رئيس «العمالي» المغربي: الزعامة التاريخية انتهت وأملنا أن يقود اليسار الحكومة المقبلة

بن عتيق لـ«الشرق الأوسط» : استقالة عالي الهمة مؤشر على ضرورة ارتكاز المشروع المجتمعي على المؤسسات لا الأشخاص

عبد الكريم بن عتيق في تجمع خطابي نسائي (تصوير: مصطفى حبيس)
TT

قال عبد الكريم بن عتيق، رئيس الحزب العمالي المغربي (حديث النشأة)، إن همه الأساسي هو الحضور داخل المجتمع لخدمته، والتعامل بآليات جديدة لتأطير الشباب المغربي، والقطع مع الطريقة الكلاسيكية التي لم تعد تجدي نفعاً، خاصة نحو التوجه نحو الهيمنة الذي تظهره القوى الاسلامية. واعتبر بن عتيق، الذي شغل منصب وزير التجارة الخارجية في عهد حكومة التناوب التوافقي، التي قادها عبد الرحمن اليوسفي، الامين العام السابق للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، استقالة فؤاد عالي الهمة، الوزير المنتدب في الداخلية، لخوض غمار الانتخابات التشريعية المقبلة، أمراً عادياً، ومؤشراً على تطور الحياة السياسية بالمغرب، بالاعتماد على دور المؤسسات بدلا من تقديس الاشخاص.

وأعرب بن عتيق عن أمله في أن تفرز نتائج الاقتراع فوزا مستحقا لليسار المغربي كي يقود مجددا الحكومة المقبلة، لكونه حامل لواء الاصلاح، وبيده تحقيق الاختيارات الكبرى التي بوشرت منذ عام 1998. وأوضح بن عتيق في حوار مع «الشرق الأوسط» أن حزبه فتي وغير معني بالمشاركة في الحكومة، ولن يقود أي ائتلاف مع «العدالة والتنمية» الاصولي المعارض، مشيرا الى أنه في حالة فشل اليسار المغربي، في إشارة الى أحزاب الكتلة الديمقراطية، فإن الحكومة المقبلة ستواجه معارضة قوية.

* لماذ أسستم الحزب العمالي رغم كثرة الاحزاب اليسارية؟

ـ لاحظنا وجود فراغ في الساحة السياسية المغربية على مستوى التأطير الميداني للمواطنين، واعتبرنا أن اشتغال النخب السياسية بآليات تقليدية لن يجدي نفعا لملء هذا الفراغ، لذلك استغل الأصوليون هذا الأمر، ونزلوا بقوة لاستقطاب الشارع، ضمنهم متطرفون، فكانت رغبتنا هي مزاحمتهم لأننا غير مقتنعين بآرائهم التي تخالف أيضا آراء وتصورات المجتمع المغربي. وكان همنا المساهمة في إنقاذ المجتمع من الانهيار الفكري. فهدفنا سياسي بالدرجة الاولى، مبني على مقاربة جديدة في التعاطي مع قضايا المواطنين، لأنه لا يكفي أن تنشئ حزبا للتحدث الى الناس من برج عال، ولكن الاهم هو التواصل معهم ميدانيا والانصات الى همومهم، والبحث معا عن حلول لها، وفق اساليب تساير العصر الذي يعيش حالة من التنافس القوي جراء العولمة.

* كيف ستشتغلون في الميدان؟

ـ نشتغل ضمن العمل الجمعوي بالدرجة الاولى. نناقش المشاكل، ونبحث عن حلول لها. وكمثال على ذلك، وجدنا أن مشكلة الهدر المدرسي تعاني منها فئات شعبية واسعة، فالانقطاع المبكر عن الدراسة لطفل يبلغ من العمر 13 عاما له نتائج كارثية على النسيج المجتمعي، وقبله الاسري. الطفل سيصبح عرضة للاستغلال من قبل بائعي المخدرات، واستهلاكها يؤدي الى بروز ظاهرة الاجرام، وقد يتم استغلال هؤلاء الأطفال في أعمال أخرى تضر بأمن واستقرار البلاد. وعوض أن نشيد مستشفيات ومستوصفات ومدارس وملاعب رياضية وأندية ثقافية ودور الشباب، سنلجأ، إذا ما استمرت هذه الظاهرة، الى بناء مخافر الشرطة، والسجون.

