أمين «العدالة والتنمية» المغربي: لا نروج لأي نموذج حزبي في تركيا أو غيرها.. وبلادنا لها خصوصياتها

العثماني قال لـ«الشرق الأوسط» إن السماح بحضور مراقبين دوليين للانتخابات شجاعة سياسية

سعد الدين العثماني (تصوير: مصطفى حبيس)
TT

قال الدكتور سعد الدين العثماني، الامين العام لحزب العدالة والتنمية الاصولي المغربي المعتدل، ان حزبه اعتمد برنامجا دقيقا ومرقما يجمع بين الطموح والواقعية، للوصول إلى مستوى اعلى للتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والإصلاحات. وأضاف العثماني في حديث خص به «الشرق الأوسط»: «اننا نقول دائما إن المغرب محتاج لحكومة قوية، وذلك يتحقق بتوفر مجموعة من الشروط، ضمنها تشكل الحكومة من عدد محدود من الأحزاب، ولا يجب أن تكون مبلقنة مثلما هو عليه الحال الآن». وعبر العثماني عن أسفه كون الحكومة الحالية تجمع مكوناتها العديد من التناقضات ليس فقط في توجهاتها السياسية العامة أو الفكرية ولكن أيضا من حيث برامجها، ولذلك طبع عمل الحكومة الحالية بالبطء والتردد والارتباك والتناقض أيضا.

وبخصوص مشاركة حزبه في الحكومة المقبلة اذا حصل على نتائج جيدة، قال العثماني: «إذا لم يتوفر الحد الأدنى للشروط حتى تكون مشاركتنا فاعلة ومفيدة فنحن نميل إلى عدم المشاركة، ومن الطبيعي أن تكون المعارضة المقبلة، إذا بقينا فيها، أقوى من المعارضة السابقة، لأننا سنكون اقدر على المعارضة لا من حيث العمل الرقابي للحكومة، ولا من حيث تأثيرنا في العمل التشريعي».

وحول ماذا يعني لحزبه الفوز الساحق لحزب العدالة والتنمية في تركيا، قال العثماني ان الفوز يبين كيف يمكن لحزب سياسي ذي جذور إسلامية في بلد مسلم يتبنى العلمانية، أن يساهم بفعالية في إصلاح البلاد على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وان يكون مفيدا لبلده، وان يعطي نموذجا راقيا في الممارسة السياسية، بيد ان العثماني اوضح ان حزبه لا يروج لأي نموذج ولا لأي حزب. فالمغرب، في نظره، له خصوصياته وله سياقه التاريخي والسياسي وله مؤسساته. واعتبر العثماني سماح المغرب، لأول مرة، بحضور مراقبين دوليين، إضافة الى ملاحظين محليين ينتمون للنسيج الجمعوي، شجاعة سياسية، باعتبار أن الدولة تتبرأ من خلال ذلك من الذين يقومون بالخروقات.

* ماذا يميز برنامجكم الانتخابي عن باقي برامج الاحزاب القائمة؟

ـ وضع حزب العدالة والتنمية برنامجا انتخابيا تحت شعار «جميعا نبني مغرب العدالة»، وهو برنامج يركز على العدالة الاجتماعية والقضائية، وهو ما يميز الحزب عن بقية الأحزاب، ويلامس هذا البرنامج القطاعات الأساسية للإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي، بحيث خصص الحزب مجموعة من الإجراءات والاقتراحات للوصول إلى هذه الأهداف التي يمكن تلخيصها في ثلاث أولويات: أولا، إصلاح الإدارة ونظام الحكامة عن طريق العمل على إقرار توازن اكبر في السلطة، ورفع مستوى الإدارة لتكون في خدمة المواطن، جودة وتخليقا وتحديثا. ثانيا، إصلاح القضاء، وذلك بالتركيز على استقلاليته والتنصيص عليه في الدستور كسلطة، وإدخال التعديلات القانونية والتشريعية الضرورية لحفظ هذه الاستقلالية بعيدا عن سلطة الإدارة والوزارة والوزير، بالإضافة إلى تفعيله وتحديثه وتخليقه لأنه يعاني اليوم من الفساد والرشوة واستغلال النفوذ. ثالثا، إصلاح التعليم، إذ لا يمكن تصور إقلاع اقتصادي وقدرة على مواجهة التحديات الاجتماعية بدون إصلاح للتعليم. ولتحقيق ذلك حددنا ثلاثة أهداف أساسية هي: تعميم التعليم، حقيقة وليس وهما في الأرقام الرسمية فقط، ورفع مستوى جودته ليكون قادرا على نقل المعرفة والتكنولوجيا، وإحداث مجتمع المعرفة، وأخيرا تكييف التعليم مع حاجيات المجتمع والسوق سواء الوطنية أو الدولية. وبالتالي فحزب العدالة والتنمية يعتمد برنامجا دقيقا ومرقما يجمع بين الطموح والواقعية، طموح للوصول إلى مستوى اعلى للتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والإصلاحات، وواقعي ايضا قابل للانجاز والتطبيق على ارض الواقع.

