مصر: آلاف الأطفال العراقيين اللاجئين محرومون من التعليم المجاني

300 منهم فقط تنطبق عليهم شروط القبول في المدارس الحكومية

TT

«لم أعد أعرف مصير ولديَّ اللذَين فاتتهما فرصة الالتحاق بالمدرسة العام الماضي.. وتكرَّرَ معهما ذات الموقف هذا العام». هكذا تحدث إياد طارق، أحد اللاجئين العراقيين في مصر عن مشكلة طفليه، «أحمد»، ذو السنوات الست، والذي كان يفترض التحاقه بالصف الأول الابتدائي هذا العام، و«محمد»، الذي كان من المفترض إلحاقه بالصف الأول الإعدادي، إلا أن عدم انتظامه في الدراسة بعد الغزو الأميركي للعراق عام2003، وحضوره مع أسرته إلى مصر، حال بينه وبين الانتظام في التعليم، خاصة بعد رفض إدارة الوافدين، بوزارة التربية والتعليم المصرية، طلب الأب إلحاق ابنيه بالدراسة في المدارس الحكومية المجانية.

ويعاني آلاف الأطفال العراقيين اللاجئين بمصر من الحرمان من التعليم المجاني الذي توفره المدارس التابعة للحكومة، ولم يتمكن إلا نحو 300 من أولئك الأطفال من الالتحاق بالتعليم الحكومي المصري لانطباق الشروط عليهم، وقال مسؤولون بإدارة الوافدين بوزارة التربية والتعليم المصرية إن تنظيم تعليم الأطفال العراقيين بالمدارس الحكومية المصرية يتم بالاتفاق بين وزارة الخارجية المصرية ومفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وأن من لا يتمكن من العراقيين من استيفاء الشروط يمكنه إلحاق أبنائه بالمدارس الخاصة.

ولا يملك طارق القدرة على إلحاق نجليه بالدراسة في المدارس الخاصة ذات التكاليف الباهظة.. ومأساته تُعبِّرُ، بأبعادها مع اختلاف التفاصيل، عن مشكلة آلاف اللاجئين العراقيين في مصر، والذين لا يوجد إحصاء دقيق بعددهم.. ففي الوقت الذي تقدر فيه المصادر الرسمية عددهم بنحو 100 ألف، تقدرهم مصادر غير رسمية بما يقرب من ربع مليون عراقي ينتشرون في القاهرة وبعض المدن القريبة منها. ووفد عدد متزايد من العراقيين في الأعوام الثلاثة الأخيرة إلى مصر، هرباً من تردي الحالة الأمنية في بلادهم.. وجاء غالبيتهم لمصر بتأشيرات سياحية واستمروا في الإقامة بها بشكل غير قانوني بعد انتهاء مدة التأشيرة ذات الثلاثة أشهر. وقبل فترة أعلنت كل من المفوضية العليا للاجئين ومنظمة اليونيسيف، التابعتين للأمم المتحدة، عن البدء في جمع 129 مليون دولار لتعليم نحو 155 ألف طفل من أبناء العراقيين اللاجئين في مصر وسورية والأردن، مؤكدتين أن جيلا كاملا من العراقيين يواجه مشكلة الأمية.

مصدر دبلوماسي رفيع المستوى بوزارة الخارجية المصرية أكد لـ«الشرق الأوسط» وجود مفاوضات رسمية مع المفوضية العليا للاجئين للتوصل لحلول مناسبة لتلك المشكلة. وأضاف: من المعروف وجود خلاف قديم في وجهتي النظر بين مصر والأمم المتحدة فيما يتعلق بالمادة 22 من اتفاقية اللاجئين، الموقعة منذ الخمسينات من القرن الماضي، والتي تتعلق بإلحاق أبناء اللاجئين بالتعليم الرسمي المصري.. و«لكن بالطبع الوضع يحمل بعض الاختلاف بالنسبة للإخوة العراقيين؛ فهناك 4000 طفل عراقي يدرسون في المدارس الخاصة، إلي جانب 300 طفل في المدارس الحكومية ممن تنطبق عليهم شروط الالتحاق، سواء من ناحية الإقامة القانونية، أو لأنهم أبناء عراقيات متزوجات من مصريين». وتابع الدبلوماسي المصري قائلا إن مصر رفضت قبول أي معونة دولية لاستخدامها في توفير أماكن للأطفال العراقيين النازحين مع أسرهم من العراق، وذلك لأسباب عديدة، في مقدمتها «الواجب القومي» الذي تفرضه ظروف لجوء العراقيين؛ فمصر تتحمل مسؤوليتها الكاملة عن وجود الأشقاء العراقيين على أراضيها، و«نتمنى أن ننجح في الفترة المقبلة في حل تلك الأزمة التي تؤرق ضمير المسؤولين».

ولا يتعدى عدد اللاجئين العراقيين الذين حصلوا على البطاقة الزرقاء، والتي تمنحهم فرصة الإقامة الكاملة في مصر، 8000 لاجئ عراقي. ويعود سبب قلة العدد الذي حصل على حق اللجوء النهائي، إلى رفض أغلب العراقيين المقيمين في مصر التعامل مع مفوضية اللاجئين، التي تحيلهم بدورها إلى منظمات أخرى، مثل منظمة «كريتاس» لتقديم معونات مالية لا تصمد أكثر من شهرين، قبل أن تحيلهم الأخيرة للجمعيات الأهلية ومؤسسات خيرية، لتلقي خدمات تتراوح ما بين العلاج المخفض والخدمات الاجتماعية البسيطة.

منذر، 35 سنة، أحد اللاجئين العراقيين الباحثين عن وسيلة لإلحاق طفلته شذى، 9 سنوات، بالصف الثالث الابتدائي، قال لـ«الشرق الأوسط» إنه ذهب إلى مفوضية اللاجئين عند قدومه لمصر ظناً منه أنها ستعمل على توفير المتطلبات الأساسية له ولأسرته، بما في ذلك إلحاق ابنته بالمدرسة.. «إلا إن هذا لم يحدث»، على حد قوله، وأضاف: «حين لجأنا للمفوضية أخذتْ منا جوازات السفر الخاصة بنا وأنهت صلاحيتها، فصرنا لا نستطيع الخروج من مصر، حتى لو حانت لنا فرصة أفضل في أحد البلاد الأوروبية من خلال بعض الأقارب هناك.. «لهذا بت أنصحُ أي عراقي يأتي لمصر بعدم اللجوء إلى المفوضية».

إدارة الوافدين بوزارة التربية والتعليم المصرية هي الأخرى لديها المبررات التي تسوقها لرفض طلبات إلحاق أطفال اللاجئين العراقيين بالمدارس الرسمية، حيث أكد مسؤولون بالإدارة أن «تلك الأمور تتم بالاتفاق بين وزارة الخارجية المصرية ومفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة»، مشيرين إلى أن ما يتم قبوله من طلبات لا بد أن تنطبق عليه الشروط التي ينص عليها القانون بلا أي استثناء.