شط العرب يتحول إلى ملتقى لهياكل البواخر والألغام والطمي

شركات أهلية تنتشل السفن الغارقة فيه وتعيد تأهيلها لعمليات التهريب

TT

لم يعد شط العرب لدى اهالي البصرة كما اعتادوا عليه سابقا فبالاضافة الى الحروب المتواصلة التي شهدها على ضفافه، وتحوله الى منفذ لتهريب النفط، يمتلئ الان بهياكل السفن الغارقة التي خلفتها الحروب فضلا عن ارتفاع مناسيب الطمي فيه. ويقول الصياد كريم راضي بانه عرف شط العرب، ملتقى نهري دجلة والفرات، منذ نعومة أظفاره حيث تعلم صيد السمك بالشباك فيه خلال مرافقة والده، واضاف «لم اترك الشط منذ أكثر من أربعين عاما».

ويصف راضي نفسه بانه «احد اصدقاء الشط». واضاف «بالرغم من تعرضه لويلات الحروب فأنه باق يحمل رزايا الشجعان ويحفظ ود المحبين». وناشد راضي السلطات برفع السفن والبواخر العملاقة الغارقة فيه التي تشبه جبال الثلج إذ لا يظهر منها على السطح إلا جزءا قليلا وكلها مطمورة في اعماقه. ويقول الدكتور طارق العذاري الأكاديمي في جامعة البصرة لـ«الشرق الاوسط» إن شط العرب ينفرد عن غيره بامتلاك المعالم الجمالية والسياحية، وان ما فيه من مباهج  لم تتوفر لغيره في المنطقة العربية ابتداء من اللقاء الأزلي لنهري دجلة والفرات في منطقة القرنة المكونان للشط وحتى مصبة في الخليج العربي.

ويقول العذاري إن بساتين النخيل التي تمتد على مسافة  195 كم بمحاذاة ضفاف الشط والجزر المنتشرة في وسط مجراه ومنها جزيرة السندباد المعروفة تصلح كمناطق سياحية في فصل الشتاء التي يفتقر لها البلد لو توفرت له الرعاية والاهتمام. واعتاد اهالي البصرة على اللجوء الى شط العرب وتشاهد منهم من يجلس على ضفافه يتمعن بجريانه أو ماسكا سنارة لصيد السمك أو ينفخ دخان الشيشة (الناركيلة) بتودد، ويتحدثون عنه كأنه واحد من أفراد عائلاتهم يستمتعون بأيام أمجاده حينما كانت شواطئه تعج بالبحارة من مختلف الدول. ويقول الغواص عبد علي صالح بانه عمل مع مجموعة من الغواصين والفنيين في شركات للقطاع الخاص لانتشال الغوارق كالبواخر وناقلات النفط الصغيرة الغارقة في شط العرب.

وأوضح صالح إن عمل تلك الشركات مثل عمل الصيادين، أي ان تكون الطريدة ملك صيادها. وقال «يتم أولا تحديد موقع الغارق بعد معرفة خواصه ومواصفاته ويبدأ العمل بانتشاله دون الاهتمام بعائديته، فمن ينتشله هو مالكه الرسمي، كما قالت لنا تلك الشركات إن أصحابها الأصليين تم تعويضهم من شركات التأمين العالمية». وقال «لم يكن بإمكاننا انتشال غوارق كبيرة لان معداتنا بسيطة وبدائية، ونحن مجرد مجموعة من الغواصين واللحامين والعمال». وتابع «بعد أن ننتشل الغارق في عمل متواصل قد يستمر عدة أشهر، يقوم المالكون بإعادة تأهليه وتزويده بمعدات ومكائن جديدة ليمارسوا فيه بعد طلاء بدنه واطلاق تسمية جديدة له، عمليات تهريب النفط». ويقول الملاح البحري حسين كاظم إن الشط التهم المئات من القطع البحرية حلال الحرب العراقية الإيرانية وخاصة ما يسمى بحرب الناقلات عام 1981 التي تم فيها الإغراق المتبادل لناقلات النفط والبواخر والسفن التجارية والحربية العراقية والإيرانية وسفن الدول الداعمة للطرفين وما تلاها من حربي الخليج الثانية والثالثة التي استهدف فيها طيران دول التحالف كل ما هو عائم في الشط من قطع بحرية عسكرية ومدنية.

وأوضح كاظم إن «عمليات تطهير الشط من الغوارق يتطلب إمكانيات كبيرة لشركات عالمية إضافة إلى إن هناك بعض الغوارق تقع في الشاطئ الإيراني وليس هناك اتفاق بين الطرفين ينظم مثل هذه العمليات». واشار إلى إن الشط تعرض أيضا إلى اكبر عملية لترسيب الطمي خلال تنشيف الاهوار التي طرحت 30 مليون طن من الطمي سنويا، إضافة إلى ما يقذفه نهر الكارون الإيراني والذي تسبب في زحف مجرى الشط داخل الأراضي العراقية.

وكاد الشط أن يؤدي الى أزمة بريطانية ـ إيرانية عام 2004 حينما أسرت إيران ثمانية من إفراد البحارة البريطانيين اتهمتهم بأنهم ضلوا طريقهم الى مياهها. وفي مارس (آذار) الماضي أسرت 15 بحارا بريطانيا ووجهت إليهم نفس الاتهام.

وبحسب مصادر في خفر السواحل العراقي، يقوم الجيش الأميركي وحلفاؤه حاليا بدوريات حراسة في أقرب نقطة يعتقدون أنها في المياه الإقليمية العراقية وسط أجواء من التوتر قابلة للتصعيد يكون الخاسر الكبير فيها هو شط العرب.