إعادة إعمار ضاحية بيروت الجنوبية تنطلق بكلفة 600 مليون دولار

«وعد» تعد بإعادتها «أجمل مما كانت».. وسباق على «المفتاح الأول» * منزل نصر الله يعود إلى أصحابه وباحة قيادة «حزب الله» حديقة عامة

TT

في اليوم الاول من عام 2009 يفترض ان تكون ضاحية بيروت الجنوبية «اجمل مما كانت» طبقاً للشعارات المرفوعة في احيائها المتضررة بفعل الحرب الاخيرة بين «حزب الله» واسرائيل، والتي كان دمار الضاحية الهائل أحد ابرز نتائجها. لكن الذكرى الثانية للحرب في يوليو (تموز) 2008 لن تمر من دون ان تكون مجموعة لا بأس بها من عمارات الضاحية قد عادت الى اصحابها. ويتوقع المدير العام لشركة «وعد» المكلفة اعادة اعمار الضاحية، المهندس حسن الجشي، انجاز مجموعة كبيرة من المساحات المبنية قبل مهلة الـ 12 شهراً، مشيراً الى وجود سباق بين الشركات الملتزمة يَربحُهُ من يسلم المفتاح الاول لأصحابه.

أطنان من القنابل استهدفت خلال هذه الحرب احياء الضاحية، وخصوصاً منطقة حارة حريك حيث الموقع الرسمي لقيادة الحزب في المنطقة المسماة «المربع الامني» التي كانت تضم مجموعة من الابنية يملك الحزب ويستأجر شققاً فيها لمؤسساته الرسمية، وأبرزها مقر الامانة العامة الذي كان امينه العام السيد حسن نصر الله يستقبل فيه الضيوف الرسميين. الغارات حولت منطقة المربع الامني الى ركام وبقيت بواباته الحديدية الكبيرة التي كانت تمنع دخول السيارات اليه شاهداً على حدوده. فالضاحية كانت هدفاً لأقسى حملة عسكرية حيث سقط عليها من القذائف ما يوازي ضعفي ما سقط على بغداد خلال الغزو الاميركي للعراق، ويكاد يوازي ما سقط على برلين خلال الحرب العالمية الثانية، كما قال آنذاك نقيب المهندسين اللبنانيين سمير ضومط لـ«الشرق الاوسط». الغارات الإسرائيلية ركزت على منطقة محددة داخل الضاحية مساحتها نحو 40 هكتاراً تقدر «وعد» ان نصف ابنيتها دمر تماماً، فمنطقة «الشورى» مثلاً تعرضت وحدها لأكثر من 300 غارة، مما اجبر القائمين على المشروع على الحفر عميقاً وازالة طبقة كبيرة جداً من التراب للوصول الى التربة السليمة. اما منزل «السيد» كما يطلق عليه انصاره ـ وهو مبنى قديم من طبقتين ـ فهو كان مستأجراً وقد عاد الى اصحابه الاساسيين، فيما يعد المنزل الجديد للامين العام للحزب من الاسرار الكبرى التي لا يعرفها سوى «الراسخين في أمن الحزب».

والمفارقة ان عدد ضحايا الغارات الاسرائيلية من سكان الضاحية كان اقل بكثير من ضحايا ابنيتها، بعدما اسفرت الحرب عن سقوط 261 مبنى و«اصابة» المئات، بعضها كان في حالة «الخطر الشديد». وصدر الحكم بتنفيذ «الموت الرحيم» بعدما تبين انه غير صالح للسكن.

اختفت مقرات «حزب الله بسبب القصف الذي اطاح كل بناء عرف الاسرائيليون ان فيه مقراً او مسؤولاً في الحزب، حتى المستشفيات والمراكز الاجتماعية دمرت. لكن الحزب استوعب الضربة سريعاً ونفذ خطة «اعادة توطين» مراكزه وانتقلت كل مؤسساته المدنية الى العمل السري، وانضمت بذلك الى الاجهزة الامنية في الحزب. وحدها المؤسسات التي تحتاج الى علاقات مع الناس انشئت لها مراكز علنية، وهي محدودة ولديها بدائل سرية تحسباً لأي طارئ. واكدت مصادر مسؤولة في «حزب الله» لـ«الشرق الاوسط» ان الحزب اتخذ قراراً بعد الحرب بعدم إنشاء مراكز علنية إلا لضرورات عملية كأماكن المراجعات والاستقبالات. التعليمات الجديدة بعد الحرب اختلفت، فالمربع الامني انتهى أمره كلياً، ولن يقوم مجدداً. ويقول مسؤولو الحزب ان «السيد» امر بعدم اقفال اي طريق في الضاحية، اما ساحة المربع الامني فستتحول الى «حديقة عامة».

مرت سنة والكثيرون من السكان لم يقبضوا التعويض الذي قررته الحكومة لهم لأكثر من سبب يتعلق بروتين اجهزة الدولة او بوضع المخالفات في البناء وعدم وجود أوراق ثبوتية. ورفضت الحكومة تولي «حزب الله» قبض التعويضات نيابة عن السكان بموجب وكالات قانونية، لكن الحزب مضى في مشروع اعادة الإعمار عبر شركة «وعد» التي تعد بإعادة اعمار الضاحية «اجمل مما كانت» في لوحات اعلانية انتشرت في احيائها ايذاناً بانطلاق عمل الشركة بعدما وقع الكثير من السكان تعهداً بتسليم الشركة قيمة التعويض المقرر بعد ان تعهد الحزب بدفع الفارق في كلفة البناء.

لن تعيد «وعد» إعمار كل الضاحية، فقد قرر اصحاب 67 مبنى اعادة بنائها بأنفسهم، فيما ستتولى «وعد» اعادة اعمار 189 مبنى جرى تلزيم 62 منها حتى اليوم. ويقدر الجشي ان كلفة اعادة الاعمار تبلغ نحو 600 مليون دولار مقسمة كالآتي: 300 مليون لاعادة الاعمار و100 مليون دولار لشراء اراض للحدائق العامة وطوابق سفلية لتحويلها الى مواقف للسيارات، و200 مليون دولار للبنية التحتية التي ستنفذها الاجهزة الرسمية اللبنانية عبر مجلس الإنماء والإعمار.

وتأتي مصادر التمويل عموماً من جهات عدة. اولاً، الدولة اللبنانية التي توزع التعويضات على السكان من صندوق انشأته بواسطة التبرعات العربية. اما المصدر الثاني فهو تبرعات قدمتها مجموعة دول وشخصيات عربية واسلامية تفضل ان تبقى اسماؤها مجهولة بسبب محاذير التعامل مع شركة «ارهابية» وفقاً للتصنيف الاميركي. اما اذا لم تكف هذه الاموال فسيقوم «حزب الله» ـ بتغطية الفارق.