الأمم المتحدة تدرس توسيع دورها في العراق تحت ضغط أميركي

واشنطن تسعى لتدويل القضية العراقية.. والمنظمة قد تصطدم بمعارضة أطراف عراقية

TT

عرضت الأمم المتحدة زيادة وجودها في بغداد للمرة الأولى خلال ما يزيد على ثلاث سنوات، بعد مناشدات متكررة من ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش للمنظمة العالمية، من أجل ان تلعب دورا أكثر فاعلية للتوسط في النزاعات الطائفية في العراق. وأبلغ لين باسكو، كبير المستشارين السياسيين للأمين العام بان كي مون، مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، اول من امس بأن الأمم المتحدة مستعدة لتعزيز ملاك موظفيها في العراق خلال الأشهر المقبلة. كما تسعى المنظمة الى الحصول على 130 مليون دولار من أجل بناء مجمع في بغداد، يضم بعثة الأمم المتحدة المتسعة. ويؤكد دفع الولايات المتحدة باتجاه دور أكبر للأمم المتحدة اعتماد واشنطن على الأمم المتحدة لتعزيز الدعم الدولي للحرب. وتعكس الخطوة أيضا تعهدا من جانب بان الذي تولى منصبه أمينا عاما للأمم المتحدة في يناير (كانون الثاني) الماضي، بالتغلب على معارضة المنظمة العميقة لمساعدة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق. واختار بان أن يفعل ما هو أكثر مما فعله سلفه كوفي أنان، الذي عارض الغزو الأميركي، ولكنه يواجه معارضة من جانب المسؤولين في الأمم المتحدة ممن يخشون عواقب الفوضى العراقية والزعماء العراقيين، الذين يشعرون بالقلق من أن جهود حفظ السلام من جانب الأمم المتحدة يمكن أن تقلص من قوتهم.

وقال قباد طالباني، ممثل الأكراد في واشنطن وابن الرئيس العراقي جلال طالباني، انه «يوجد مسعى من جانب الولايات المتحدة لمحاولة اعادة تدويل المشروع العراقي. وأعتقد أنه ستكون هناك معارضة واسعة لتوسيع عمل الأمم المتحدة في العراق. فأية مشاركة من جانب الأمم المتحدة يجب ان تكون بتنسيق وثيق جدا مع الحكومة العراقية». وتدفع الولايات المتحدة وبريطانيا باتجاه تصويت على قرار لمجلس الأمن يدعو الأمم المتحدة الى تعزيز المحادثات حول المصالحة الوطنية وتحفيز الدعم الاقليمي والدولي للعراق. كما يوجه القرار الأمم المتحدة للمساعدة في حل النزاعات الاقليمية، خصوصا في الشمال الكردي، حيث العراقيون يستعدون لاستفتاء حول مستقبل كركوك الغنية بالنفط.

وقال زلماي خليلزاد السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة، ان «الأمم المتحدة تحتاج الى ان تلعب دورا أكبر يمكن أن يساعد العراقيين على التغلب على هذه المصاعب. ومن بين مزايا الأمم المتحدة انها تستطيع الوصول الى كثير من الجماعات وبعض الجماعات التي لا تريد التحدث الى جهات خارجية أخرى»، مشيرا الى الولايات المتحدة وبريطانيا. وابلغ باسكو مجلس الأمن اول من أمس، بأن موظفي الأمم المتحدة في بغداد يمكن أن يزداد عددهم بما يقرب من 50 في المائة، حيث يمكن أن يرتفع سقف العاملين في العاصمة من 65 الى 95 بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

كما دفع خليلزاد الأمم المتحدة باتجاه تسمية مبعوث خاص حيوي جديد ليرأس بعثة الأمم المتحدة في بغداد، ويحل محل أشرف قاضي الباكستاني، الذي سيغادر منصبه في الأشهر المقبلة. ومن بين المرشحين للمنصب ستافان دي ميستورا من السويد، وهو مساعد سابق لمبعوث الأمم المتحدة في العراق، وجان أرنولت، وهو فرنسي أدار عمليات الأمم المتحدة في أفغانستان وغواتيمالا وجورجيا.

