كارثة صحية في قطاع غزة جراء إضراب العاملين في القطاع الصحي

حتى ضحايا الاعتداءات الإسرائيلية يجدون صعوبة في تلقي العلاج

TT

كان يصرخ مستغيثاً وهو يتلوى من شدة ما ألم به من ألم، أخذ يضرب برأسه بالجدار بينما يضع يده بقوة على خاصرته، وبينما كان على حاله هذه، كانت زوجته تستعطف الممرض أن يعرضه على طبيب، لكن الممرض الذي تعاطف معها ومع زوجها كثيراً، لم يكن لديه إلا أن يقترح عليها أن تقوم بنقل زوجها الى عيادة تابعة لجمعية خيرية قريبة من المكان. فالأطباء في مستشفى «شهداء الأقصى» الذي يقع في محيط مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، كما هو الحال في جميع مستشفيات القطاع، مضربون عن العمل بناء على تعليمات نقابة العاملين في القطاع الصحي، ومقرها رام الله. وتبرز دواعي الاضراب حجم المناكفة بين حكومة سلام فياض في رام الله وحكومة اسماعيل هنية المقالة في غزة، فالنقابة تقول ان الاضراب يأتي احتجاجاً على قرار حكومة هنية بتنفيذ جملة من التعيينات والتنقلات في قطاع الصحة، لكن عددا من الأطباء الذين تحدثت اليهم «الشرق الاوسط»، أكدوا أنهم ملتزمون بالإضراب خشية من ان تقطع رواتبهم من حكومة فياض. فالأطباء يأتون للعمل الساعة الثامنة ويغادرون الى منازلهم في تمام الساعة الحادية عشرة صباحاً، الأمر الذي أدى الى عدم توجه الكثير من المرضى للمستشفيات والعيادات الحكومية، والتوجه للعيادات التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين «الاونروا»، أو العيادات التابعة للجمعيات الخيرية والحركات السياسية، أو العيادات الخاصة. وعندما توجهت الى قسم الولادة في مستشفى دار الشفاء، أكبر مستشفيات القطاع، وجدت أن المستشفى تقريباً خال من النساء المراجعات فادراكهن أنهن لن يجدن اطباء دفعهن للتوجه الى مستشفيات التوليد الخاصة او التابعة لوكالة الغوث. احدى النساء في الشهر التاسع من حملها توفيت قبل اسبوع بعدما حضرت لقسم الولادة ولم تجد الرعاية الصحية الكافية بسبب الاضراب. والاخطر من نتائج هذا الاضراب هو أنه حتى الفلسطينيون الذين يقتلون ويصابون في عمليات التوغل الاسرائيلية التي تتعرض لها مناطق عديدة في قطاع غزة لا يشارك الاطباء بإسعافهم وعلاجهم. فقبل اسبوع قصف الجيش الاسرائيلي سيارتين لمقاومين شرق مخيم البريج، وسط قطاع غزة، وادى القصف الى سقوط ستة قتلى وعدد كبير من الجرحى، وصعق ذوو القتلى عندما لم يجدوا أي طبيب في انتظارهم، الأمر الذي دفع رجال الاسعاف الى نقلهم الى احدى العيادات التابعة لجمعية الصلاح الخيرية. وحتى عندما يصل المقاومون كجثث هامدة فإن جثثهم لا توضع في الثلاجات الخاصة بجثث الموتى لأن الفنيين الذين يشرفون على هذه الثلاجات مضربون، الأمر الذي يدفع عائلات القتلى الى المسارعة بدفنهم حتى لا تتلف جثثهم. الى جانب الاطباء، فقد اضرب العاملون في مجال التحليل المخبري والصيدليات والفنيين، الأمر الذي يجعل الأمور أكثر تعقيداً. ففي بعض المستشفيات، رفض بعض الاطباء الالتزام بالاضراب، لكنهم فوجئوا بأن قدرتهم على العمل بشكل مناسب تؤول الى الصفر، حيث أن العاملين في مجال الاشعة والمختبرات يلتزمون بالاضراب، الامر الذي جعل وجودهم في العمل من دون جدوى. وغياب الصيادلة في ظل انقطاع التيار الكهربائي ادى الى تلف الكثير من المواد حيث أن الطاقم الفني المسؤول عن تشغيل المولدات الكهربائية لا يقومون بتشغيلها، الأمر الذي ادى الى تلف هذه الادوية. برامج العمليات في المستشفيات تغير الى حد كبير، فالعمليات الجراحية التي كانت تجرى حتى ساعات المساء، اصبحت تجرى على اضيق نطاق بحيث يتم الانتهاء منها في تمام الساعة الحادية عشرة صباحا. واصدرت حكومة هنية في سعيها لمواجهة هذا الواقع البائس، امراً بإغلاق العيادات الخاصة للاطباء المضربين.