أمين عام النهضة والفضيلة: حزبنا يساند برنامجاً مجتمعياً وليس حزباً بعينه

محمد خليدي يعتبر العربية عامل تماسك الشعب المغربي

محمد خليدي («الشرق الاوسط» )
TT

قال محمد خليدي، أمين عام حزب النهضة والفضيلة، المغربي الاسلامي (حديث النشأة) إن حزبه لن يساند حزب العدالة والتنمية الاصولي المعارض إذا شارك في الحكومة المقبلة، إلا على أساس توافق حول برنامج مشترك، مشيراً الى أن حزبه رشح بعض قياديي العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية، رفض ترشيحهم من قبل قيادة العدالة والتنمية.

وأكد خليدي في حديث خص به «الشرق الاوسط» أنه لن يضيره في شيء إن فاز أولئك القياديون باسم حزبه، وقرروا العودة مجددا الى حزبهم الأم، بعد افتتاح مجلس النواب المقبل، معتبرا أن التيار الاسلامي هو أولا بكوادره، سواء في حزبه أو في العدالة والتنمية، بدل ان يلهفهم تيار معاد للاسلاميين على حد قوله. وعزا خليدي انسحابه من حزب العدالة والتنمية، الى هيمنة حركة التوحيد والاصلاح الدعوية، على الاجهزة المسيرة للحزب، نافيا أن يكون عبد العالي فضلي عضوا قياديا في حزبه، خاصة وقد نسب له تصريح أثار ضجة، حين دعا الاحزاب السياسية الى إعلان إسلامها وشريعتها.

وقلل خليدي من آثار ترشيح خطيب المسجد السابق عبد الباري الزمزمي، واعتبرها مساهمة عادية لعالم من العلماء في الحقل السياسي المغربي، مشيرا الى أن هذا الاخير، نفى بدوره ان يكون قد شكك في وطنية الزعيم اليساري الراحل المهدي بن بركة. واعتبر خليدي، ترشيح حزبه لحمزة وحسنة شقيقي، حسن الكتاني، المُدان على خلفية الارهاب، والمتهم بأنه من شيوخ السلفية الجهادية، مسألة عادية، وطبيعية، مبرزا أن أسرة الكتاني تدين الارهاب، ولن يؤثر ذلك على سمعة حزبه. وفيما يلي نص الحديث الذي أجرته «الشرق الاوسط» في الرباط:

* ماذا يميزكم كحزب اسلامي حديث النشأة عن حزب العدالة والتنمية من حيث البرنامج؟

ـ إن برنامج حزبنا واقعي، يستمد مرجعيته من الإسلام، ويتمركز حول الإنسان، كقيمة أساسية لتحقيق تنمية مستدامة. فالعديد من الاحزاب السياسية تتجه نحو الحديث عن الاقلاع الاقتصادي، والتقدم الذي يمكن ان تحرزه بعض القطاعات الانتاجية الواعدة، لكن بالمقابل يتم تجاهل الإنسان، الذي يدبر أي مشروع مجتمعي متكامل العناصر. وسأعطي مثالا بسيطا: هل يمكن أن نحقق التنمية، والبحث العلمي جامد في المغرب؟ وهل يمكن أن نحقق التقدم في ظل تعليم ضعيف من حيث الجودة، وارتفاع معدل الأمية والهدر المدرسي؟ إن ما يوجد في الساحة السياسية من برامج، تتطرق سطحيا لمسألة التكوين والتكوين المستمر.

* لكن ما هي اقتراحاتكم العملية للخروج من نفق الأزمة الاجتماعية؟

ـ إن أولى الاولويات هي تطبيق خطة عملية لانقاذ الأرياف، حتى لا تتكرر الهجرة نحو المدن بشكل عشوائي، وذلك عبر وضع تجهيزات أساسية، إذ الملاحظ أن البوادي تفتقر الى شركات خاصة بالصناعة الفلاحية، على غرار ما هو معمول به، في جارتنا إسبانيا، مما مكن من الحفاظ على وضع مستقر لسكان الأرياف.

وثاني الاولويات هو الاستثمار في البحث العلمي، برفع مخصصاته الى مستوى دول آسيا التي تدعى «النمور الصاعدة»، حيث استطاعت في ظرف وجيز الانتقال من الاقتصاد غير المهيكل الى اقتصاد منظم، يعتمد العقلانية في التدبير، وعلم المستقبليات لتحقيق نمو مسترسل، ثم رفع مستوى التعليم حتى لا يبقى مجرد حقل للتجارب، من تطبيق التعريب الى التراجع عنه الى إحداث شعب جديدة ثم في النهاية يجد الطالب نفسه عرضة للبطالة، ويرفضه سوق الشغل.