* إذا قادتكم نتائج الانتخابات إلى تشكيل الحكومة، فماهي الإجراءات الأولية التي ستتخذونها ؟

ـ الإجراءات الأولية التي سنتخذها متعلقة بالأساس بالمجالات الثلاثة التي ذكرتها. وأول شكل لهذه الإجراءات سيكون إصدار قوانين وتعديل أخرى موجودة حتى نتمكن من تحقيق الأهداف التي سطرناها، إذ سنقوم على سبيل المثال، باصدار قانون لمعالجة آفة الفساد، وهو ما تطالب به منظمات المجتمع المدني منذ فترة طويلة، بالإضافة إلى إصدار قانون للشفافية في المعلومة بين المواطن والإدارة وبين الإدارة والصحافة وغيرها من الإجراءات.

* كيف تفسرون معركة كسر العظم، إن صح التعبير، بينكم وبين حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، التي عرفتها الحملة الانتخابية، ولماذا هذا التطاحن القائم بينكما دون الأحزاب الأخرى؟

ـ أظن أن هذه الألفاظ من قبيل معركة كسر العظم، لا تناسب واقع الحال. هناك تصريحات صحافية، لكن يمكن القول إن الحملة هادئة عموما، وتتم في أجواء حضارية، وكل واحد يدعو إلى برنامجه الانتخابي، ويحاول أن يقنع المواطنين به. صحيح أننا وضعنا الأداء الحكومي على المحك، وليس حزبا معينا، وحاولنا إبداء وجهة نظرنا في النقاط التي لم تستطع الحكومة القيام فيها بأي تقدم خاصة في مجال محاربة الفساد المالي والإداري وتخليق الإدارة. نفس الشيء يتعلق بمجال إصلاح القضاء. أما التعليم فقد عرف تقهقرا كبيرا، ولذلك فإننا نضع في المقدمة الأداء الحكومي الهزيل في كثير من القطاعات ونركز عليه، ولكن ليس عندنا في حملتنا الانتخابية أي تركيز على حزب معين، ولا أظن أن الأحزاب الأخرى تركز على حزب العدالة والتنمية على الرغم من وجود بعض التصريحات لكنها لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر جميع قيادات هذه الأحزاب، وأظن أنه في مرحلة ما بعد الانتخابات ستغير طريقة تعامل الأحزاب والهيئات فيما بينها، وستوجد خريطة سياسية، لا أقول جديدة كل الجدة، لكن فيها تغيرات.

* رشحتكم العديد من استطلاعات الرأي لتبوأ الصدارة في انتخابات يوم غد، وفي المقابل صرحتم قبل الحملة الانتخابية بأنكم تتوقعون الحصول على 70 مقعدا، فما هي قراءتكم لهذه الاستطلاعات، وهل من رسالة تبعثونها من خلال وضعكم سقفا محددا لعدد المقاعد التي ستحصلون عليها؟

ـ الاستطلاعات المعلنة متنوعة وصادرة من جهات مختلفة، وتواتر استطلاعات الرأي التي تعطي الصدارة لحزب العدالة والتنمية دليل على انه الأكثر شعبية في المغرب، ومن الطبيعي أن يكون الحزب الأول في الانتخابات، وهذا الذي نتوقعه كما يتوقعه العديد من المحللين والمتتبعين للشأن المغربي، سواء كانوا مغاربة أو أجانب. أما بالنسبة لتوقعاتنا فقد أصدرناها في مرحلة من المراحل ووفق المعطيات المتوفرة، وهذا لا يعني أننا نحد من طموحنا، وإنما هي توقعات في ظل نمط الاقتراع الموجود، وفي ظل كثرة الأحزاب السياسية والتقطيع الانتخابي الذي أقرته الحكومة، والهادف الى التقليل من حظوظ حزب العدالة والتنمية، وفي ظل معطيات أخرى مرتبطة بطريقة إجراء الانتخابات على الأرض، فنحن نتوقع فعلا أن نحصل على ما يقرب من 70 مقعدا على الأقل، ولا يمكن أن نحدد رقما واحدا فنتائج الانتخابات هي التي ستحدد في النهاية الرقم النهائي، وسيكون حزب العدالة والتنمية الأول في هذه الانتخابات إن شاء الله.

