شناشيل البصرة تفقد إطلالتها التراثية

بسبب صراع أحزاب السلطة .. وإهمال المعالم الثقافية والحضارية

شناشيل البصرة تأثرت بالاهمال وصراع الاحزاب السياسية («الشرق الاوسط»)
TT

كانت بيوت البصرة التراثية بشناشيلها المعروفة التي نسجها المعماريون وفق طرز فريدة من الجمال والروعة  يزداد تألقها كلما تقادم الزمن عليها لما تحظى من رعاية واهتمام، وقد حافظت هذه البيوت التي شيدت واجهاتها على شكل لوحات تشكيلية زاخرة بفنون الزخرفة والخط والأشكال الهندسية المتداخلة على جماليتها رغم تجاعيد الزمن حيث تطلى بين حين وآخر بزيت الأخشاب المخلوط بماء الورد الذي يمنحها بريقاً وعطراً يستنشقه المارة على مسافة بعيدة منها». لم تكن هذه الدور التراثية اسعد حظا من المعالم الحضارية والثقافية في المدينة حيث تقاذفت المسؤولية عنها بين وزارات الثقافة مرة وهيئة السياحة ووزارة الإعلام وهيئة الآثار والتراث والإدارة المحلية مرات عدة في زمن النظام السابق حتى تخلصت الإدارة  من مسؤوليتها بتوزيع 41 دارا منها لسكن موظفي المحافظة، ودب التآكل فيها وانهيار أجزاء منها حين دخلت بعضها في أسواق البيع والشراء وسوق بعضهم أخشابها إلى أسواق الخردة منذ أكثر من أربع سنوات لغياب الصيانة لها وانشغال أحزاب السلطة عن المعالم الجميلة في المدينة.

ولا تكمن أهمية الشناشيل بمناظرها الأخاذة فحسب بل لما تحمل من أريج الماضي المفعم بمحبة الناس ودفء وشائج أهل المحلة وألفة الشوارع والأزقة حتى سميت البصرة وقتذاك بمدينة الشناشيل وخلدها شاعرها السياب بديوانه «شناشيل ابنة الجلبي». لم يلجأ المعماريون والبناءون قبل أكثر من ثلاثة قرون الى هذا الطراز من بناء البيوت الذي يدخل الخشب في معظم تصاميمها لاسباب تتعلق برخو الأرض وعدم قدرتها على تحمل الطوابق العليا وقتذاك فحسب بل لتداعيات مناخية وجمالية ساهم توفر الخشب الذي يصل إلى البصرة عن طريق البحر وبما يمنحه من حرية الحركة وسهولة التحكم ومرونة التشكيل إلى اعتماده وبما يرضي الذوق العام ويجعل من ابرز أنواع هذه التصاميم للشناشيل ما كان يطلق عليه «المقبط وأبو الستارة والمخطط وأبو البالكونات». وتلف هذه البيوت من رواق ممتد من داخل الباب الرئيسي الى باحة الحوش الذي تتوسطه نافورة محاطة بعدد من الشجيرات او السناديل وتطل عليها أبواب الغرف وشبابيك غرفة الضيوف التي يكون بابها قريب من الباب الرئيسي ولا تخلو هذه البيوت من غرف أسفل الدار تسمى السرداب الذي يصل اليها من واحة البيت سلماً خاصا وتستخدم عادة للنوم عند اشتداد الحر وسلم آخر للصعود الى الطابق العلوي الذي يطل على الباحة وتحيط به اسيجه خشبية مزخرفة ترتكز شرفاتها على أعمدة خشبية طويلة فيما لا يخلو أي بيت من مخزن للمؤن ومطبخ الذي يحدد مكانه في نهاية الدار وتلتصق به غرفة للخدمة إضافة للحمامات ومكان لصنبور الماء. وقد راعى المعماريون الحالة المناخية للبصرة التي تكون معظم أيامها مشمسة إضافة الى ارتفاع الرطوبة في الرياح القادمة من الجنوب الشرقي فجعلوا الجدران مبنية من مادة الآجر تطل منها الشبابيك من جهة الشمال كما استخدموا الطابوق في تقبية الإشكال الدائرية عند المداخل فيما تبلط أرضية البيوت بنوع خاص من الطابوق المربع يسمى «الفرشي» حيث يحتفظ بالبرودة مدة طويلة بعد رشه بالماء واستخدموا الجص لزخرفة الجدران والسقوف بإشكال جمالية متداخلة تكون أكثر جمالا في الشرفات.