* هل أنتم مع تعريب التعليم مجدداً؟

ـ نعم، نحن مع التعريب، باعتبار اللغة العربية هي لغة رسمية للبلاد، واللغة الأم التي يجب أن يعتز بها المغاربة. وهذا لا يعني نهج سياسة الانغلاق على باقي اللغات الحية، ونأخذ مثالا على ذلك بالصين، فتعليم مواطنيها يتم باللغة الام، لضمان تماسك هوية شعب، في ظل العولمة، يضاف اليها تعلم لغات أجنبية تأتي في المرتبة الثانية، مثلما هو الحال في اليابان، واسبانيا، وفرنسا. لكن عندنا في المغرب يطبقون سياسة عمياء هدفها تخريج افواج من المتعلمين ناقصي التكوين.

* إذا شارك حزب العدالة والتنمية، الذي خرجتم من رحمه، في الحكومة المقبلة، هل ستساندونه؟

ـ إن حزب النهضة والفضيلة يساند مشروعا مجتمعيا وليس حزبا؟

* هل معنى ذلك أنكم لن تساندوا حزبا يؤكد أنه ذو مرجعية إسلامية مثلكم؟

ـ لا ليس بنفس الصيغة التي أشرتم إليها. إن المشاركة في الحكومة ليست هدفا في حد ذاته، ولكن تصبح كذلك، إذا طبق البرنامج الذي من خلاله حصل الحزب على أغلبية الاصوات في الانتخابات التشريعية. وسأعطي مثلا على ذلك بحزب كان يدعو منذ بداية الاستقلال الى ربط المشاركة في الحكومة على أساس برنامج واضح المعالم، لكنه شارك مع ذلك دون أن يحقق مبتغاه، بحيث برزت تيارات متنوعة في حكومة واحدة، فيها من الليبرالي والاشتراكي أنواع، وهذا أفقد الى حد ما الهدف من التنافس الانتخابي. والمثير للانتباه هو وجود 7 أحزاب شكلت ائتلافا حكوميا، وهذا يعد أحد العوامل المؤثرة سلبا على تدبير الشأن العام.

* لكنكم بانشقاقكم عن الأحزاب تساهمون في حدوث مثل هذا الأمر؟

ـ سأوضح أكثر هذه النقطة. عندما كنت عضوا في حزب الحركة الدستورية الشعبية، بقيادة عبد الكريم الخطيب، ساهمنا في إثراء الحياة السياسة ودعم التعدد الحزبي، ضد إرادة حزبين أرادا تطبيق نمط الحزب الوحيد بالمغرب، وجربا مرارا ذلك، ولم يفلحا. وعندما تم إدماج مكونات الحركة الاسلامية في حزبنا، غيرنا اسمه ليصبح حزب العدالة والتنمية، وطلب منا آنذاك عبد الرحمن اليوسفي، رئيس الوزراء السابق، والأمين العام السابق لحزب الاتحاد الاشتراكي، مساندة حكومته عام 1998، تاريخ تنصيب ما يسمى حكومة التناوب التوافقي، على أساس تطبيق برنامج هادف يرمي الى تخليق الحياة العامة، ويرسي دعائم النهج الديمقراطي السليم لدولة المؤسسات، لتحقيق انتقال إيجابي نحو الديمقراطية. لكننا غيرنا من نهجنا بعد مرور سنتين، لكوننا اكتشفنا أن البرنامج المتعاقد بشأنه غير مضمونه، فمن هو المسؤول إذن؟ لسنا نحن بالطبع.

* بصيغة أخرى إن حزبكم حديث النشأة، اقتات من حزب العدالة والتنمية لتطعيم لوائحه الاقليمية، كيف تنتقدون تعدد الائتلاف الحكومي، وأنتم من المساهمين في ذلك؟

ـ لم نقتت من حزب العدالة والتنمية، ولكن بعض أعضائه القياديين غضبوا من طريقة تدبير عملية تسمية اللوائح الاقليمية، وقرروا الالتحاق بنا، لأن لنا نفس المرجعية الدينية في تدبير الشأن العام. ومن التحق بنا فهم إخوان لنا، ساهمنا جميعا في تطور حزب العدالة والتنمية، لكن اتضحت لهم أشياء، لم تكن في الحسبان، وفي غير موضعها، وغيروا موقفهم للالتحاق بمشروع إسلامي جديد.