* قلتم إنكم ترغبون إما في مشاركة حكومية مشرفة أو معارضة قوية. ماذا تقصدون بذلك؟ ألم تكونوا معارضة قوية في السابق؟

ـ دائما نقول إن المغرب محتاج لحكومة قوية، وذلك يتحقق بتوفر مجموعة من الشروط، حيث يجب أن تتشكل من عدد محدود من الأحزاب، ولا يجب أن تكون مبلقنة كما هو الحال بالنسبة للحكومة الحالية. ثانيا، يجب أن تكون مبنية على الانسجام في التوجهات والخطوط العامة وفي أساسيات البرنامج. ومع الأسف فإن الحكومة الحالية تجمع مكوناتها العديدة من التناقضات لا في توجهاتها السياسية العامة أو الفكرية ولكن أيضا من حيث برامجهم، ولذلك طبع عمل الحكومة الحالية بالبطء والتردد والارتباك والتناقض أيضا، إذ إن كثيرا من مشاريع القوانين بقيت مجمدة في مرحلة من المراحل، إما قبل إحالتها على مجلس الحكومة أو المجلس الوزاري أو حتى بعد إحالتها على البرلمان نتيجة صراعات داخل الحكومة. واليوم هناك مشاريع مهمة جدا في البرلمان كان من الضروري المصادقة عليها قبل شهر أو شهر ونصف الشهر تقريبا لكنها بقيت مجمدة نتيجة التنازع داخل الغالبية الحكومية نفسها. إذن فالمغرب محتاج إلى حكومة قوية وهذا ما عنيناه بقولنا إننا سنشارك في حكومة قوية لأننا نريد إفادة بلدنا، وتشكيل إضافة نوعية، ولا نريد أن نكون مجرد زينة أو ديكور. فإذا لم يتوفر الحد الأدنى للشروط حتى تكون مشاركتنا فاعلة ومفيدة فنحن نميل إلى عدم المشاركة في الحكومة. ومن الطبيعي أن تكون المعارضة المقبلة إذا بقينا فيها أقوى من المعارضة السابقة، لأننا سنكون اقدر على المعارضة لا من حيث العمل الرقابي للحكومة، ولا من حيث تأثيرنا في العمل التشريعي وهذا هو المقصود بكلامنا.

* تحدثتم عن شروط، هل نفهم من ذلك الدعوة إلى القيام بتعديلات دستورية؟

ـ لا أبدا، هي شروط مرتبطة بطبيعة التحالف والائتلاف والغالبية الحكومية وطريقة تكوينها، وبالتالي هذه الشروط تروم ان تكون الحكومة قوية. أما التعديل الدستوري فسيكون مجال توافق في المرحلة المقبلة بين القوى السياسية وجلالة الملك محمد السادس، فقد آن الأوان لتكون هناك مقاربة لهذا الملف، بعد الانتخابات.

* المعروف عن الأحزاب ذات التوجه الديني أنها دائما متماسكة، وتنظيمها صلب لكن في حالة حزبكم لاحظنا وقوع انشقاق قاده احد نوابكم السابقين، الذي انشأ حزب النهضة والفضيلة، كيف تفسرون هذه الظاهرة الانشقاقية خاصة في صفوف حزب منظم مثل حزبكم؟

ـ صحيح أن حزبنا منظم لكنه يؤمن بالحرية الفردية والاختيار الحر، والانضمام إليه طوعي، والخروج منه طوعي كذلك. ولا نجد أية غضاضة في أن يغير الإنسان الهيئة التي ينتمي إليها عندما يقتنع في فترة من الفترات بأنه سيمارس العمل السياسي بشكل أفضل في هيئة أخرى أو مجال آخر وحزب العدالة والتنمية مفتوح ويتسع لآراء مختلفة، ويتسع لاجتهادات متباينة، ونحن منفتحون على هذه الاجتهادات جميعها ولسنا على خط متشدد، بل نحن سعداء بان يكون هناك غنى فكري وثقافي، وغنى في وجهات النظر داخل الحزب لأنها هي الكفيلة بإعطائه للحزب حيوية وديناميكية داخلية، ونحن حريصون على الاستمرار في هذا الغنى والتنوع. أما بالنسبة لتشكيل حزب آخر من قبل احد الأعضاء السابقين للحزب فهذا لا يسمى انشقاقا، وبالتالي تعاملنا مع الموضوع ببساطة وروح حضارية.

