تركيا: غل يقر تشكيلة الحكومة الجديدة وقادة الجيش يستقبلونه بفتور

أردوغان يوجه رسالة طمأنة للجيش ويؤكد وحدة البلاد

الرئيس التركي الجديد عبد الله غل، أثناء حضوره حفلا لتخرج طلاب كلية طبية عسكرية في أنقرة أمس (أ.ف.ب)
TT

اقر الرئيس التركي الجديد عبد الله غل، في اول مهمة له امس، تشكيلة الحكومة الاصلاحية التي شكلها رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان.

وبعد مقابلة غل بعد يوم من انتخابه رئيسا لتركيا في القصر الرئاسي، رشح أردوغان علي باباجان خليفة لغل في منصب وزير الخارجية. وسيحتفظ باباجان ايضا بدوره رئيسا للوفد التركي المفاوض في محادثات الانضمام للاتحاد الاوروبي.

وقال اردوغان ان كمال أوناكيتان سيحتفظ بمنصبه وزيرا للمالية. وفي حين دعت الصحف التركية امس غل اول رئيس لتركيا ذي ماض في تيار الاسلام السياسي الى الوفاء بوعوده والتمسك بالحياد واحترام العلمانية، لقي الرئيس الجديد استقبالا فاترا جدا من قادة الجيش في اول لقاء له معهم منذ انتخابه خلال احتفال في انقرة أمس. وشارك غل، الذي يشك العلمانيون في انه قد يسعى الى أسلمة المجتمع التركي، في احتفال لتسليم شهادات في مستشفى غاتا العسكري، كان يوجد فيه رئيس اركان الجيش يسار بويوكانيت وضباط آخرون. وسلم ضباط الجيش على الرئيس الجديد، الا ان بويوكانيت وبعض الضباط الكبار لم يسلموا على غل، كما يقضي التقليد، لدى صعودهم الى المنبر لتسليم الطلاب شهاداتهم. كما حضر غل الاحتفال من دون زوجته خير النساء، التي ينظر العلمانيون الى الحجاب الذي تضعه على انه رمز لرفض العلمانية.

وانتخب البرلمان عبد الله غل (56 عاما) اول من امس رئيسا. وتسلم مهامه بعد ان اقسم يمين الولاء للنظام العلماني والالتزام بان يكون رئيسا حياديا.

ويعتبر قادة الجيش انفسهم حراس العلمانية. وقد عبروا مجددا عن رفضهم غل بمقاطعتهم، مع بعض رموز المعارضة، مراسم اداء اليمين. وكانت المعارضة قد عطلت في الربيع الفائت انتخاب غل عبر مقاطعة عملية الاقتراع ومنع التئام النصاب في البرلمان، وذلك على وقع مظاهرات ضخمة ضد الاسلمة وتهديد الجيش بانه سيتدخل في حال اعادة النظر في العلمنة. وكان رئيس اركان الجيش التركي يسار بويوكانيت قد حذر الاثنين من «بؤر الشر التي تحاول بشكل ممنهج تقويض البنية العلمانية للبلاد»، مؤكدا ان «القوات المسلحة لن تقوم بأي تنازلات». لكن الانتخابات التشريعية المبكرة التي اجريت في 22 يوليو (تموز) للخروج من المأزق انتهت بفوز كبير لحزب العدالة والتنمية المنبثق من تيار اسلامي، والذي ينتمي اليه غل ورئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان. وقال اردوغان أمس، في رسالة موجهة الى الجيش بعد انتخاب غل، ان تركيا تحتاج «اكثر من اي يوم مضى» الى الوحدة.

وقال اردوغان في بيان، «اود ان اشدد على واقع اننا نحتاج اكثر من اي وقت مضى الى وضع خلافاتنا جانبا وتوحيد صفوفنا حول قيم امتنا ومبادئ الجمهورية واهدافنا المشتركة». واضاف اردوغان في وثيقة نشرت قبل احتفالات «يوم النصر» في 30 اغسطس (آب) الذي يعتبر مناسبة لتكريم الجيش «مستندا الى هذا الشعور، اهنئ ابطالنا في القوات المسلحة التركية وكل الامة». و«يوم النصر» هو ذكرى انتصار الجيش التركي على القوات اليونانية في 30 اغسطس ما فتح الباب امام انشاء دولة تركيا الحديثة. ودعت الصحف التركية من جهتها الاربعاء الرئيس التركي الجديد الى الوفاء بوعوده والتمسك بالحياد واحترام العلمانية.

