نيودلهي: أرخص سيارة في العالم بـ2500 دولار العام المقبل

ثورة في قطاع صناعة السيارات.. وكابوس لحماة البيئة وتخطيط المدن

السيارة إمباسادور من أقدم السيارات الهندية («الشرق الأوسط»)
TT

درج الهندي سودهيير ماهانان على اصطحاب ابنه هاريكريشنا، 11 سنة، وابنته هاريشاندانا، 5 سنوات، يوميا عند نهاية اليوم الدراسي على دراجته الآلية فوق مساحة ضيقة لا تسع ثلاثة اشخاص. وفي الطريق الى المنزل يمرون بشوارع تعج بالحركة، الابن في الخلف وشقيقته في المنتصف والوالد يقود الدراجة الآلية. ويشعر هاريكريشنا وشقيقته هاريشاندنا بالفزع عندما تتجاوزهم شاحنة أو تقف حافلة على بعد بوصات أمامهم. يقول ماهانان انه لا يستطيع حتى الآن ان يمتلك سيارة، على الرغم من انه يتمنى ان يمتكلها سيارة، مؤكدا انها حلم أي اسرة هنا.

باتت السيارة جزءا اساسيا من حلم أي اسرة هندية تنتمي الى الطبقة الوسطى في المدن المزدهرة اقتصاديا في الهند. فالسيارة اصبحت رمزا للوضع الاجتماعي ووسيلة تساعد الأسرة على الوصول في حالة جيدة بدون ان تكون هناك بقعة ما في الملابس بسبب التلوث او الوصول بملابس مبتلة بمياه الأمطار، بل وحتى الوحل في بعض الأحيان.

هذا الحلم ربما يصبح في القريب العاجل واقعا للكثير من الأسر مثل اسرة ماهانان. إذ من المقرر ان تبدأ شركة صناعة سيارات هندية في إنتاج أرخص سيارة في العالم ابتداء من العام المقبل في خطوة تعتبر في نظر قطاع صناعة السيارات ثورة حقيقية، فيما تعتبر كابوسا في نظر المهتمين بحماية البيئة وتخطيط المدن واضعين في الاعتبار المشاكل التي تعاني منها الهند اصلا في حركة السير وازدحام الطرق ومشاكل المساحات المخصصة لتوقيف السيارات. لم تعلن شركة «تاتا» عن تفاصيل تذكر حول السيارة المرتقب انتاجها العام المقبل بخلاف ان سعرها سيكون تقريبا حوالي 2500 دولار، أي حوالي 100 ألف روبية. وستكلف هذه السيارة نصف سعر أرخص السيارات في الهند حاليا. يقول أسعد باثان، الذي يدير أكبر وكالة لشركة «تاتا» في ثيروفانانثابورام، عاصمة كيرالا، ان امتلاك السيارة في الهند سيكون مثل امتلاك جهاز التلفزيون أو المكيف. وأضاف قائلا انها ليست حلما وإنما ضرورة، لكنه تساءل ما اذا كانت الشوارع الهندية مستعدة لذلك. ارخص سيارة في العالم ستظهر في وقت بات يتمتع فيه كثير من سكان الهند بوضع اقتصادي ومعيشي جيد. وفيما لا يزال ثلثا سكان الهند يتقاضون ما يعادل دولار اميركي في اليوم، تمكن ملايين من الخروج من دائرة الفقر الى الطبقة الوسطى. فالاقتصاد الهندي ظل ينمو بمعدل يتراوح بين 8 و9 في المائة في العام، فيما تشير تقديرات البنك الدولي الى أن الطبقة الوسطى الهندية ستزداد من 50 مليون شخص اليوم الى ما يزيد على 500 مليون بنهاية العام 2025.

وقال راداكريشنان نير الرئيس التنفيذي لتكنوبارك، وهو عمارة مكاتب تضم 120 شركة خدمات في ثيروفانانثابورام، حيث يزدحم موقف السيارات بعربيات غير غالية الثمن ومتوسطة السعر «بسبب التقدم الهندي ستصبح ستصبح السيارة الرخيصة ثورة». وقال نير انه قد شهد العديد من خريجي الجامعات الذين يعملون في وظائف ذات اجور جيدة يستفيدون من القروض ذات الفائدة المنخفضة لشراء سيارت كيف ستؤثر هذه السيارات الاضافية على الطرق هنا سؤال ليس له اجابة. فازدحام الطرق في الهند ليس له مثيل. ففي مومباي، العاصمة المالية للهند، يستغرق طريق لا يزيد طوله على اربعين ميلا ثلاث ساعات. ويبدو الطريق مثل مكان انتظار سيارات. حيث يستغل البعض الموقف لبيع مشروبات باردة ومجلات وكتب.

ولا توجد قواعد في هذه الطرق ـ فلا أحد يقود سيارته في الحارة المخصصة لها، والجميع يستخدمون ابواق السيارات في نفس الوقت. وينصح السائقون دائما بالسماح لأي سيارة اكبر او بقرة بالمرور.

وقال معهد تعليم المرور ان في نيودلهي وحدها يصل عدد مخالفات المرور الى 146 مليون مخالفة ـ يوميا. وذكر برلمان الهند ان توسيع شبكة الطرق هو المفتاح لجذب الشركات متعددة الجنسيات، ولكي يتمكن السائقون من قيادة سياراتهم.

ويضاف الى ذلك التلوث. فكل ثمانية من الف هندي يملك سيارة ـ بالمقارنة بحوالي 770 لكل الف اميركي ـ الا ان غازات الانحباس الحراري في الهند تتزايد بسرعة. ويشير الخبراء الى انه مع تزايد عدد اصحاب السيارات في الهند التي يصل عد سكانها الى 1.1 مليار نسمة فإن الهند ستتفوق على الولايات المتحدة في معدلات التلوث.

وقال ماهيشا مهتا، وهو محام لشؤون البيئة في نيودلهي «هل يمكنك تخيل نصف 1.1 مليار نسمة يملكون سيارات. يجب ألا نتبع النموذج الغربي في ملكية السيارات. اعتقد أن ذلك سيصبح كارثة على الهند».

ومع قيام الحكومة الهندية بتوسيع الطرق بدأت الحكومة الهندية، يدعو مهتا الى وسائل نقل عامة افضل. إلا أنه قال لا احد يريد الاستماع.

ويبدو ان حملات التسويق التي تقوم بها شركات مثل تاتا وغيرها من شركات صناعة السيارات تركز على فكرة السيارة كرمز للثراء. وتظهر على اعلانات الطرق زوجات جميلات ينظرن الى ازواجهن والسيارات الجديدة، بشعارات مثل «مرحبا بالحضارة» و«اقاربك الاميركيون ليسوا الوحيديين الذين يتمتعون بحياة جيدة».

وقالت تاتا انها ستقدم عروضا لمقايضة الدراجات النارية والدرجات الآلية. بل ان مدارس تعليم القيادة توسعت استعدادا لوصول السيارة «لاخ واحد».

ويقول ساجي كومار، صاحب مدرسة براديب لتعليم قيادة السيارات، ان السيارات الرخيصة هي شيء عظيم لعمله. ولكنه قال ايضا ان الطرق سيئة للغاية. ويبدي اهتماما خاصا بهؤلاء الذين يقودون الدراجات الآلية على الأرصفة، خلال ما يصفه بـ«فترة الذروة، وهي مستمرة دائما».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)