ويتعارض تمهيد ادارة بوش للأمم المتحدة، الذي اشتمل على زيارتين قام بهما بان الى البيت الأبيض منذ يناير الماضي، مع الازدراء الذي ابدته للمنظمة خلال السنوات الماضية. فعشية الغزو الأميركي للعراق توقع الرئيس بوش ان الأمم المتحدة سيكون مصيرها مصير عصبة الأمم اذا ما أخفقت في مجابهة صدام حسين. وسعت وزارة الدفاع الى ابعاد الأمم المتحدة عن اية مشاركة في اعادة اعمار العراق. غير انه في الأشهر التي أعقبت سقوط صدام حسين عادت ادارة بوش الى مجلس الأمن من أجل اقرار الاحتلال الأميركي. وساعد مسؤولو الأمم المتحدة في العراق اخيرا في اقامة حكومة انتقالية وتنظيم انتخابات والتفاوض على صياغة دستور. لكن المنظمة تحولت الى مراقب، بينما ينحدر العراق عميقا نحو الفوضى. فانسحاب القوات البريطانية في الجنوب ارغم الأمم المتحدة على سحب موظفيها من البصرة، التي يوجد فيها واحد من ثلاثة مكاتب للأمم المتحدة في البلاد. وقال باسكو ان موجة من التفجيرات الانتحارية في اربيل، حيث توجد بعثة صغيرة للأمم المتحدة، جعلت من الصعب توسيع عملياتها هناك. وقد تقلصت بعثة الأمم المتحدة في بغداد الى حد كبير لتنحصر في المنطقة الخضراء، التي تسيطر عليها قوات التحالف، مما قلص قدرة الأمم المتحدة على الوصول الى الأطراف السياسية المختلفة في العراق.

وتزايد قلق موظفي الأمم المتحدة بشأن حماية مكاتبها من هجمات الهاون والصواريخ حتى في المنطقة المحمية. وفي تذكير بالمخاطر انفجرت قذيفة هاون خارج قاعة كان فيها بان ورئيس الوزراء نوري المالكي يتحدثان الى الصحافيين في مارس (آذار) الماضي. وما يزال كثير من موظفي الأمم المتحدة يشعرون بالاستياء من الولايات المتحدة بشأن التفجيرات الانتحارية التي أدت الى مصرع مبعوث الأمم المتحدة سيرغي فييرا دي ميلو و21 من موظفي الأمم المتحدة الآخرين، ممن كانوا يعملون في العراق، داعمين المهمة العسكرية الأميركية التي كانت المنظمة تعارضها. وحتى بعض المسؤولين ممن كانوا يعارضون عودة الأمم المتحدة الى العراق يجادلون الآن بأن دور الأمم المتحدة كوسيط يمكن أن يبرهن على حيويته في حل المأزق السياسي الذي تعاني منه الأطراف العراقية. وقال كيران برندرغاست، الدبلوماسي البريطاني السابق الذي عمل مستشارا سياسيا رفيعا لأنان «أعتقد أن أسوأ شيء بالنسبة لواشنطن أن تأتي وتطلب من الأمم المتحدة القيام بذلك، والأمم المتحدة إما أن ترفض القيام بذلك أو تكون غير قادرة على القيام به. وقد شعرت في السابق بأنه كان بوسع الأمم المتحدة أن تساعد على منع وقوع بعض الأخطاء الفادحة، ولكنكم تتذكرون انه ما من أحد كان يصغي الينا». وظل بان وباسكو، وهو دبلوماسي أميركي سابق، متحمسين لصياغة دور أكثر فاعلية للمنظمة في العراق. وكان باسكو يسعى لقيادة نشاط بعد نشر مقالة لخليلزاد في «نيويورك تايمز» أواخر الشهر الماضي تحدد دورا جديدا واسعا تلعبه الأمم المتحدة في العراق. وفي اجتماع جرى أخيرا حث باسكو كبار مستشاريه على ابلاغ موظفيهم بان الأمم المتحدة لا نية لها لتولي المهمة في العراق وان الأمم المتحدة ستوسع الدور الذي تلعبه هناك في الوقت الحالي. وقال في مقابلة معه ان «موضوع المغادرة ليس مطروحا هناك»، مشيرا الى لقاءات بان مع بوش ومسؤولين آخرين في الادارة.

واضاف باسكو «كنا نتحدث عن مجالات يمكن أن نكون فيها قادرين على تقديم بعض العون. ومن الواضح ان الأميركيين كانوا يقولون انهم يودون الحصول على المساعدة. وأعتقد أنه ينظر الينا بحيادية، ربما، في هذه العملية، أكبر من الآخرين. فنحن لا نمتلك الصلات فقط وانما بوسعنا التحدث الى الجميع. غير ان النافع للأمم المتحدة سيعتمد على ما يريد العراقيون القيام به، ليس الحكومة فقط وانما ايضا الجماعات الأخرى».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»