بترايوس عشية شهادته أمام الكونغرس: الوضع السياسي في العراق لم يتقدم كما كنا نأمل

القائد الأميركي سيواجه المشرعين غدا بمعلومات وخرائط تشير إلى تراجع الهجمات

TT

أعرب القائد العسكري الأميركي في العراق الجنرال ديفيد بترايوس في خطاب مهد به للتقرير الذي ينتظر ان يقدمه الى الكونغرس غدا، عن خيبة أمله إزاء عدم إحراز تقدم بشأن المصالحة السياسية في العراق. وقال مسؤولون في الادارة الاميركية إن الجنرال بترايوس يعتزم العودة الى واشنطن في إطار تقييم آخر للأوضاع في العراق بعد حوالي ستة شهور بغرض توفير مزيد من الوقت للسياسة العراقية لكي تواكب ما وصفه بترايوس بـ«الأوضاع الأمنية الآخذة في التحسن بوتيرة سريعة». وأكد الجنرال بترايوس في خطاب وجهه الى قواته على ان أعمال العنف قد تراجعت خلال ثمانية من جملة الشهور الـ11 السابقة. وجاء في الخطاب الذي وجهه الى «الجنود والبحارة وأفراد القوت الجوية والمارينز وقوات خفر السواحل والمدنيين» انه «في الوقت الذي كان يأمل كثيرون منا في ان يكون صيف هذا العام وقتا لتحقيق تقدم سياسي ملموس، فإن الامور لم تمض كما كنا نأمل». وقال مسؤولون اميركيون إن الجنرال بترايوس كان قد أشار الى انه من المحتمل ان يقبل إجراء خفض في عدد القوات الاميركية العاملة في العراق، وان المسؤولين العسكريين هناك قد بدأوا في تحديد الوحدات العسكرية التي من الممكن تقليص عدد أفرادها. إلا ان بترايوس، الذي سينضم اليه السفير الاميركي لدى العراق، رايان كروكر، في جلسة الاستماع امام الكونغرس، يريد إعادة تقييم الأوضاع في العراق في مارس (آذار) المقبل، قبل إجراء خفض إضافي في عدد القوات هناك. وفي هذا السياق، قال مسؤول اميركي ان بترايوس سيسلط الضوء خلال شهادته أمام الكونغرس على امكانية إحداث تحول في المستقبل والانتقال من طبيعة المهام التي تؤديها قواته حاليا الى مرحلة جديدة من العمليات تتطلب عددا أقل من القوات. إلا ان المسؤول اضاف قائلا إن ثمة توازنا حساسا في هذا الجانب، ذلك ان التعجل في إحداث هذا التحول من المحتمل ان يؤدي الى تعريض المكتسبات التي تحققت للخطر. تجدر الإشارة الى ان استراتيجية زيادة عدد القوات التي أعلن عنها الرئيس جورج بوش في يناير (كانون الثاني) الماضي، تعتمد على فكرة أن زيادة الأمن ستؤدي الى إيجاد «متنفس» للحكومة العراقية كي تحقق تقدما مهما باتجاه المصالحة الوطنية. ولكن مهما كان حجم المكتسبات التي تحققت، فإنه لم يواكبها تقدم مواز على الصعيد السياسي على نحو جعل أعضاء الكونغرس الديمقراطيين، إلى جانب بعض الجمهوريين النافذين، يرون أن الحكومة العراقية غير قادرة على اقتناص الفرصة التي وفرتها القوات الأميركية. وكان الجنرال بترايوس قد أطلع الرئيس بوش على الأوضاع خلال الاسبوعين الأخيرين، وتقدم بتوصيات حول كيفية الاضطلاع بالمهام اللازمة في العراق، إلا ان مسؤولين في البيت الابيض قالوا انهم لم يروا نص شهادته التي يعتزم تقديمها أمام الكونغرس. وقالوا ان بوش ليس متأكدا مما سيقوله الجنرال بترايوس في شهادته. وعلى الرغم من ان بوش حاول تفادي الضغوط السياسية لحمل إدارته على تغيير مسار السياسة الأميركية في العراق، فإن مسؤولين في البيت الأبيض يصرون على ان الرئيس هو الذي سيحدد القرار النهائي حول ما يجب عمله في العراق. ويتلقى بوش نصائح واستشارات من جمهوريين كبار وأعضاء في إدارته تختلف وجهات نظرهم بدرجات مختلفة إزاء العراق عن وجهات نظر الجنرال بترايوس. ويجب على بوش ان يستعرض تقريره حول العراق أمام الكونغرس بنهاية منتصف الشهر الحالي. وقال مسؤولون في إدارته أول من امس إنهم يتوقعون أن يلقي خطابا رئيسيا على الشعب الأميركي قبل نهاية الاسبوع المقبل. وينظر بعض المسؤولين الى رغبة الجنرال بترايوس في إجراء تقييم آخر حول الأوضاع في العراق بعد ستة شهور أخرى كونها مساعي لإرجاء أي تغييرات كبيرة في الاستراتيجية او نشر القوات الأميركية في العراق الى حين تعزيز المكاسب الأمنية وتحقيق التقدم السياسي المنشود. وكان الرئيس بوش وكبار مستشاريه قد أشاروا الى ان شهادتي بترايوس