انتخاب رفسنجاني قد يغير وجه السياسة والحكومة الإيرانية

هل فوزه قابل لأن يكون معيارا جديدا لأمن واستقرار طهران

هاشمي رفسنجاني في جلسة مجلس الخبراء في طهران أمس (أ.ف.ب)
TT

انتخاب هاشمي رفسنجاني رئيسا لمجلس الخبراء، يمكن ان يغير واجهة السياسة في ايران، بل يمكن ان يغير وجه الحكومة الإيرانية.

هل هي رؤية متفائلة؟ بالرغم من انني لست متشائما، اعتقد ان انتصار رفسنجاني ليس انجازا عاديا. فمجلس الخبراء هو هيئة برلمانية مكونة من 86 عضوا تنتخب المرشد الاعلى، وتشرف على نشاطاته. وطبقا للدستور الايراني فإن المجلس مسؤول عن الاشراف وطرد وانتخاب المرشد، وفي حالة الموت أو عجزه عن الاضطلاع بمهامه:

«عندما يصبح الزعيم غير قادر على انجاز وجباته الدستورية او يهمل واحدا من الواجبات الدستورية في الدستور، او يصبح معروفا انه لا يملك بعضا من هذه الواجبات فيطرد، بحسب(المادة 111 دستور الجمهورية الاسلامية الايرانية).

من الناحية النظرية يمتلك المجلس قوة ضخمة، ولكن يبدو انها لم تبذل وجباتها بالطريقة المفروض ان تفعل بها في العقدين الماضيين، فعلى سبيل المثال، فإن المجلس لم يدعو رئيسه للاجتماع، ولم يطلب من زعيم ايران تقديم تقرير عن ادائه في العقود الماضية.

وبدلا من ذلك فإن اعضاء المجلس التقوا مع الزعيم في عدة مناسبات للحصول على نصيحته. ويبدو ان الموقف قد تغيير تماما، فمن الناحية العملية يجب على الزعيم القيام بواجبه تحت اشراف المجلس، ويجب مواجهة اسئلة الخبراء، ويجب ان يكون موجودا في جلسات المجلس، ما الذي حدث؟ لماذا يحتاج المجلس الى نصيحة الزعيم؟

اعتقد ان اخر رئيس لمجلس الخبراء ـ اية الله مشكيني قد لعب دورا هاما في هذه العملية، فهو يعتقد ان زعيم الجمهورية الاسلامية الايرانية معين من قبل الامام المهدي. ويؤمن ان مجلس الخبراء «يتباحث» مع الزعيم، ولا يعني ذلك انهم يعينوه. ويعني ان مصدر السلطة والشرعية يستمدها القائد من اوامر الامام المهدي. واعتمادا على هذه النظـرية فإن الزعيم ليست له اية مسؤولية فقط للرد على المجلس، ولكن ايضا يجب ان يصبح المجلس تحت اشراف ولاية الفقيه. والوالي الفقيه هو شخص مقدس، بنفس درجة الامام، وفي كتاب اطلق عليه مانيفستو الثورة الاسلامية الذي كتبه الامام الخميني ـ يقال ان ولاية الفقيه هي مثل «النبي» وانه يملك كل سلطات ووجبات النبي. هذا هو اكثر ارث مهم لآية الله مشكيني. على العكس، بعض الفقهاء او المجتهدين يعتقدون ان المرشد الأعلى يجب ان يكون مسؤولا امام جهة وأن يتحمل مسؤولية أعماله وأن يكون مسؤولا أمام مجلس الخبراء. طبقا لطريقة تفكير آية الله هاشمي رفسنجاني، يبدو انه واحد من المؤيدين لنظريته. (مساءلة المرشد الأعلى). قال قبل انتخابات الرئاسة انه المرشد يجب ان يكون مسؤولا أمام المجلس وأن تكون فترة القيادة محددة. انتخب رفسنجاني رئيسا لمجلس الخبراء امس، كان في غاية الأهمية وتضمنت رسالة قوية للمرشد الأعلى علي خامنئي وكل المؤسسات الحكومية، بما في ذلك الرئيس والبرلمان. نافس آية الله جنتي رفسنجاني. وقبل الجلسة الخاصة جرى تحديد ثلاثة من الخبراء في رئاسة المجلس هم آية الله يزدي، وآية الله مصباح يزدي، وآية الله فائز تباسي. من الناحية الثانية نشهد انتقادات عنيفة تم تنظيمها ضد رفسنجاني. فصحيفة كيهان كانت عنصرا رئيسيا في هذا الهجوم. جرى التركيز في الآونة الأخيرة على كتاب جديد لرفسنجاني ووجه له المسؤولية في عدم الاعتقاد في ارث الإمام الخميني. فيما يتعلق بالمناخ السلبي ضد رفسنجاني، كان من الواضح ان المتشددين كانوا ضد وضعه كرئيس لمجلس الخبراء. من الوارد ان يغير انتصار رفسنجاني بعض العناصر الرئيسية في المشهد السياسي الايراني. أولا: اعتقد ان بوسعه تغيير نظرية آية الله مشكيني، هذه النظرية تقول ان المرشد الأعلى ليس مسؤولا أمام مجلس الخبراء. ثانيا: انتصار رفسنجاني يمثل رسالة قوية للرئيس احمدي نجاد، وبوسع رفسنجاني الآن السيطرة على الرئيس الشديد التطرف الذي وضع ايران في حالة كارثية. ثالثا: اصر رفسنجاني عدة مرات على إجراء انتخابات شرعية في ايران، وكان قد نشر يوم الانتخابات الرئاسية خطابا مفتوحا زعم فيه انه لا يوجد احد يدافع عن حقوقه في الانتخابات الرئاسية. رابعا: انتصار رفسنجاني سيكون في مصلحة الإصلاحيين، إذ سيصبح في وسعهم التفكير حول انتخابات جديدة وبرلمان ورئاسة في وضع اكثر ثقة. خامسا: يشكل انتخاب رفنسجاني ايضا رسالة الى الحرس الثوري، فقد كان من الواضح ان الحرس الثوري كان عنصرا رئيسيا في انتخابات الرئاسة، كما ان عددا من الوزراء والحكام ينتمون الى الحرس الثوري، وانتصار رفسنجاني ربما يكون عقبة لهذا التوجه الخطير. كثير من المفكرين يشعرون بالقلق إزاء مستقبل ايران. ترى، هل يصبح مستقبل ايران مثل مستقبل باكستان وتركيا، حيث المؤسسة العسكرية لها نفوذ قوي في السياسة؟

