العراقيون في القاهرة يتخوفون من طول أمد الإقامة

توتر في مدينة 6 أكتوبر .. وسط شكاوى أنهم رفعوا الإيجارات وأسعار المواد الغذائية

TT

يعيش في واحد من الاحياء الثرية ولكنه يتسوق في الاحياء الفقيرة، حيث يتجه الى الضواحي لشراء الخضروات واللحم في الحواري الضيقة لسوق ينتشر فيه الذباب والاطفال الحفاة الذين يعدون وسط رائحة الزنجبيل والكزبرة. هل هذا هو مصيره ؟ لا يعرف. كل ما يعرفه هو انه باع واحدا من بيوته في العراق مقابل 25 الف دولار، وقد نفذ المبلغ وبعث بزوجته الى بغداد لبيع المنزل الآخر. وثمن المنزل الثاني يتلاشى ايضا، والآن بعد 14 شهرا كلاجئ في ضاحية من ضواحي القاهرة، ليس لدى موسى ما يبيعه، ويخشى ان يضطر لترك هذا الحي الغني، والانتهاء في مكان حوائطه مهدمة.

لقد فر واسرته من الحرب، وهو مهندس ميكانيكي يملك سيارتين ولديه خادمة. ولكنه الان يشعر بالقلق حيث يحمل بطاقة اقامة مؤقتة ويقضي وقته في بلد افقر من البلد الذي تركه. ويقول إن المصريين ليسوا ودودين. سر في شوارع 6 اكتوبر، وستسمع: في المخابز وفي اركان الشوارع وفي احواش المدارس، عبارات الصبر تحولت الى ضيق بالأمر.

وقبل عقود من الزمن، هاجر مئات الألوف من المصريين الى العراق للعمل كمزارعين وعمال وفنيين، والآن انعكست الصورة، واصبح هناك الشعور بالضيق من كيفية التعامل مع انعكاس الظروف. المصريون والعراقيون يطلقون على بعضهم البعض «الاخوة العرب،» الان انهم مشغولون بخصوصيات بعضهم البعض. وتجدر الاشارة الى ان ما يقرب من مائة الف عراقي يعشون في مصر، العديد منهم في 6 اكتوبر، خلف اهرامات الجيزة في طقس ينتشر فيه غبار الحجر الجيري، واعلانات المشاريع العقارية الجديدة.

ويتردد ان الحكومة المصرية حددت عدد العراقيين الذين تسمح مصر بدخولهم للبلاد، ولذا فإن مصر لا تعاني من الازمات الانسانية التي انتشرت عبر سورية التي يوجد فيها 1.2 مليون لاجئ عراقي والاردن التي يوجد فيه 750 الف عراقي. الا ان هناك موجة من التوتر عبر 6 اكتوبر. من السوق الذي يشتري منه موسى احتياجاته الى الشقق السكنية. الاصوات ليست عالية. بل هي الكلمات التي تتردد بين الناس: العراقيون رفعوا الايجارات. العراقيون رفعوا اسعار المواد الغذائية.

ويقول العديد ان مجموعات محدودة من المصريين هم الذين ضاقوا بوجود العراقيين. وان العراقيين جرى الترحيب بهم ولا يزالون، ولكن شخص مثل محمد مختار وهو صاحب محل تجاري يقول «لو كنت مسؤولا، لرحلتهم للعراق مرة اخرى».

وللعراقيين وجهات نظرهم المتشددة. ففي مكان ليس بالبعيد عن محل مختار، قال احمد بادري، «طلب مني صاحب العقار 600 جنيه مصري ايجارا شهريا للمحل. ووجدت بعد ذلك انه لا يزيد على 400 جنيه. وفي اليوم التالي حضر لي اصحاب المحلات وقالوا لي بلهجة ودية: لقد تسببت في رفع الايجار علينا كلنا. ولكن اليوم اصبحت الامور متوترة. وبدأت العلاقات في التدهور. واضاف «ابنتي البالغة من العمرة 6 سنوات ادخلتها مدرسة لغات، ولكنها تتحدث اليوم باللهجة المصرية».

ويوجد للعراقيين في 6 اكتوبر محلاتهم ومخابزهم الخاصة، ومحل للجيلاتي باسم ساقوما على اسم محل مماثل في بغداد. هذا هو الايقاع والخدع التي تعلموها، ضع اولادك في مدارس خاصة، تأكد من معرفة طريقك الى وزارة الاستثمار، حيث يمكنك التقدم للحصول على طلب لمشروع استثماري مقابل 500 دولار، وهو ما يمنحك اقامة لمدة سنة. واذا لم تؤسس المشروع، عد في العام القادم وتقدم بمشروع اخر.