وكروكر كنقطة تحول، إلا ان مسؤولين يشيرون الآن الى انهم لا يتوقعون تغيرا يذكر في الاستراتيجية العسكرية او تركيبة القوات الاميركية في المستقبل القريب. والى جانب القوات الإضافية المؤلفة من 30000 جندي وضابط، هناك حاليا قوات أميركية يقدر قوامها بـ168000 جندي وضابط في العراق. وتتوقع غالبية المسؤولين الاميركيين أن عدد هذه القوات سيبدأ في التقلص اعتبارا من ابريل (نيسان) المقبل، إلا انه لم يعرف بعد مدى سرعة تنفيذ خفض هذه القوات. وقال مسؤول أميركي رفيع المستوى إن بترايوس يرغب في الاحتفاظ بأكبر قدر من القوات الى ما بعد ربيع العام المقبل، لكنه يشير في نفس الوقت الى انه قد يقبل بمبدأ خفض لواء بكامله يتألف من عدد يتراوح بين 3500 و4500 جندي وضابط. وكان مسؤولون عسكريون أميركيون قد أشاروا الى ان محافظة الأنبار، غرب العراق، وشمال العراق من المناطق التي يتوقع ان تشهد انسحابا مبكرا للقوات الاميركية. وأضاف المسؤولون ان القرارات ذات الصلة بهذا الشأن ستعتمد على عوامل اخرى بالإضافة الى تراجع وتيرة أعمال العنف مثل قدرات الوحدات العسكرية العراقية على السيطرة على الاوضاع. جدير بالذكر، أن هناك لواء عراقيا في الموصل يعتبر مؤهلا تماما. وقال الجنرال بنجامين ميكسون، القائد العسكري الاميركي بشمال العراق، ان عدد القوات الاميركية في هذه المناطق ربما يتراجع الى النصف بنهاية عام 2009. إلا ان تركيا، العضو في حلف شمال الاطلسي (الناتو)، ربما لا تؤيد خفض القوات الاميركية في شمال العراق قبل معالجة مخاوفها إزاء الهجمات التي يشنها منشقون أكراد عراقيون عبر الحدود. من جانبهم، قال مسؤولون عسكريون أميركيون، إن سحب قوات لواء عسكري يتراوح عدد أفراده ما بين 3500 و4500 ربما لا يرضي حتى أعضاء الكونغرس المؤيدين. وحذر هؤلاء المسؤولون من ان غالبية الألوية العسكرية الاميركية في العراق منتشرة في مختلف المناطق وطبقا للحاجة الى وجود هذه القوات في كل منطقة؛ فهناك مناطق كثيرة في العراق ـ خصوصها بغداد والمناطق الموجودة الى شمالها وجنوبها مباشرة ـ حيث تتمركز القوات الاميركية في مناطق نزاعات طائفية. وقال مسؤول عسكري أميركي في بغداد انه على الرغم من ان هذه القوات ربما تكون متمركزة في مناطق هادئة نسبيا، فإن العنف سيندلع على الأرجح في حال مغادرة القوات الاميركية لهذه المناطق. ويتوقع أن يصرح الجنرال بترايوس بأن ثمة حاجة الى مزيد من الوقت لتأهيل القوات العراقية كي تصبح قادرة على السيطرة على هذه المناطق وحتى تتوفر الثقة بين سكان هذه المناطق. وجهات النظر هذه تتعارض مع التوصيات التي أصدرتها لجنة من كبار الضباط المتقاعدين الذين تقدموا الأسبوع الماضي بتقييم مستقل لقوات الأمن العراقية. وأشارت اللجنة الى تزايد اعتماد العراقيين على وجود القوات الأميركية. وقال مسؤولون إن بترايوس سيقدم «قدرا معقولا من المعلومات» في شهادته أمام الكونغرس، بما في ذلك رسوم بيانية توضح كيفية تراجع وتيرة العنف منذ ان بدأت القوات الأميركية التمركز في أحياء في العاصمة بغداد هذا العام. ومن ضمن الرسوم التوضيحية التي أعدت لبترايوس لاستخدامها في شهادته المرتقبة أمام الكونغرس خارطة للعاصمة بغداد توضح تراجع كثافة الهجمات «ذات الدوافع العرقية ـ الطائفية» عقب زيادة عدد القوات. واستخدمت ألوان مختلفة في الخارطة المشار اليها توضح جوانب مثل «البؤر الساخنة». وتشمل خرائط ورسوما أخرى على تراجع العنف في عدة جبهات؛ إذ تراجع عد القتلى في مختلف أنحاء العراق من 1900 في يونيو (حزيران) الماضي الى 1500 في أغسطس (آب)، كما توضح ايضا تراجع حالات القتل بدوافع عرقية ـ طائفية بمعدل الثلث منذ فبراير (شباط) الماضي ليصل عدد ضحايا هذا العنف الى حوالي 900 شخص في اغسطس. توضح الرسوم البيانية ايضا تراجعا بنسبة 50 في المائة لحوادث القتل بدوافع طائفية في العاصمة بغداد من حوالي 800 في فبراير الماضي الى 400 في اغسطس.

*خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط») شارك في إعداد هذا التقرير كل من روبن رايت وآن سكوت تايسون وتوماس ريكس وجون سلومون