* من ينظر إلى لائحة المرأة الخاصة بحزبكم يلاحظ أنها تضمنت صورا لنساء سافرات، وهذا معطى جديد في تعاملكم مع الأشياء، فهل يتعلق الامر ببرغماتية تتطلبها الظرفية الانتخابية؟

ـ أولا، هذا ليس معطى جديدا، فاللائحة الوطنية للنساء لسنة 2002 تضمنت امرأة حاسرة الرأس، وهؤلاء النساء أعضاء في الحزب لهن نفس الحقوق التي يحظى بها جميع الأعضاء، لذلك لا نرى كيف يمكن التمييز بين أعضاء الحزب، فالحزب مفتوح أمام جميع المغاربة، ويمثل مختلف الشرائح، وهو سعيد بهذا، ولم يكن ذلك موضع إشكال بالمرة داخله.

* نسبت إليكم اخيرا تصريحات مفادها أن أي تشريع يجب أن يقوم على أساس الشريعة الإسلامية، وهو ما تعاملت معه الصحافة في الغرب بنوع من الحذر؟

ـ هذا ليس تصريحا، هذا مقترح من المقترحات الواردة في برنامج الحزب أثناء الحديث عن التعديل الدستوري، وهو مقترح يقول إن جميع القوانين الصادرة يجب ألا تتعارض مع الشريعة الإسلامية كما ينص على ذلك الدستور، فأمر طبيعي أن يوجد هذا المعطى في دولة إسلامية، وهذا لا يطرح أي إشكال، المشكلة الكبرى تكمن في التفسير، ذلك أننا عندما نتحدث عن ألفاظ مثل الإسلام والشريعة يفهمها البعض فهما متشددا، فيه غلو، بينما يفهمها آخرون فهما متجددا ينظر من خلالها إلى وجود انسجام تام بين الإسلام والتقدم وبين الإسلام والتحديث. وأكثر من هذا قلنا إن مذكرة التعديلات الدستورية التي قدمتها أحزاب الكتلة الديمقراطية في منتصف عقد التسعينات من القرن الماضي للملك الراحل الحسن الثاني. ومن بين ما نصت عليه هذه المذكرة التنصيص في الدستور على أن القوانين لا يجب أن تتعارض مع الشريعة الإسلامية، ونحن تبنينا هذا المقترح الذي قدمته الكتلة سابقا ولا أظن انه يشكل أي إشكال. ثم إننا في المغرب توجد عندنا كليات للشريعة في فاس وأكادير منذ سنوات طويلة، فإذا كنا سنزيل الشريعة لنزل هذه الكليات ايضا، وهذا لا يقول به أي مواطن مغربي وأي مسؤول مغربي. إنني أسأل دائما ما إذا كنا في حزبنا نريد أسلمة الدولة، وأنا أقول إن المغرب مسلم منذ 15 قرنا، ولن تجد في أدبياتنا بالمرة إقامة الدولة الإسلامية لأن ذلك قائم فعلا، لكننا نحرص على رفع مستوى الانسجام بين واقعنا وبين مبادئ الإسلام، وهو ما تحرص عليه مختلف مكونات المجتمع المغربي، فهذا أمر يجب أن يتم بطرق متدرجة ورقيقة وراقية وليس بنظرة منغلقة.

* ماذا يعني لكم الفوز الساحق الذي حققه حزب العدالة والتنمية في تركيا؟ وهل أنتم قادرون على الترويج للنموذج التركي في المغرب؟

ـ لاشك أن فوز حزب العدالة والتنمية في تركيا يبين كيف يمكن لحزب سياسي ذي جذور إسلامية في بلد مسلم يتبنى العلمانية، أن يساهم بفعالية في إصلاح البلاد على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وان يكون مفيدا لبلده، وان يعطي نموذجا راقيا في الممارسة السياسية، لكننا لا نروج لأي نموذج ولا لأي حزب. فالمغرب له خصوصياته وله سياقه التاريخي والسياسي وله مؤسساته. ونحن نحاول أن نستفيد من مختلف التجارب، وان نصوغ تجربتنا الخاصة بنا.

