مسلحو «فتح الإسلام» غلبهم الجوع فحاولوا الفرار وهاجموا الاشجار المثمرة

«الشرق الأوسط» تروي بالتفاصيل قصة دحر المسلحين الأصوليين

TT

أعلن أهالي قرية المحمرة التي يقع الجزء الاكبر من مخيم نهر البارد في ارضها، حالة الطوارئ منذ فجر امس الاحد. وكانوا يحاولون تعقب آثار زعيم تنظيم «فتح الإسلام» شاكر العبسي بعد شيوع خبر فراره من المخيم، وذلك اثر محاولة موكب سيارات من خارج المخيم الالتفاف على الجيش واطلاق النار على الجنود الذين يحاصرون آخر معقل للمسلحين، وذلك لصرف اهتمامهم عن مراقبة مداخل المخيم. لكن الاخبار بقيت متضاربة بشأن مصير العبسي. البعض أكد انه تمكن من الفرار بعد اشغال الجنود بملاحقة الهاربين. والبعض الآخر قال انه لا يزال في المخيم، والبعض الثالث قال انه قتل، في حين كثف الجيش اللبناني دورياته في الاحراج والبساتين والكروم الممتدة بين مناطق المحمرة وببنين والجاموس المحيطة بالمخيم. سيناريو امس يشبه الى حد بعيد سيناريو أحد آخر شهدته القرية في 20 (مايو) ايار الماضي. لكن الادوار مقلوبة. آنذاك دهم عناصر تنظيم «فتح الاسلام» الجنود اللبنانيين وغدروا بهم في الامكنة ذاتها التي يدهمها الجيش اللبناني حاليا للقضاء على آخر فلول هذا التنظيم. المحمرة كانت شهدت قبل مئة وستة أيام محاولات عناصر «فتح الاسلام» السيطرة على الخط الساحلي بعد التمترس بين المنازل في متعرجات مرتفعاتها وبساتينها وكرومها. آنذاك خرج اهاليها وساعدوا الجيش على دحرهم الى داخل المخيم. واليوم ايضا عاودوا الكرة.

ويرجح شهود العيان في المحمرة ان الجوع دفع بالمسلحين الى محاولة الفرار، ذلك ان معظمهم كان خائر القوى وشاحب الوجه الى درجة المرض. وعوض المقاومة كان الهاربون يبحثون عن ثمار الاشجار الكثيرة في المنطقة لقطفها وسد جوعهم. وفي حين حالت العمليات العسكرية وترتيبات الجيش اللبناني من دون وصول الصحافيين الى داخل مناطق الاشتباك، اتصلت «الشرق الأوسط» بأهالي المحمرة لتنقل بعض مجريات الاحداث. «أمامي جثتان. وجهاهما شاحبان. ملامحهما تدل على انهما غريبان. ربما يمنيان. يرتديان قميصين وسروالين قطنيين. جسداهما منخوران بالرصاص. احدهما لا يزال يحتفظ بحقيبة على ظهره». هذا ما قاله لـ«الشرق الأوسط» محمد موسى من بلدة المحمرة. واضاف: «استفقت مع قراءة الصبح (صلاة الفجر). خرجت الى الشرفة فلاحظت حركة غير عادية. قال احد الجيران ان عناصر «فتح الاسلام» هربوا من المخيم. وأن احدهم قتل عسكريا برتبة ضابط كان متمركزا على التلة المواجهة للمخيم. كذلك سمعت احد المهربين في باص صغير يقول لرفيقه أنه الغى العملية وسيعود من حيث اتى لأن الجيش بدأ ينتشر. بالفعل وجدت العسكر يحيطون بالمنزل. وبالطبع استنفرت القرية رجالها وخرج الجميع بسلاحهم لحماية ظهر الجيش».

محمد شاهد سيارة المرسيدس البيضاء التي كان سائقها ينتظر خروج المسلحين من المخيم ليفر بهم. الا ان الجنود كانوا له بالمرصاد فأمطروها برصاصهم. يقول: «سرعان ما فتحت الجبهة وبدأت مطاردة العناصر الذين كانوا يحاولون الاختباء. اصيب احدهم عند محطة تامر للوقود عند مدخل المحمرة. وقتل اثنان عند افران البيادر. في حين القي القبض على ثالث. كان فلسطينيا».

مصطفى موسى كان دليل دورية التدخل الاولى التي تعقبت العناصر الفارين. وذلك عند السادسة من صباح امس. يقول: «وجدت رشاشي كلاشنيكوف وجعب رصاص على الطريق قرب المنزل، فاتصلت بالعمليات على الرقم 112. بعد قليل جاءني ضابط برتبة عقيد وأخذني مع فرقته في شاحنته، فأنا اعرف المنطقة شبرا شبرا. ذهبنا الى النهر. وزع الضابط جنوده. كل مجموعة توغلت في طريق بين الخيم البلاستيكية. جلست مع العقيد على تلة مشرفة على مجرى النهر للمراقبة واعطاء التعليمات. القى الجنود القبض على ثلاثة عناصر. كان شعرهم طويلا ووجوهم صفراء مثل الشمع من قلة الطعام. سيقانهم نحيلة. كانوا يمنيين وباكستاني. احدهم بالكاد طوله تسعين سنتيمتراً. لم يسمح لي العقيد بمحادثتهم وسلمهم فورا الى القوة الضاربة».

انتهت العملية الاولى عند التاسعة صباحا، ثم خرج مصطفى في دورية ثانية عندما اخبره الاهالي ان خمسة من المسلحين يختبئون بين القصب في حي «السبسبي» عند «الصاروف». كانوا ايضا جائعين. تركوا بنادقهم على الارض وسارعوا لغزو شجرتي تين ورمان وشرعوا يأكلون. ما ان أحسوا باقتراب الجيش منهم حتى التقطوا بنادقهم وأطلقوا النار، فرد عليهم الجيش بالمثل وأردى اثنين وقبض على الثلاثة الباقين. بعد ذلك حاصر الجنود احد البساتين بالقرب من النهر. حيث استطاعوا القبض على مزيد من الفارين. هدأت الحال ظهرا في المحمرة. لكن الغروب كان يحمل مفاجأة ليعود اطلاق النار كثيفا. حاول الاهالي الاقتراب لمعرفة ما يجري. لكن الجنود المنتشرين منعوهم. كان مسلحو «فتح الاسلام» يسلمون أنفسهم وجرحاهم الى الجيش اللبناني. وقبل اعلان كلمة النهاية شرع اهالي المحمرة بالاحتفال ونثر الارز على الجنود، وكأنهم يطوون صفحة الحرب التي طاولت املاكهم واعمالهم، لكنها لم تؤثر على اندفاعهم لحماية الجيش، كما قال مصطفى، مبديا استعداده كل لحظة «لحمل السلاح والقتال جنبا الى جنب مع العسكر».