* هناك من يرى أن الهدف من تأسيسكم الحزب العمالي لم يكن بداعي البحث عن حلول للمجتمع، بقدر ما هو الرغبة في تبوء مكانة زعيم الحزب. لماذا حب الزعامة طاغ عند السياسيين المغاربة؟

ـ أنا أجبت على هذا السؤال مرارا. مسألة الزعامة التاريخية انتهت، لحركية المجتمع وتنوع مشاربه، فهو الوحيد الذي يميز بين المردودية الميدانية، والمردودية التنظيمية. وهذه الاخيرة تظل قائمة في إطار عقد المؤتمرات في وقتها واللقاءات. أما المردودية المجتمعية فتتجلى في القدرة على الانصات بشكل جيد لمشاكل المواطنين، والبحث عن حلول عاجلة لها، وخلق شروط جديدة تساعدهم على العيش في ظل الكرامة، وتعبئهم لمواجهة التحديات المفروضة بفعل العولمة الزاحفة. وبدون تكوين علمي وتغيير العقليات لا يمكن تحقيق نهضة شاملة وتنمية مستدامة.

* أين تخندقون أنفسكم آيديولوجيا، خاصة أن جميع الاحزاب تدعو الى نفس المطمح، لكنها لا تطبقه؟

ـ نحن نعتبر أنفسنا في صف اليسار الاشتراكي الديمقراطي، نتقاسم قيم البناء الديمقراطي التدريجي الذي سيأتي عن طريق المجتمع. فنحن حسمنا في أمر المرجعية الايديولوجية، ولكن طموحنا بطبيعة الحال هو الحضور في المجتمع لأنه ضامن البناء الديمقراطي الهادئ، فلا مكان للاستقرار بدون وعي ديمقراطي، وبدونه لن يكون المجتمع قد حل المعادلة الصعبة أي الحفاظ على مقوماته الفكرية والانفتاح على العالم بشكل كبير، والمزج بين تلك المقومات، كما فعلت اليابان. وبدون تكوين علمي وتغيير العقليات وطرق التفكير الكلاسيكية نكون أمام مجتمع ديمقراطي نخبوي فوقي سينهار يوما ما نظرا لان النخبة غيبت المجتمع من صناعة القرار.

* كيف تفسر استقالة فؤاد عالي الهمة، الوزير المنتدب في الداخلية لخوض غمار الانتخابات؟

ـ أعتبر الاستقالة أمراً عادياً، ما دام أنه رجل دولة ارتأى خدمة بلده، من موقع ميداني، ونزل إلى الساحة لخوض التنافس الانتخابي، وتحول إلى فاعل سياسي كباقي مكونات الساحة السياسية. وهذا يعتبر خطوة إيجابية بالمغرب، فلا وجود لرجل قوي في البلاد. ولم يعد الرجل القوي يعني مؤسسة قائمة الذات. الاستقالة تبرز أن المشروع المجتمعي لا يرتكز على الاشخاص ولكن على المؤسسات بمفهومها العصري.

* في حال تم تنصيب عالي الهمة رئيسا للحكومة المقبلة، وطلب منكم المشاركة، هل ستقبلون أن تكونوا ضمن ائتلاف حكومي معه؟

ـ نحن حزب فتي، هدفنا الوجود بالدرجة الاولى في الساحة السياسية، وليس لدينا أي مطمح للمشاركة في الحكومة.

* وإذا نودي عليكم للمشاركة في الحكومة، هل تفضلون «العدالة والتنمية» الإسلامي أم «الاتحاد الاشتراكي»؟

ـ قرارنا سنتخذه بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات، انطلاقا من تحليل نتائجها، عبر وضع أسئلة من قبيل كيف مرت الانتخابات، ومرتبتنا فيها، وعلاقتنا مع أصدقائنا، ومن يحمل نفس قناعتنا. وأمنيتنا هي أن يشكل اليسار قوة أساسية بعد الانتخابات التي ستسمح له بالمساهمة من موقع المسؤولية في الدفع بالاختيارات الكبرى لبلدنا. لكن في حالة العكس، نتمنى أن يشكل اليسار معارضة قوية في مجلس النواب، لانه لا يمكن للمؤسسة التشريعية ان تتطور في غياب معارضة قوية، في غياب الوضوح الايديولوجي.

* ولكن إذا حاز الاسلاميون الغالبية، ماذا سيكون رد فعلكم؟

ـ سنكون في صف المعارضة البناءة.