يعرف رفسنجاني الحرس الثوري وقادته أفضل من أي شخص آخر، إذ كان قائدا له خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية.

سادسا: تواجه إيران كارثة تتمثل بحرب مباشرة مع الولايات المتحدة، وعلى إيران أن تحارب داخل حدودها، فالولايات المتحدة على بعد آلاف الأميال منها. وقال رفسنجاني في خطبة الجمعة «نحن مستعدون للتفاوض مع الولايات المتحدة على كل مستوى وحول أي شيء».

وحينما قال إن إيران في وضع خاص عني الوضع المعقد في المنطقة، وحينما قال إن المقالة المضادة له في صحيفة كيهان والتي كتبها شريعة مداري ممثل آية الله خامنئي حيث قال إن وضع هاشمي وكلماته حول المفاوضات المباشرة مع الولايات المتحدة هي ليست بيانا رسميا خاصا بإيران، وهو ليس مسؤولا عن هذه القضايا والأميركيون والغرب لن يهتموا بما قال هاشمي. (كيهان، 20 أغسطس 2007).

ونشر هاشمي في الفترة الأخيرة الجزء السابع من مذكراته السياسية وفي ذلك الكتاب تحدث عن لقاء مع أحد النواب.

«جاءني اليوم النائب عن شوشتار إلى مكتبي وقال إن هذه الشعارات ضد الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي قد خلقت مشاكل للبلد واقترح أنه من الضروري إيقاف هذه الشعارات وأنا وافقت على رأيه، وتكلمنا عن الإمام الخميني وقررنا أن نوقف الشعارات ضد الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي بطريقة مناسبة».

واستنادا إلى هذا الكتاب وذلك الخطاب نحن ندرك بشكل أفضل أن بعضا من الانتقادات الحادة قد رتبت ضد هاشمي. أنا مقتنع أن الهدف المخفي للقيام بأفعال كهذه هو مجلس الخبراء. وكانت المقالة التي نشرت في كيهان إشارة واضحة لهاشمي والخبراء الآخرين، وتسلمت كيهان مكافأة خاصة سميت بالتهديف الخاطئ.

وكل هذه الجهود ضد رفسنجاني لم تكن فعالة، فخلال الشهرين الأخيرين أصر على أن المشاكل الثلاث الكبرى: 1- الوضع الخاص لإيران. 2- المفاوضات المباشرة مع الولايات المتحدة على كل مستوى وبخصوص كل المشاكل. 3- وتركيزه على الانتخابات الجديدة. وهذا يعني أن لديه القدرة للتحدث إلى المرشد الأعلى من موقع شرعي قوي، فباعتباره رئيسا لمجلس الخبراء من يستطيع أن يقول إن رفسنجاني هو خارج الإطار الحكومي مثلما قالت كيهان؟

وكان أمر مفيد أن يكون آية الله جناتي المنافس لرفسنجاني، فنحن نستطيع القول إن المناخ السياسي في إيران شفاف جدا.

أظن أن انتصار رفسنجاني قابل لأن يكون معيارا جديدا لأمن واستقرار إيران.