وعنونت صحيفة «راديكال» الليبرالية على صفحتها الاولى «لا تنس ذاك القسم»، في اشارة الى اليمين الذي أداه الرئيس الجديد طبقا للدستور بعيد انتخابه في البرلمان. ودعت صحيفة «وطن» اردوغان وغل الى اغتنام الفرصة لاعادة اللحمة الى المجتمع التركي.

وكتبت، «اذا ادرك الرئيس ورئيس الحكومة بشكل كامل مهمتهما التاريخية ومدا اليد الى الامة باسرها، فان تركيا لن تخرج رابحة فحسب، بل انهما سيبلغان المجد». الا ان الصحيفة اشارت الى الصعوبة التي سيواجهها الرجلان لاقناع المدافعين عن العلمانية الذين «سيراقبون عن كثب من الآن ـ وبعضهم بريبة ـ كل خطوة يخطوانها وكل قانون وكل تعيين». وخارج تركيا رأت الصحف الاوروبية أمس في انتخاب غل صاحب الخلفية الاسلامية رئيسا للدولة، مرحلة جديدة مؤاتية للديمقراطية في تركيا ولعلاقاتها مع الاتحاد الاوروبي، الا انها انقسمت حول مستقبل العلمنة في البلاد.

وتساءلت الصحف حول معنى هذا الانتخاب بالنسبة الى اوروبا، واعتبر بعضها انه قد يشكل فرصة لتغيير في العلاقات بين الاتحاد الاوروبي وتركيا المرشحة للانضمام الى الاتحاد. وكتبت صحيفة «ال باييس» الاسبانية ان «اختبار ممارسة السلطات كاملة من جانب بعض الاسلاميين المعتدلين الذين يقولون انهم يوافقون على القوانين الدستورية العلمانية، ليس امرا مصيريا بالنسبة الى تركيا فقط ، انما ايضا بالنسبة الى مجمل العالم الاسلامي والى اوروبا».

وكتبت صحيفة «الاندبندنت» البريطانية من جهتها، «ستتاح لغل، بصفته رئيسا، فرصة التعايش مع الديمقراطية والدولة الحديثة. سيكون ذلك مقدمة لانضمام تركيا المحتمل الى اوروبا».

وفي المانيا حيث توجد الجالية التركية الاكبر في اوروبا، اجمعت الصحف على وجوب ان تغير اوروبا موقفها. وقالت صحيفة «فرانكفورتر راندشاو» ان على اوروبا ان ترسل «اشارات تقارب وانفتاح، لا اشارات رفض». بينما شددت «برلينر تسايتونغ» على ان «الظروف مناسبة لموقف أقل تصلبا ازاء الاتراك». ورأت «سودويتشي تسايتونغ»، ان الاتحاد الاوروبي «يجب ان يوقف مسألة التراجع عن الوعود التي التزم بها». أما في ايطاليا فالمنحى مغاير، فقد اعتبرت «لا ريبوبليكا» في مقال بعنوان «اوروبا تبتعد» ان «تركيا في طور التحول الى دولة اطلسية اقل وشرقية اكثر».

وخصصت غالبية الصحف مقالاتها للقول ان انتخاب وزير الخارجية السابق غل يفتح صفحة ديمقراطية جديدة في تركيا.

وكتبت صحيفة «بريفليت» البرتغالية ان الانتخابات الرئاسية التركية «تشكل منعطفا في طبيعة النظام التركي الذي بدأ عملية تحول نحو تطبيع الديمقراطية».

بينما اعتبرت صحيفة «دي اي» الهولندية ان نوايا غل الحسنة «لا تقنع الجميع»، ورأت «التلغراف» البريطانية ان غل «هو بالتحديد القيادي الاسلامي المنتخب ديمقراطيا الذي يجب ان يشجعه الغرب».

من جانب آخر تلقى غل التهاني بانتخابه، من الرئيس العراقي جلال طالباني ومن الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد ومن الجامعة العربية، كما رحبت حركة حماس الفلسطينية بانتخابه. ووصفه عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية بأنه «سياسي قدير»، وأعرب عن أمله فى أن تواصل تركيا دورها الفعال فى منطقة الشرق الأوسط والمساهمة فى التوصل لسلام عادل في المنطقة.