قط رهينة أو أسيرة للصداقة. لكن ثمة تراكمات أخرى عجلت بأفول نجم الرجل القوي ،الذي عرف كيف يبني شبكة عنكبوتية إعلامية، ويتحكم بها، فأخيرا نشرت مجلتي «نيشان» و«تل كيل» مقالا تخلان فيه بالاحترام الواجب للملك. والمعروف أن المجلتين لديهما حظوة لدى بعض صانعي القرار، وتلقيان دعما منهم، بيد ان ذلك لم يمنعهما من الإساءة لعاهل البلاد، بل ان صحفا أخرى تحلق ضمن نفس السرب، لم تتوان عن المضي قدما في الإساءة للجيش المغربي.

وقبل ذلك، سال مداد آخر على صفحات الصحف حول ما يعرف باسم «قضية محمد منير الماجيدي»، مدير الكتابة الخاصة للعاهل المغربي، ومدير أعمال القصر الملكي، حينما اقتنى أرضا في ملكية الأوقاف الإسلامية بأسعار زهيدة عما هو متعارف عليه في سوق العقار، وقيل وقتداك إن جهات نافدة في الدولة كانت تقف خلف الحملة الإعلامية ضد الماجيدي.

لكن يبدو أن المعطيات السالفة هي غيض من فيض، عجل، في نظر المراقبين، بتنحية الهمة وإبعاده عن التحكم في مفاصل وزارة تمارس السلطة بأوسع وأضيق معانيها.

وبإبعاد الهمة يكون المغرب قد دخل مرحلة جديدة ومغايرة في مسار حكم الملك محمد السادس، الذي كثيرا ما يفاجئ المراقبين والمواطنين على حد سواء بقرارات تتسم بالجرأة والإقدام.