في «مثلث الموت» .. أعداء سابقون يتلقون مرتبات من الجيش الأميركي

راتب شهري قدره 370 دولارا لكل مجند .. وفرصة للاندماج بالجيش أو الشرطة

TT

جرف الصخر (العراق) ـ رويترز : تحت شجرة بجوار طريق اشتهر بأنه ساحة معارك في «مثلث الموت» بالعراق يلتقي اللفتنانت كولونيل روبرت بالكافيدج مع المجندين الجدد في قوته. الرجال من العرب السنة العراقيين وهم سيتلقون رواتبهم من الجيش الاميركي باعتبارهم أفراد ميليشيا محلية. طلبوا منه بنادق.

لكن القائد الاميركي قال لهم «أنا لن أعطيكم بنادق أو ذخائر». وكان الرجال يصغون باهتمام بينما كان المترجم يؤدي عمله. وأضاف «تعرضت لاطلاق الرصاص مرات كافية بالنسبة لي وأعلم أن هناك الكثير من البنادق والذخيرة. أنا شخصيا. بعضكم أيها الرجال ربما يكون قد أطلق علي الرصاص عدة مرات».

وتسعى القوات الاميركية بشكل تدريجي ومتعمد الى تجنيد مجموعات من المسلحين وربما يكونون من المقاتلين السابقين ودفع رواتبهم في استراتيجية تقول انها أدت الى الحد من العنف بصورة كبيرة في بعض أكثر المناطق خطورة في العراق في غضون أسابيع فقط.

وهذه أنباء طيبة نادرة خلال أربع سنوات من الحرب ومثل هذا النجاح من المرجح أن يلعب دورا بارزا عندما يقدم قائد القوات الاميركية في العراق ديفيد بترايوس تقريرا طال انتظاره في منتصف الشهر المقبل. ويقول بالكافيدج «الناس يقولون.. أنتم تدفعون للعدو. وأنا أقول.. هل لديكم فكرة أفضل... تجنيدهم أسهل كثيرا من احتجازهم أو قتلهم».

لكن القوات الاميركية تقول أيضا ان الميشيليات التي تم تشكيلها في اطار ما يطلق عليه «برنامج المواطنين المعنيين» هو اجراء مؤقت. واذا ما كتب الصمود لهذا السلام النسبي فعلى الحكومة الشيعية أن توفر للمقاتلين وظائف حقيقية في القوات المسلحة وقوة الشرطة.

وتغطي المنطقة التي يتولى بالكافيدج المسؤولية عنها الخط الفاصل بين السنة في غرب العراق والشيعة في الجنوب. وكانت الاراضي التي تكثر فيها أشجار النخيل في وادي نهر الفرات معقل المقاتلين من العرب السنة في حين أن بلدات مضطربة مثل الاسكندرية والمسيب أصبحت بوتقة للعنف الطائفي وقاعدة للميليشيات الشيعية.

ومنذ اكتوبر (تشرين الاول) الماضي قتل 23 فردا من كتيبة بالكافيدج المكونة من 800 من المظليين في المنطقة التي تطلق عليها القوات الاميركية اسم «مثلث الموت». لكن تقارير وحدته تظهر تحسنا مفاجئا غير متوقع في الامن خلال الاسابيع القليلة الماضية. ففي مرحلة من المراحل كانت الكتيبة تتعرض لانفجار 16 قنبلة على الطريق يوميا ولكن هذا العدد انخفض الى أربعة في الاسبوع الماضي. وتوقفت تقريبا الهجمات بقذائف الهاون التي كانت متواصلة دائما.

ويركز «برنامج المواطنين المعنيين» على الطريق القادم من البلدة. وهو طريق استراتيجي يمثل الشريان الذي يربط بين المنطقة وبغداد ووادي الفرات في محافظة الانبار الى الغرب وهو مغلق منذ نحو عام. وكانت اخر مرة قررت فيها قوات بالكافيدج استخدام هذا الطريق في يناير (كانون الثاني) عندما انفجرت فيهم ست قنابل على الطريق ودمر لهم ثلاث سيارات همفي وتعين عليهم خوض قتال لشق طريقهم. ولكن عندما لجأوا الى هذا الطريق هذا الاسبوع قابلهم الشيخ صباح الجنابي وهو من زعماء عشيرة محلية مرتديا ملابس بيضاء ومسلحا بمسدس لامع مطلي بالكروم يضعه حول وسطه. وقال الشيخ للكولونيل الاميركي الذي استقبله بود راسما على وجهه ابتسامة عريضة «تسرنا مقابلتكم... سيحرس رجالنا الطريق. اذا حدث أي اطلاق رصاص دعونا نرد نحن لا أنتم. نحن ننفذ وعدنا لكم».

سكان هذا الوادي من عشيرة الجنابي وهي عشيرة للعرب السنة كان يغدق عليها صدام حسين الذي استعان بقوة خاصة مرهوبة الجانب في هذا المكان لحماية العاصمة من الشيعة المتمردين الى الجنوب. وعندما قامت سلطات الاحتلال الاميركي بحل الجيش العراقي عام 2003 عاد الكثير من عشيرة الجنابي الى ديارهم مسلحين وعاطلين وغاضبين وخائفين فانضموا الى المقاتلين. ولكن في الاسابيع الاخيرة اتصل زعماء عشيرة الجنابي بالاميركيين ليعرضوا عليهم السلام. أخذت قوات بالكافيدج بصمات أصابع وعيون نحو ألف رجل في المنطقة.

ويحصل كل فرد في هذه الميليشيا على 370 دولارا شهريا أي نحو 70 في المائة من راتب أي شرطي أو جندي عراقي. ويجري توقيع العقود مع الشيوخ في القرى ويمنح كل منهم سلطة تجنيد ما بين 150 و200 رجل. والخطة التي رسمها بالكافيدج لاول مرة على منديل مائدة ثم أضافها الى أوراقه العادية تظهر أن العملية تنتهي بحلول أوائل عام 2008 بعد دمج أفراد الميليشيا داخل الجيش والشرطة العراقية.