* ما هي ملاحظاتكم حول الخروقات التي أعلن عنها أخيرا في الحملة الانتخابية بما فيها الخروقات التي قام بها بعض الوزراء؟ وكيف تنظرون لمعالجة الدولة لهذه الظاهرة؟

ـ أولا، نحن لدينا ثقة كبيرة بوجود إرادة سياسية قوية ترغب في أن تمر هذه الانتخابات في درجة معقولة من الشفافية والنزاهة، وقد أكد ذلك جلالة الملك في خطابات واضحة، واتخذت اجراءات كثيرة في هذا المجال ولكنها لا تكفي. أولا، لأن الجهاز الإداري لا يتأقلم باستمرار مع هذه الإجراءات، ونجد دائما أناسا ما زالوا مشدودين إلى عهود، شبوا فيها وشابوا عليها، لجهة التحكم في الانتخابات والتأثير في نتائجها، كما أن النخب السياسية ليست كلها في مستوى التحولات الضرورية لذلك نجد الكثيرين يستعملون المال والوسائل العمومية، ومع الأسف الشديد فإن بعض الوزراء قاموا بعدد من التجاوزات وقد أصدرنا بيانا خاصا نندد فيه بما قام به هؤلاء الوزراء. وأظن أن الدولة عموما تعاملت بشيء من اليقظة مع هذه التجاوزات لكنها لا تتدخل في كثير من الأحيان لأسباب معقدة، ونحن نتابع هذه القضية بيقظة ونتحاور مع المسؤولين لأننا نريد أن يكون المنتصر الأول والأخير في هذه الانتخابات هو المغرب، والديمقراطية المغربية، فإذا خرجنا من هذه الانتخابات بحد مقبول من النزاهة والشفافية فهذا سيكون مشرفا لنا جميعا، لأننا محتاجون لتطوير تجاربنا الديمقراطية حتى نبرهن أنه يمكن لبلد مسلم نام أن يصوغ تجربته الديمقراطية بنجاعة ونجاح، وان يقارب إصلاحاته السياسية بطريقة حديثة ومعقولة. ومن المؤشرات على وجود إرادة سياسية على أن تمر هذه الانتخابات في المستوى المطلوب، هو سماح المغرب، لأول مرة، بحضور مراقبين دوليين، إضافة الى ملاحظين محليين ينتمون للنسيج الجمعوي، وأظن أن هذه شجاعة سياسية أن تتبرأ الدولة من الذين يقومون بالخروقات، ونحن حيينا هذه المبادرة منذ البداية، ونريد أن يتعاون الجميع من أجل إنجاحها. فالتحول نحو الديمقراطية ليس سهلا، ولا يمكن أن يتم بين عشية وضحاها بل هو عمل متدرج، ولا يمكن أن ندرك كل شيء مرة واحدة وما لا يدرك كله لا يترك جله.

* هل يمكن أن نقول إنكم استطعتم خلال هذه الانتخابات تجاوز الإكراهات الناتجة عن أحداث الدار البيضاء الأليمة؟

ـ صحيح، بعد تفجيرات 16 مايو (ايار) 2003، ونتيجة لهول الصدمة كانت هناك مجموعة من ردود الفعل غير المتوازنة، سواء من قبل بعض النخب السياسية والإعلامية وحتى من قبل الدولة، لكننا تجاوزنا تلك المرحلة بسلام، ونحمد الله على ذلك، وقد تعامل حزب العدالة والتنمية معها بصبر وهدوء وتجنب أية ردود أفعال وبقي في تواصل مع المسؤولين وبعض القوى السياسية للتوافق على طريقة ما لتخطي تلك المرحلة، واليوم يحظى حزبنا بمكانة في الساحة السياسية، وستتقوى هذه المكانة مستقبلا، ونحن حريصون على مواصلة مسلسلنا الديمقراطي بتعاون مع مختلف الأطراف بنظرة متفائلة إلى المستقبل من دون تسرع أو حرق للمراحل مع الاستمرار في مد جسور التواصل والتعاون مع مختلف القوى السياسية داخل مختلف الأحزاب، وإن كان بعض قياداتها يطلقون تصريحات نارية ضد حزبنا.