* ألا تخشون أن يؤثر ذلك على علاقتكم الطيبة مع قياديين في حزب العدالة والتنمية؟

ـ إنني أتقاسم وإياهم نفس الاحترام المتبادل، وهي علاقات طبيعية وطيبة، والاهم ألا يضيع إخوان لنا في تيارات أخرى تختلف جذريا عن التوجه الاسلامي، تيار معاد لنا جميعا، فغايتنا نبيلة وهي خدمة الوطن والدفاع عن المؤسسات الدستورية، وإمارة المؤمنين بقيادة العاهل المغربي الملك محمد السادس.

* لم توضح لي الجواب بما فيه الكفاية؟

ـ إن مشكلة العدالة والتنمية قائمة في الخلط بين حركة الاصلاح والتوحيد الدعوية، وممارسة السياسة، فانتقاداتي دائما كانت منصبَّة على ضرورة الفصل بين ما هو دعوي، وما هو سياسي، لكن اتضح فيما بعد أن حركة التوحيد والاصلاح تهيمن على الحزب بشكل كبير، لذلك قررت الخروج منه وتأسيس حزب «النهضة والفضيلة».

* ألا تخشى أن يعود الفائزون من حزبكم في الانتخابات الى حزبهم الأم «العدالة والتنمية» كما يقع في عدد كبير من الاحزاب السياسية؟

ـ وما الضير في ان يرجعوا الى العدالة والتنمية؟ وبالنسبة لي لن يشكل ذلك أدنى مشكلة إذا ما تحقق افتراضكم.

* تعتزم جمعية غير حكومية مقاضاة حزبكم، بعد تصريحات نسبت الى عبد العالي فظي، والفقيه عبد الباري الزمزمي، العضوين في حزبكم، بتأكيدهما أن الاحزاب السياسية المغربية مطالبة بإعلان اسلامها وشريعتها. ألا يعتبر هذا مسا بالمشاعر الدينية للمغاربة، وإعلانا واضحا لتكفير من لم ينتم الى حزبكم، وممارسة خطيرة؟

ـ إن فضلي صرح ما صرح به، وهو ليس عضوا قياديا في الحزب، بل هو متعاطف معه، لذلك حضر التجمع الخطابي وألقى كلمة. فهو وجه من وجوه الحركة الاسلامية، لمدة أعوام، ويحترم القانون المغربي، ويحترم الآخر المختلف معه سياسيا، ومع ذلك فهو ليس عضوا في الحزب، حتى يتم إلصاق هذه التهمة بنا، في عز الانتخابات، وحزبنا لم يصدر أي بيان رسمي يدعو فيه باقي الاحزاب الى ما نسب لفضلي، فهذا الانسان يعاني مشاكل عديدة خانقة نتيجة فقدانه عمله في إمامة المصلين بمسجد بإحدى مدن الدار البيضاء، لكونه تجرأ وانتقد التدخل الأميركي في العراق، وما نتج عنه من صراع طائفي بهذا البلد وطرده من عمله كان رد فعل على نقد مَنْ يسبب الفتنة في العالم الاسلامي.

* لكن ألا يعتبر ترشيح الفقيه الزمزمي، كوكيل لائحة حزبكم في دائرة انفا بمدينة الدار البيضاء، بداية زرع التفرقة باعتباره كان فقيها، يؤم المسلمين في مسجد الحمراء بمدينة الدار البيضاء، ولكونه شكك في وطنية الزعيم اليساري الراحل المهدي بن بركة؟ ـ إن الزمزمي لم يلق أي تصريح يطعن في صفة «عريس الشهداء» التي تطلق على المهدي بن بركة، من قبل رفاقه في اليسار. فكل ما قيل مجرد كذب وافتراء مجاني. فالزمزمي أعطى رأيه في موضوع «الشهيد» في الاسلام، عندما ألقى محاضرة بمدينة المحمدية، والذي نشر الموضوع، استنتج ما أراد استنتاجه.

