الشارع اللبناني يغلي بإشاعات «التصفيات النهائية» للأزمة.. وأكثرها رواجاً يتحدث عن خطة لاحتلال السراي الحكومي

TT

يصف اللبنانيون الاستحقاق الرئاسي بأنه دخل مرحلة «التصفيات النهائية» للأزمة السياسية المستمرة منذ التمديد للرئيس اميل لحود وما تلاه من اغتيالات وتفجيرات وحروب واعتصامات. وفي حين يعتقد البعض ان محاولات التسوية والتوافق وصلت الى أفق مسدود مع اقتراب دخول البلاد حالة «طوارئ رئاسية» تهدد بفراغ على مستوى السلطة الاولى، تدل عليه التصريحات النارية للسياسيين الى أي موقع انتموا، يرى البعض الآخر ان ما يجري ليس أكثر من رفع السقف للحصول على أفضل الشروط في ظل المعطيات المطروحة على طاولة المفاوضات في السر والعلن. ويردّ هذا البعض تفاؤله الى ان الرئيس العتيد للجمهورية لن يتم التوافق عليه انطلاقا من مؤهلاته وبرنامجه السياسي، وانما انطلاقا من تسوية شاملة يشارك فيها جميع الاطراف فيتنازل كل منهم عن «شروطه التعجيزية» مقابل ضمانات لا بد آتية في ظل الاهتمام الاقليمي والدولي الذي لم يعرفه لبنان من قبل.

ولعل الأداء الذي يتميز به رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة يصب في هذا المنحى، فهو عدا اللقاءات الرسمية، يكرس معظم وقته لحل الازمات المعيشية المتكاثرة على الساحة اللبنانية، ويعتبرها أهم بكثير من السجالات السياسية. وهو لا يتوقف عند الغايات التي تحرك هذه الازمات او تفاقمها، لينكب على البحث عن اسرع الحلول الممكنة مع الوزارات والادارات المختصة على رغم الانتقادات «السياسية» المبرمجة والموجهة اليه عند كل أزمة.

اما رئيس الجمهورية اميل لحود فهو يعرض السيناريو تلو الآخر، كما ينقل عنه العدد المحدود من الزوار، فما ان يبدأ التلويح بتشكيل حكومة ثانية اذا لم يتم التوافق على رئيس جديد واذا لم يتم الانتخاب بنصاب الثلثين، ليعود الى التلميح بحكومة عسكرية او حكومة انتقالية برئاسته. ولا يغفل بين هذا السيناريو او ذاك اصدارات البيانات للرد على كل من يتناوله بالنقد. وحده رئيس مجلس النواب نبيه بري يحافظ على تفاؤله وديناميته ويستقطب انظار المعارضة والموالاة وفضولهم لمعرفة خفايا مبادرته التي تنتظر مباركة البطريرك الماروني نصر الله صفير. ويؤكد ان الاستحقاق الرئاسي سيتم وسيحظى لبنان برئيس جديد للجمهورية وفق انتخابات رئاسية دستورية وبنصاب الثلثين وفي الموعد المحدد. البطريرك صفير من جهته بدأ يكشف عن «خطة العمل» المفروض انتهاجها للوصول الى الحل، وذلك باعلانه أن «مقاربة مسألة الاستحقاق الرئاسي، تستوجب التفكير برئيس للجمهورية من خارج فريقي الموالاة والمعارضة، وعلى مسافة واحدة منهما، وقادر على التعالي عن الصغائر والمماحكات وأن يتمتع بحرية تحرك واستقلالية، وألا يكون مديناً بوصوله إلى القوى الخارجية المعنية بلبنان سواء كانت هذه سورية أو الولايات المتحدة أو إيران أو فرنسا أو غيرها».

لكن ما يحصل لدى الاقطاب لا ينعكس على الشارع الللبناني الذي يغلي بإشاعات مبنية على تحليل الناس لتصريحات السياسيين. والبوصلة المعتمدة في هذا الاطار هي ما يدلي به رئيس كتلة «الاصلاح والتغيير» العماد ميشال عون ونواب «حزب الله» ومسؤولوه. ولعل اكثر الإشاعات رواجا تلك التي تتحدث عن خطة تقضي باحتلال السرايا الحكومي والوزارات الواقعة في مناطق نفوذ المعارضة واعلان السيطرة على مرافق الدولة ومؤسساتها، وذلك اذا اتجهت الموالاة نحو انتخاب رئيس بأكثرية النصف زائد واحد وليس بأكثرية ثلثي المجلس النيابي. ويتم اسناد هذه الإشاعة الى ان خيم الاعتصام وسط بيروت مجهزة بكل ما يلزم من اسلحة واجهزة تنصت وعناصر لانجاز هذه الخطوة، ومن ثم استكمال السيطرة على البلاد بعد رفض الموالاة حكومة الوحدة الوطنية واصرار الحكومة الحالية على البقاء بدعم من الولايات المتحدة. ويذهب البعض الى تحديد ساعة الصفر لتنفيذ هذه الخطة في 15 سبتمبر (ايلول) المقبل، وذلك للحؤول دون وصول نواب الاكثرية الى البرلمان.

إشاعة ثانية تتحدث عن انقلاب عسكري بمباركة سورية، مع الاشارة الى ان ملامحه بدأت تظهر مع تصريح قائد الجيش العماد ميشال سليمان أن لا علاقة للنظام السوري بتنظيم «فتح الاسلام»، وما تلاه من معلومات غير مؤكدة عن وصول شاحنات ذخيرة من سورية الى الجيش في مخيم نهر البارد، وذلك للتعجيل بإنهاء العملية العسكرية في اسرع وقت ممكن ليتفرغ الجيش بعد ذلك لتولي شؤون البلاد.

وتذهب الإشاعات الى ابعد من ذلك، فيبدأ تداول أخبار عن مواجهات امنية بين حزب «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر»، الذي سيستعين بعناصر «الحزب السوري القومي الاجتماعي» و«تيار المردة» الذي يرأسه النائب السابق سليمان فرنجية. وعلى ضوء هذه المواجهات، سيتم فرز القوى السياسية المسيحية، كما هي الحال لدى الشيعة والسنة والدروز.

ويدعم مطلقو الإشاعات «سيناريوهاتهم» بتفاصيل عن مسارعة الادارات والوزارات الى توثيق المستندات ونقلها الى أماكن تعد امينة، اضافة الى اخبار عن لجوء الحكومة الى التوقف عن دفع رواتب الموظفين اذا حصل عصيان ولجأت المعارضة الى احتلال المرافق العامة.

بدورهم، المنجمون دخلوا على الخط وبقوة أكبر مما عهده اللبنانيون خلال الازمات السابقة. ومنذ اسبوع لا بد ان يطل أحد هؤلاء عبر وسائل الاعلام ليرسم ملامح المرحلة المقبلة. ولا بد ان يحرص على إظهار براعته من خلال هامش يؤكد في متنه ان ما توقعه صار واقعا. ولأن السياسيين لا يروون غليل الناس الى المعرفة، بات المنجمون المرجع الأهم. فلا تكاد تخلو دائرة رسمية من صفحة مجلة تحمل توقعات هذا المنجم او ذاك، ليصار الى تداول ما يرد فيها من إشارات يمكن تأويلها على أكثر من وجه. فيصبح المرجع السياسي المرشح للاغتيال هذا النائب او ذاك. وتترجم الدولة الاقليمية التي ستشن حربا على لبنان هذه الجارة او تلك وفقا لميول القارئ والمحاور.