نسبة المشاركة في انتخابات المغرب شكلت خيبة أمل للسياسيين

أوراق التصويت الملغاة المفاجأة الأكبر.. وأكثر من مليون ناخب لم يسحبوا بطاقات الاقتراع

وزير الداخلية بن موسى خلال مؤتمره الصحافي الليلة قبل الماضية (تصوير: مصطفى حبيس)
TT

شكلت نسبة المشاركة في الانتخابات التي شهدها المغرب أول من أمس، خيبة أمل كبيرة لدى الطبقة السياسية المغربية، ورغم انه لم يعلن رسميا حتى منتصف نهار امس عن نسبة المشاركة النهائية، فإن وزير الداخلية شكيب بن موسى أعلن الليلة قبل الماضية، ان نسبة المشاركة حتى الساعة السادسة من يوم الاقتراع بلغت 34 في المائة، وتوقع ان تبلغ النسبة النهائية نحو 41 في المائة. وقال الوزير بن موسى «إن المغرب نجح في كسب رهان شفافية ومصداقية الانتخابات، التي لم تبق موضوع الجدل أو التشكيك».

وعلمت «الشرق الأوسط» أن عدد الناخبين الذين لم يسحبوا بطاقة التصويت يتعدى المليون ناخب. وكانت اللوائح الانتخابية الجديدة قد عرفت تسجيل مليون و600 الف ناخب جديد، مقارنة مع انتخابات 2002، وهو ما يعني ان نسبة المشاركة قد تكون مرتفعة نسبيا اذا ما تم الاقتصار على عدد الناخبين المسجلين في الانتخابات السابقة. وينتظر المراقبون ان تشكل البطاقات الملغاة مفاجأة اخرى، فحسب شهود عيان حضروا عملية الفرز في مكاتب تصويت عديدة، فإن المصوتين تعاملوا مع اوراق التصويت بنوع من العبث، اختلط بين الرفض الواعي، والجهل بتقنية التصويت العدمي.

وأضاف الوزير بنموسى في تصريح للصحافة أن «التحدي اليوم يبقى هو التفكير في أنجع الطرق والوسائل لتعبئة الناخبين وتحقيق انخراطهم في تدعيم العمل السياسي والرقي به في بلدنا، وهذا بالطبع من مسؤولية الجميع: سلطات وأحزاب سياسية ومجتمع مدني وإعلام». وأشار في هذا السياق إلى «أن الانتخابات اتخذت بعدا سياسيا فعليا بحيث أصبح التباري منصبا على البرامج الاقتصادية والاجتماعية والثقافية». وأوضح الوزير بنموسى انه في انتظار ان تتوصل الوزارة بالأرقام النهائية لعدد المصوتين وبنسبة المشاركة على الصعيد الوطني، وبناء على المعطيات المتوفرة على الساعة السادسة مساء، أي ساعة قبل اختتام الاقتراع، فقد بلغت نسبة المشاركة 34 في المائة.

وحسب وتيرة التصويت المسجلة طيلة هذا يوم امس، أوضح الوزير انه يرتقب أن تبلغ نسبة المشاركة عند اغلاق مكاتب التصويت حوالي41 في المائة، أي ان 6.4 مليون من المغاربة قد يكونون أدلوا بصوتهم مقابل 7.5 مليون سنة 2002.

وأكد أنه «يمكن اعتبار هذه النسبة عادية إذا ما قورنت بمعدلات المشاركة في الاستشارات الانتخابية في بعض الدول الديمقراطية، خاصة أن الاقتراع تزامن مع عدد من المواعيد التي تحد موضوعيا من تفرغ الناخبين». وأضاف الوزير بن موسى أنه «من المنتظر ألا ترقى نسبة المشاركة إلى ما كنا نطمح إليه جميعا، خاصة وأن كل استطلاعات الرأي التي أنجزت في الموضوع أكدت أن غالبية المواطنين عبروا عن نيتهم التصويت يوم الاقتراع، وهو ما بينه بجلاء الإقبال الملحوظ على التسجيل في اللوائح الانتخابية أثناء المراجعة الاستثنائية لهذه اللوائح، وكذا النسبة التي بلغها سحب بطاقات الناخبين».

واعتبر المراقبون الشفافية التي اعلنت بها نسبة المشاركة في الانتخابات دليلا على التزام الدولة المغربية في ان تكون الانتخابات نزيهة وحرة وشفافة وذات مصداقية. وقال الوزير بنموسى ان هذا الحدث الديمقراطي المتمثل في الانتخابات التشريعية لسنة 2007، «يشكل بحق تكريسا للنجاح الذي حققه الاستحقاق التشريعي لسنة 2002، وخطوة أخرى متقدمة على درب إحلال بلادنا المكانة اللائقة في مصاف الامم الديمقراطية العريقة»، مبرزا أن المغرب عاش على امتداد عدة شهور جوا من التعبئة الشاملة والتشاور المثمر من اجل نجاح عملية الاقتراع الخاص بانتخاب أعضاء مجلس النواب، وذلك بانخراط جميع الفاعلين السياسيين في مختلف مراحلها التحضيرية. وأشاد وزير داخلية المغرب بجميع القوى السياسية الوطنية ومختلف الفاعلين السياسيين وهيئات المجتمع المدني الذين ساهموا في تحقيق هذه القفزة النوعية التي عرفتها الديمقراطية بالمغرب. كما هنأ المرشحات والمرشحين ومن خلالهم الهيئات السياسية على انضباطهم والتزامهم بقواعد التباري الشريف في إطار الإجراءات المعمول بها والتحلي بروح المواطنة والابتعاد عن السلوكات المشينة وترجيح المصلحة العليا للبلاد على الرغم من تضارب المصالح والاختلافات التي أفرزتها أحيانا بعض مراحل المسلسل الانتخابي.

