كوشنير يختتم زيارته لبغداد بتدشين «عهد جديد» من الدبلوماسية الفرنسية

وزير الخارجية الفرنسي: لم نمر عبر الأميركيين إلى العراق

TT

اختتم وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير امس زيارة الى العراق فتح خلالها ما يمكن وصفه بـ«عهد جديد» من الدبلوماسية الفرنسية في العراق، نافيا في الوقت نفسه ان بلاده تبنت موقف أميركا.

وأكد كوشنير امس انه «لم يمر عبر الاميركيين» لزيارة العراق، حيث وصل الاحد، نافيا الانتقادات الموجهة الى الفرنسيين بتبني موقف واشنطن. وقال لإذاعة «ار تي ال» من بغداد «لقد ميزنا موقفنا بشكل واضح جدا عن السياسة الاميركية، ولم نؤيد التدخل الاميركي، وأعتقد اننا كنا على حق»؛ في اشارة الى وقوف باريس ضد شن الحرب على العراق عام 2003. ونقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية، قوله «من المهم للغاية ان يتذكر العراقيون وهم يتذكرون حقا، ما كان موقف فرنسا، وهذا يمنحنا دورا خاصا». وأضاف «لم نمر عبر الاميركيين» لزيارة العراق، موضحا انه ابلغ وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس بزيارته «قبل بضع ساعات» فقط وكذلك نظيريه البريطاني ديفيد ميليباند والألماني فرانك فالتر شتاينماير والرئاسة البرتغالية للاتحاد الاوروبي والممثل الاعلى لسياسة الاتحاد الاوروبي الخارجية خافيير سولانا. وقال ان «وزراء خارجية آخرين سيزورون العراق»، مؤكدا ان نظيره السويدي كارل بيلد «سيأتي بعد فترة».

وكشف كوشنير عن دوافع زيارته، وقال «في ضوء ما سيتقرر وسيجري اليوم هنا، سيتبدل وجه العالم». وتحدث خصوصا بهذا الصدد عن العلاقات بين السنة والشيعة والاستقرار في الشرق الاوسط وانعكاس المسألة العراقية على العلاقات مع دول الجوار. ورد كوشنير على الانتقادات الشديدة اللهجة الصادرة عن رئيس الوزراء الاشتراكي السابق جان بيار شوفنمان الذي وصف الاثنين هذه الزيارة بانها «زيارة استغفار مذلة» تفقد فرنسا «ميزة عدم الانحياز». وقال كوشنير بهذا الصدد ان شوفنمان الذي تنحى من منصبه وزيرا للدفاع احتجاجا على شن حرب الخليج الاولى عام 1991 «كان من اكثر الذين جاهروا بتأييدهم للدكتاتور الدموي صدام حسين». غير انه لمح الى ان السياسة الفرنسية حيال العراق تبدلت مع وصول الرئيس نيكولا ساركوزي وحكومته. وقال «كان هناك في الماضي موقف يقول: أكملوا طريقكم، ليس هناك ما يمكن مشاهدته، المسألة معقدة للغاية والقضية خاسرة مسبقا الى حد انه يجدر عدم الاكتراث بعد الآن». وأكد «هذا لم يعد موقف فرنسا حاليا». وكانت هذه اول زيارة يقوم بها وزير فرنسي للعراق منذ الاجتياح الاميركي الذي عارضته فرنسا بشدة، كما أنها كانت ملفتة من حيث مدتها، اذ ان المسؤولين الذين يزورون العراق نادرا ما يمكثون فيه اكثر من يومين.

وكان كوشنير بعد وصوله الاحد الى بغداد قد قال ان الهدف الاول من زيارته هو الاستماع الى العراقيين، مؤكدا انه لا يحمل حلا جاهزا لإخراج البلاد من المأساة التي ألمت بهم. لكن بالرغم من هذه المقاربة المتواضعة، فان زيارة كوشنير تفتح عهدا جديدا في الدبلوماسية الفرنسية بعد ان بقيت غائبة عن ملف هيمنت عليه الولايات المتحدة منذ تدخلها العسكري في مارس (آذار)2003.

وبعد ان تعاطت الولايات المتحدة وبريطانيا لفترة طويلة مع الامم المتحدة بفوقية، حث البلدان اخيرا مجلس الامن على تعزيز دور المنظمة الدولية في العراق. ولزم مجلس الأمن الحذر في قراره رقم 1770؛ إذ طلب من بعثة المساعدة الدولية في العراق تقديم «النصح والدعم والمساعدة» للحكومة العراقية في العديد من المجالات «اذا سمحت الظروف بذلك».

غير ان باريس التي طالما أيدت تسوية القضية العراقية في اطار الامم المتحدة، دعت الى تشجيع هذا التعزيز لدور الامم المتحدة على تواضعه، وقد ردد كوشنير هذا الموقف مرارا في مداخلاته العلنية. وقال «الكل يعرف انه لن يكون في وسع الاميركيين اخراج هذا البلد من الورطة وحدهم. وكلما طلب العراقيون تدخل الامم المتحدة، ساعدتهم فرنسا على ذلك». وهذا الاطار الدبلوماسي المتعدد الاطراف هو البيئة الوحيدة التي تملك فيها فرنسا نفوذا يمكنها من الاضطلاع بدور.

كذلك شجع كوشنير على إشراك أطراف الأزمة الرئيسيين ودول جوار العراق والمؤسسات الدولية في مجموعات العمل المكلفة النظر في مختلف الملفات ولاسيما ملفي الامن والنازحين، والتي تشكلت غداة مؤتمر شرم الشيخ حول العراق في مايو (أيار).