إننا نعرف أن جو التنافس السياسي يجر أحيانا إلى بعض التجاوز في التعامل مع الآخر، ونحن نرى أن السياسة لا تعرف المستحيل وهي مفتوحة على كل السيناريوهات، وبالتالي نحن مستعدون للسير وفق السيناريو الأصلح للبلاد من دون تشنج أو انطواء على الذات، ومن دون غرور ايضا لأننا نعرف قدراتنا وكفاءاتنا، ولا يمكننا القيام بالإصلاح بمفردنا بل نحن في حاجة على التعاون مع القوى السياسية الأخرى وتكاثف الجهود والتعاون بطبيعة الحال مع جلالة الملك، وكل هذه الأمور من مبادئ حزبنا، عليها تأسس وعليها يسير باستمرار.

* هل خصصتم في برنامجكم الانتخابي خطابا معينا موجها للدوائر الانتخابية التي خرج منها انتحاريو الدار البيضاء؟

ـ لا أظن أن هذه الدوائر تحتاج الى خطاب خاص، فإذا كنا نتحدث عن الأزمة الاجتماعية، أزمة السكن، التهميش والفقر وغيرها، فهي مشاكل تشترك فيها هذه الدوائر مع أحياء كثيرة في الدار البيضاء، وفي مدن أخرى، إذن الخطاب واحد. وإذا كان المقصود هو فتح باب التواصل والأمل والمشاركة السياسية لمقاومة أي نزوع نحو استعمال العنف أو الانزياح نحو الإرهاب فهذا امر يهم ايضا الأحياء والمدن الأخرى، وإن كان المقصود هو التبشير بفهم وسطي للإسلام فهو أيضا موجه لجمهور الشعب المغربي لأنه معني بنشر هذا الفكر. لأن منابع الفكر المتشدد هي منابع عامة لاسيما بعض اجهزة الاعلام وبعض شبكات الانترنت، لهذا يجب أن نوجه خطابنا للجميع. وأظن أن ما تفتقر إليه هذه الأحياء هو التواصل فالإدارات والأحزاب والجمعيات قليلة التواصل في هذه المناطق، وإن وجدت فإنها لا تتواصل بما فيه الكفاية لذلك يجب أن يكون هناك جهد تواصلي ليتفهم هؤلاء الشباب ما يقع حولهم، حتى يكونوا عاملا ايجابيا في الحل بدل ان يكونوا عاملا في زيادة المشاكل والأزمات.

* غيرتم الدائرة الانتخابية التي كنتم تترشحون فيها سابقا أي دائرة انزكان ايت ملول (أكادير) هل أعلمتم ناخبيكم بذلك؟ وما هي اسباب هذا التغيير؟

ـ نعم، شرحت للناخبين في الدائرة السابقة أسباب هذا التغيير وهي أسباب متعلقة بي شخصيا وأخرى متعلقة بالمنهج العام للحزب في الترشيحات. نحن في حزب العدالة والتنمية حاولنا السير في اتجاه تغيير الدوائر من قبل الأشخاص الذين ترشحوا في الدائرة نفسها لولايتين حتى لا نشخص عملية التمثيل السياسي، وحتى نعطي أهمية للهيئة الحزبية وبرنامجها. فالناس يصوتون للحزب وليس للأشخاص، وقد ثبت انه حتى في الدوائر التي غيرنا الأشخاص فيها ظلت حظوظ الحزب فيها وافرة، هذه هي الأسباب المرتبطة أساسا بالحزب. أما الأسباب المرتبطة بي شخصيا، بصفتي أمينا عاما للحزب، فتتعلق بكون الدائرة السابقة «إنزكان آيت ملول» تبعد عن الرباط بحوالي 650 كيلومترا، فقدرت الامانة العامة أن ما سيساعد على قيامي بمهامي مركزيا بطريقة سلسة وسهلة، وفي نفس الوقت احافظ على التواصل مع المواطنين الذين انتخبوني، هو ان تكون دائرتي الانتخابية قريبة من الرباط، فاختيرت دائرة الحي الحسني بالدار البيضاء لاعتبارات عديدة، ضمنها أن لدي ارتباطات بها إذ سكنت فيها مدة طويلة بالاضافة الى ارتباطات اخرى.