وأكد وزير الداخلية أن الحملة الانتخابية مرت في «جو طبعته المنافسة الشريفة بين المرشحين الذين استعملوا وسائل دعائية مشروعة وقانونية»، موضحا أن مختلف الهيئات السياسية عقدت ما مجموعه 1300 لقاء استقطب ما يزيد على 300 ألف من المشاركين وتمحورت أساسا حول القضايا التي تشغل بال الناخبين كمحاربة الفقر والبطالة والتهميش والهشاشة وتوفير البنيات والتجهيزات الأساسية والتعليم إلى غير ذلك من القضايا ذات الطابع المجتمعي. وأبرز في هذ السياق أن موضوع التخليق احتل أهمية خاصة ضمن اهتمامات الهيئات السياسية حيث ركزت غالبيتها على ضرورة إحاطة هذه المحطة بالضمانات الكفيلة بتحصينها. وذكر بأن اقتراع اول من امس اتسم ولأول مرة بمأسسة فترة ما قبل الحملة الانتخابية التي مكنت الهيئات السياسية من ولوج القنوات الاذاعية والتلفزيونية، مشيرا الى ان مجموع الساعات التي استفادت منها الاحزاب السياسية خلال تلك الفترة بلغ أزيد من 170 ساعة استعملها 580 متدخلا خلال النشرات الاخبارية والبرامج السياسية المخصصة لهذا الغرض مما مكن هذه الأخيرة من التواصل على نحو أفضل مع المواطنين، مشيدا بـ«العمل القيم الذي قامت به الهيئة العليا للاتصال المسموع والمرئي» في هذا المجال.

وأضاف أن اللجنة المركزية المشتركة بين وزارتي العدل والداخلية وكذا اللجان المحلية المحدثة لهذا الغرض قامت بمواكبة مختلف مراحل الحملة الانتخابية وتتبع كل ما ينشر في الصحف من ادعاءات بوقوع خروقات انتخابية وكل ما يرد عليها من شكاوى بهذا الخصوص.

وذكر الوزير المغربي ان اللجنة المشتركة تلقت منذ انطلاق الحملة 716 شكوى قامت النيابة العامة بمعالجة جزء كبير منها إما بالحفظ أو بالأمر بتعميق البحث أو بفتح المتابعة، حيث قررت المتابعة في 53 حالة مع إرجاء 6 متابعات إلى ما بعد الإعلان عن نتائج الاقتراع، وذلك طبقا للمقتضيات القانونية الجاري بها العمل على اعتبار أن هذه الحالات تهم مرشحين لهذه الانتخابات. وأوضح أنه تم الرد على جميع الشكاوى الموجهة مباشرة للوزارة من طرف الأجهزة المركزية للهيئات السياسية منوها في هذا السياق بأهمية الدور الذي لعبته الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام والمجتمع المدني في كشف بعض المخالفات الانتخابية.

كما عملت وزارة الداخلية، يقول الوزير بنموسى، على تفعيل مجموعة من الاجراءات الاحترازية الرامية إلى ضمان سلامة ونزاهة المسلسل الانتخابي، من بينها إلحاق 128 عون سلطة، و20 رجل سلطة بالمصالح المركزية لوزارة الداخلية أو بمصالح العمالات (المحافظات والأقاليم). وأشار إلى أن الحملة الانتخابية «شهدت بعض الوقائع والأحداث البسيطة التي لم تؤثر على سيرها العادي، والتي تم ضبطها والسيطرة عليها في حينه، ويتعلق الأمر بـ20 حالة تتعلق بمشادات بين اتباع المرشحين المتنافسين وأربع حالات لاعتداءات بالسلاح الابيض وحالتي اعتداء على ملك الغير».

وأبرز ان المغاربة توجهوا طيلة فترات يوم الاقتراع «في جو من الهدوء والمسؤولية» الى مكاتب التصويت، التي بلغ عددها 38846، لممارسة حقهم الدستوري وللتعبير عن اختياراتهم بكل حرية قصد اختيار 325 نائبا برلمانيا، حيث تمت عملية التصويت في ظروف عادية وملائمة، وفي احترام تام لسرية الاقتراع، بعد توفير كافة الضمانات الكفيلة بإجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة وذات مصداقية. وأضاف أنه «كان شاهدا على ذلك عدد من الملاحظين (المراقبين) الوطنيين والدوليين، الذين تابعوا العملية الانتخابية»، مشيدا «بالدور المهم الذي قام به المجلس الإستشاري لحقوق الإنسان في تأطيره لعمل هؤلاء الملاحظين».

وقال بنموسى إن يوم الاقتراع لم يخل من «بعض الأحداث المحدودة الخالية من أي تأثير، من قبيل وقوع اصطدامات بسيطة بين أتباع الأحزاب المتنافسة صاحبها في بعض الأحيان التراشق بالحجارة، أو محاولة الضغط على إرادة الناخبين، أو انتحال صفة ملاحظ للعملية الانتخابية». لكن على العموم، يضيف الوزير المغربي، فإن الأمر يتعلق بحالات متفرقة لا تمس بالجو العام للنزاهة الذي طبع سير عملية التصويت، وتم ضبطها واعمال الاجراءات القانونية بشأنها. وكان منتظرا ان يعلن وزير الداخلية المغربي الليلة الماضية النتائج الرسمية الأولية المتعلقة بالاقتراع.