ويقول نبيل شاوي وهو شاعر ومصور «هناك تضخم موجه للعراقيين. عندما وصلت في العام الماضي كان ايجار شقة من اربع غرف يصل الى 1200 جنيه مصري شهريا، اما الان فإن نفس المسكن لا يقل ايجاره عن 3 الاف جنيه مصري. التعليم مكلف للغاية. مصاريف تعليم ابني الجامعية تصل الى الفي دولار، وربما تصل الى ثلاثة الاف دولار. وفي الوقت نفسه بدأت اموالي في النفاذ. من واجب الولايات المتحدة رعايتنا».

ومحمود امير وهو بقال مصري غير متعاطف. ويقول «كعرب يجب ان نقف الى جانب العراقيين، ولكن عليهم احترام قوانين بلادنا. وعندما يفتحون محلا ويستخدمون عمالة مصرية يسيئون معاملتهم. ويعتبرون انفسهم سادة ويرون المصرين خدما لهم». حقيقة ان فاطمة غرباوي ضربت مربية طفلتها يشير الى ان المشاعر متبادلة. فاطمة تعيش في وسط القاهرة في شقة في الطابق السادس تطل علي قصر للرئاسة. لا توجد صور على الحائط والاثاث مستعار. وزوجها مات. قتل في العراق.

كانت صحافية وناشطة في المجال السياسي العراقي عندما هربت من العراق عقب تلقيها تهديدات ومشاهدة صور اصدقاء مقتولين. وقد وصلت للقاهرة بأموال وافكار. كان اولها فتح مشروع عقاري في مصر. وقالت فاطمة «استغرق الامر اسبوعا ثم اغلقته. ادعى مصريون انهم مسؤولون وطلبوا رشاوى. اين رخصتك؟ مثل هذه الاشياء. وحققوا معنا. ولكني لم ادفع رشوة... وكان مشروعي الاخر هو فتح مركز رياضي، ولكن تعرضت للنصب في ثلاثين الف جنيه. لقد وقعت عقدا مزورا وحصلت على ايصال مزور. وقالوا انهم سيعملون على طردي من مصر اذا ما قلت لأي شخص».

وقالت ان مربية اطفالها هي التي رتبت حالة النصب. وقالت انها وثقت في المرأة واسرتها لعدة شهور، وكانت تدفع لهم مبلغا جيدا لرعاية ابنتها عندما زارت العراق في العام الماضي. بل انها عاشت في منزل المربية لفترة.

واضافت فاطمة «عندما سرقوا هذا المبلغ فقدت عقلي ولكمتها في وجهها. اصبحت بلا مال. وافقد هويتي. اخفي عراقيتي لانني اذا ما تحدث باللهجة العراقية سيستغلني المصريون. بالنسبة لهم العراقي هو الدجاجة التي تبيض لهم ذهبا.

يوجد مخبز في اكتوبر يبيع الخبز العراقي. ويديره صبي وشاب في العشرين من عمره. ويريدان العودة لبغداد ولكن لا يمكنهما، لذا اسسا هذا المكان، تنتشر فيه الاضاءة الملونة لتذكرهم بالاشياء التي لا يريدون نسيانها. وعلى بعد عدة اميال من المخبز، تمتزج رائحة الخروف المذبوح بالتوابل والدماء. والسوق يبدو متدهورا، ولكنه مزدحم. وافضل الاسعار في السوق هي في نهاية اليوم. ويتسوق محمود موسى هنا مع اسرته لتوفير المال. وتضع زوجته حنان حجابا ولا تعجبها النوعية والاسعار.

ويبتسم موسى. لقد وجد طريقة للمرح، هذا الاب لاربعة اولاد اضطر لبيع بيتين، وامواله تتسرب.

وهو سني. كان ذلك امرا جيدا في العراق، ولكنه لم يعد كذلك الان، لا يوجد شيء جيد في العراق، ولذا عليه العثور على مال.

وقال الاب «ذهبنا الى السفارات الفرنسية والسويسرية والاسبانية للحصول على مساعدات لاطفالنا، ولكننا لم نحصل على رد. وقال علينا اخراج اولادنا من العراق. نحن سنة. نتعرض لتهديدات اذا ما عدنا... حضرت المليشيات الى منزلنا قبل ان نتمكن من الهروب وحاولوا خطف ابني».

وقالت حنان «اذا لم يعد لدينا مال، فسنضطر للعودة». ليست لها هي وزوجها علاقات هنا، لا توجد طريقة للتعامل مع النظام لكي يعمل لصالح اسرة من اللاجئين. بدون مال كل الاشياء مستحيلة.

*خدمة «لوس انجليس تايمز» خاص بـ «الشرق الاوسط» شاركت نهى الحناوي من مكتب لوس انجليس تايمز في هذا التقرير