* هناك يسار حاكم ويسار راديكالي، وانتم أعلنتم أنكم في صف اليسار، والمواطن يختار من يختار. ما هي الميزة التي تبرزكم وقيمتكم المضافة في مشهد حزبي متنوع؟

ـ القيمة المضافة تتمثل في التعدد الحزبي، فهو اختيار مجتمعي، ونحن ملقاة على عاتقنا كنخبة سياسية مسؤوليات جسام لخدمة المجتمع بشكل نوعي، لذلك نولي أهمية قصوى لتوعيته. إن التعدد قيمة مضافة تحمي الديمقراطية.

* هناك من يقول ان التعدد الحزبي المتعاظم بالمغرب ناتج عن غياب الديمقراطية الداخلية في بعض الأحزاب؟

ـ الأحزاب السياسية كباقي المجتمع تتطور سياسياً بشكل كبير. ولا ننسى أن المغرب عاش في الماضي فترات كالحة تجلت في سيادة القمع والتضييق على الاحزاب السياسية، حيث كان الانتماء الى حزب أو التعاطف معه يؤدي احيانا الى السجن، مما أدى الى تغييب الديمقراطية كآلية داخلية. والآن نحن نعيش مرحلة انتقالية، بعد طي مرحلة الاحتقان السياسي. وأكيد أن إعادة هيكلة الحقل الحزبي بشكل سليم وعصري، وعقلاني، ستتم ليس بضغط فوقي ولكن كحاجة تحتية نابعة من صفوف منتسبي الحزب أنفسهم.

* كنت وزيرا في عهد حكومة عبد الرحمن اليوسفي، هل كنت راضيا عن عملك؟

ـ على عهد حكومة التناوب التوافقي، التي قادها المناضل الفذ عبد الرحمن اليوسفي، الامين العام السابق لحزب الاتحاد الاشتراكي، بتنسيق مع العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني، أسست مرحلة انتقالية في المغرب، على المستوى السياسي، حيث وضعت أسس لتداول السلطة بين الحكم والمعارضة السابقة، وساهمت في تحقيق انطلاقة قوية للمشهد السياسي المغربي. وأملنا أن نتجه من تداول مبني على التوافق الى تداول مجتمعي نابع من إرادة الشعب المغربي.

* هل تطمح أن تصبح مجددا وزيرا؟

ـ ما أتمناه هو أن اكون في صفوف الجماهير الشعبية، مع نبضات المجتمع، مساهما فاعلا في إحداث التغيير المنشود.

* انطلقت حملتكم الانتخابية، وكانت ضمن الحاضرين نساء متحدرات من الصحراء، ماذا يعني ذلك؟

ـ الحزب العمالي ممتد في كل مناطق المغرب. وحضور متحدرات من الصحراء المغربية أمر طبيعي لأن الصحراء هي عمق المغرب، وامتداده الطبيعي.

* لماذا لم يغط حزبكم جميع الدوائر؟

ـ لأننا اعتمدنا في اختيار مرشحينا على مقاييس صارمة تشترط النزاهة الفكرية والأخلاقية والكفاءة والامتداد الشعبي وسط المواطنين. وبالتالي وقفنا عند حدود 70 دائرة انتخابية، وتم تطبيق هذه المقاييس من قبل المكتب السياسي.

* لماذا انطلقت حملتكم الانتخابية بتلاوة آيات من القرآن الكريم وترديد الأدعية من قبل فقيه، رغم أنكم منتسبون الى اليسار؟

ـ هذا الاختيار يعد جزءا من تقاليدنا الدينية، وإيماننا العميق بأن الجانب الروحي أساسي في التأطير السياسي، فهو يمنح شحنة نفسية تساعد على تحمل الصعاب وتخطي الصعوبات وإحراز الفوز.

* ولكنكم تعيبون على خصومكم السياسيين، الإسلاميين بالدرجة الاولى، استغلال الدين في السياسية؟

ـ نحن لم نلعب بورقة الدين الإسلامي، مع البعض ضد الآخر، أو تجييش المواطنين، وبعث رسائل مشحونة اليهم للقول إننا نحن فقط مسلمون. ومع ذلك فنحن لسنا استئصاليين، ندعو إلى القضاء على التيارات الاسلامية، ومنعها من التعبير السياسي، لأننا لا نؤمن بالاستئصال، ولا بالمقاربة الامنية في التعاطي مع اي خلاف سياسي.