وترشيح الزمزمي، جاء استجابة إلى نداء وجهته الى العلماء قصد المشاركة في الحياة السياسية، في المؤتمر الاخير للحزب، اثناء ملاءمة قوانينه الداخلية مع قانون الاحزاب، وذلك من أجل قطع الطريق على المغالين في الدين الذين يخربون البلاد كونهم يجهلون تعاليم الدين الاسلامي الحنيف.

* لكن كيف سيكون دور عالم الدين في البرلمان؟ هل سيناقش المتطرفين الذين يرفضون حتى الصلاة في المساجد، ويحرمون ولوج مؤسسة البرلمان. وبصيغة أخرى ألا يعد ترشيح علماء وخندقتهم في أحزاب، تناقضا واضحا مع وظيفتهم التربوية والاخلاقية؟

ـ إن للمسجد حرمته ولا يمكن المس بها، لكون المصلين هم مغاربة، والعلماء بدورهم كذلك، ولا يحق لأي كان منهم التحدث في السياسة دفاعا عن حزب ضد آخر، أو تيار سياسي ضد آخر، لكن من حق عالم دين الترشح الى الانتخابات بعد تقديم استقالته من وظيفته الرسمية، والتقدم من أجل المساهمة في الدفاع عن الدين، وقطع الطريق على المتطرفين. للعلماء دور حيوي في الدفاع عن وحدة البلاد، وتماسكها دينيا وأخلاقيا واجتماعيا.

* هل تعتقدون أنكم ستطالبون من داخل البرلمان، بتطبيق الشريعة الاسلامية؟

ـ إن الدولة المغربية مسلمة والمغاربة مسلمون، والدستور يعتبر الاسلام دينا رسميا، ومعنى ذلك أن ما يقع في بلدان أخرى لا يعني المغاربة، فهم مسلمون منفتحون، وتهميش العلماء يفتح المجال للجهال للإفتاء في الدين. وما أصعب أن يفتي جاهل في أمور الدين، فالدولة تتقوى بالعلماء. وهكذا كان المغرب منذ قرون، ولا أحد يمكن أن يلغي وظيفة إمارة المؤمنين، التي يتولاها العاهل المغربي الملك محمد السادس، لأننا سنكون من الذين سيتصدون له. ومن يريد أن يعرف أكثر فيلقرأ تاريخ المغرب.

* لكن بالنظر الى دور المختصين في البرلمان، ماذا سيكون دور العالم المتفقه في الدين؟

ـ سيقطع الطريق على المتطرفين بآرائه النيرة حينما يتم التصديق على قوانين قد تبدو فيها ثغرات قد تستغل من قبل الجهال، وتؤول على نحو يعطي للمتشدد مبررا للتحدث في أمور لا يفقه فيها.

* وضعتم حمزة الكتاني، شقيق حسن الكتاني، المدان على خلفية قضايا الارهاب، وكيلا للائحة حزبكم في دائرة شالة بالرباط، وشقيقته حسنة، ثانية في اللائحة الوطنية الخاصة بالنساء، كيف يمكن تفسير ذلك؟ ألا تخشون من نعتكم بتشجيع الارهاب؟

ـ لا أبدا لكون عائلة الكتاني المعروفة بورعها الديني تدين الارهاب بكافة أشكاله. ولم يسبق لحسن أن كان إرهابيا. والدليل على ذلك نقض المجلس الاعلى (أعلى هيئة قضائية) الحكم الصادر في حقه، لكونه تيقن أنه ليس إرهابيا بل زج به في هذا الملف. فهو رجل مظلوم، وهيئة دفاعه قامت بمساع في هذا الصدد لإطلاق سراحه. وعقد اجتماع ضم زعماء احزاب سياسية وقياديين في منزل الدكتور عبد الكريم الخطيب، أجمع الجميع انه مظلوم، وان انتقاداته الموجهة لأميركا لا تخص المغرب بالمطلق، وعمل المجتمعون على التوجه الى العاهل المغربي لطلب العفو عنه، رغم أنه لم يكن راغبا في ذلك، لكونه يعتبر نفسه بريئا. كما أن حديث العاهل المغربي الملك محمد السادس، للصحافة الاجنبية، أظهر أن هناك تجاوزات تمت عقب أحداث 16 مايو (أيار) الارهابية، التي سببت صدمة قوية. وجرت أغلب المحاكمات خارج شروط المحاكمة العادلة، لهذا يبقى شقيقا الكتاني مواطنين، ومن حقهما خوض الانتخابات إسوة بباقي المرشحين.