زيارة بوش لمحافظة الأنبار وتجاهله بغداد تؤشر إلى استراتيجية جديدة

الرئيس أراد من لقائه رؤساء العشائر السنية طرح مقاييس جديدة للنجاح

TT

مع تهيؤ الكونغرس ذي الأكثرية الديمقراطية لتفحص التقدم المتحقق في العراق عن طريق التركيز على اخفاقات الحكومة المركزية، يقترح الرئيس جورج بوش استخدام مقياس جديد هو التركيز على التحالفات الجديدة التي تجمع الولايات المتحدة بالعشائر والجماعات المحلية التي كانت واشنطن ذات يوم تخشى ان تمزق البلد.

هذا التحول جاء ضمنا في قرار بوش بتجاهل بغداد خلال رحلته التي استمرت 8 ساعات إلى العراق، حيث أنه توقف بدلا من ذلك في محافظة الأنبار، التي كانت قلب التمرد السني المضاد للولايات المتحدة. ومن خلال لقائه بالزعماء العشائريين الذين كانوا يعتبرون حتى قبل عام واحد أعداء، والذين يقاتلون الآن تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين»، فإن الرئيس الأميركي، الذي سبق أن طرح أربع أو خمس استراتيجيات لكسب العراقيين، على وشك تقديم استراتيجية جديدة أخرى.

وليس واضحا كيف سيكون رد فعل الديمقراطيين في الكونغرس تجاه تغيير مقاييس النجاح. فيوم الثلاثاء الماضي كانت هناك جلسة استماع حول تقرير مكتب محاسبة الحكومة التابع للكونغرس والذي رسم صورة معتمة عن مستقبل العراق مثلما كان تقييم الاستخبارات القومية قبل شهر واحد والذي كان مماثلا من حيث تشاؤمه مع التقرير الجديد.

وكانت المقاييس لقياس النجاح بالأساس من اقتراح البيت الأبيض والحكومة العراقية لا الكونغرس. وهذا ما يجعل الأمر غريبا أن تتراجع الحكومة عن مقاييسها المتعلقة بأداء الحكومة العراقية. ويصر البيت الأبيض على أن تقارب بوش الأخير مع الزعماء السنة قد رفع من دعمه المتواصل لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي. لكن بعض المنتقدين لبوش يرون أن التغيير في الاستراتيجية يؤكد على قناعتهم بأن العراق لن يصبح ثانية بلدا موحدا وقادرا على ان يصبح قلعة حقيقية للديمقراطية في الشرق الأوسط.

وضمن هذا السياق قال بيتر غالبريث الدبلوماسي السابق ومؤلف كتاب «نهاية العراق» الصادر عام 2006: «لقد وصلوا إلى ما هو محتَّم». فمن وجهة نظره التي طرحها في كتابه فإن الشيعة والسنة والأكراد لم يتبنوا يوما هوية عراقية مشتركة. وأضاف أن بوش «وصل أخيرا إلى نقطة الاعتراف بهذه النقطة وهو يحاول العمل معها الآن».

ومثل الاستراتيجيات الأخرى التي تبناها بوش تحمل هذه الاستراتيجية مخاطر أيضا.

فليس هناك أي ضمان بوجود رغبة قوية لدى السنة في الأنبار كي يشاركوا الأميركيين في محاربة القاعدة في بلاد الرافدين بمحافظات أخرى. من جانب آخر ظل شيوخ العشائر وأتباعهم ممنوعين من دخول الجيش العراقي وليس واضحا ما إذا كانت حكومة المالكي ستسمح بعدد كبير من السنة كي ينضموا مستقبلا إلى الجيش إذ أن ذلك يحمل مخاطر مواجهة الجماعات السنية المدربة والمسلحة بشكل أفضل للحكومة المركزية أو حاميها، الجيش الأميركي.

ثم هناك القلق من أنه حتى لو نجح بوش في تعزيز السنة والشيعة المعتدلين في الجنوب فإن النتيجة ستؤول إلى شيء مماثل لدولة مقسمة، مع كل الاحتمالات بوقوع حرب أهلية واسعة النطاق ظل البيت الأبيض مصرا على ضرورة تجنبها.

وقال بيتر فيفر الأستاذ في جامعة ديوك والعضو في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض حتى استقالته في هذا الصيف: «تلك مخاطر حقيقية، وتشرح لماذا لم تتبع هذه الاستراتيجية في أواخر عام 2006». وكان فيفر واحدا من مهندسي خطة «الطريقة الجديدة إلى الأمام» والتي كشف عنها الرئيس بوش في يناير(كانون الثاني) الماضي. وأضاف فيفر: «لكن المبدأ الأول الذي تبنيناه في الاستراتيجية الجديدة هو أن العراق فسيفسائي. وأن المخاطر من مقاربته وفق هذا التصور تستحق هذه المجازفة عند النظر بالبدائل».

ويصر البيت الأبيض على أن توجه الرئيس بوش جوا إلى المناطق العشائرية ليس نوعا من إقصاء المالكي بل إن الرئيس الأميركي يتبع منذ خطابه في يناير الماضي استراتيجية مزدوجة من خلال الدفع نحو إجراء تغيير في بغداد وفي المحافظات أيضا. والتركيز الحالي على المحافظات يعكس حقيقة كون البيت الأبيض بالغ في تقييم ما يستطيع المالكي القيام به مع حكومته وقلل من شأن درجة الكراهية التي تحملها العشائر المحلية لـ«القاعدة» والتي تمثل متطرفين عراقيين سنة بقيادة أشخاص أجانب حسب تقييم الاستخبارات الأميركية. وليس واضحا مدى الأواصر التي تجمعها بأسامة بن لادن.

وقال مسؤول رفيع في البيت الأبيض: «إنه ليس حبا بالأميركيين بل كرها بالقاعدة التي راحت تقتل السنة لمجرد تدخينهم سجائر عادية وفي نهاية المطاف قد يكون هذا أفضل تغيير حصلنا عليه منذ وقت طويل».

ومع مغادرته العراق إلى استراليا يوم الاثنين الماضي وصف الزعماء السنة الذين التقى بهم في صحراء الأنبار بشكل إيجابي كبير. وقال الرئيس بوش للمراسلين المرافقين له في طائرته الرئاسية «كانوا مسرفين في امتداحهم لأميركا، وهم اتخذوا قرارا بأنهم لا يريدون العيش تحت سلطة القاعدة. إنهم يشعرون بالقرف منها». لكن بوش قال لمساعديه إنه في نهاية المطاف تعتمد التجربة العراقية على ما إذا كان المالكي ومساعدوه راغبين حقا في إشراك السنة بالحكم أو أنهم عازمون على السيطرة على السنة. مع ذلك فإن البيت الأبيض يحاجج بأن العلاقات التي يبنيها حاليا على الأرض في أماكن مثل الأنبار هي أكثر أهمية من إبقاء المقاييس التي وفقها يتم تقييم الحكومة العراقية.

*خدمة «نيويورك تايمز»