«الاتحاد الاشتراكي» المتضرر الأكبر من الانتخابات في المغرب

مني بهزائم في دوائر اعتبرها مسبقا مضمونة

TT

باستثناء معطى نسبة المشاركة المتدنية في الانتخابات التشريعية التي جرت بالمغرب أول من أمس، فإن مجلس النواب المقبل، لن يختلف إلا في حدود معينة عن المجلس السابق، وذلك استنادا إلى مؤشرات النتائج الأولية التي ظلت الداخلية المغربية تنشرها بالتقسيط، طوال يوم امس، على خلاف الأحزاب المشاركة، وخاصة تلك الفائزة بنصيب من الكعكة، التي وافت من يطلبها بنتائجها غير الرسمية المعتمدة على محاضر التصويت التي حررت بعد انتهاء عمليات الفرز في مختلف الدوائر، وتسلم نسخا منها مندوبوها ومراقبوها.

ويبدو أن أكبر المتضررين، وليس الخاسرين، من اقتراع يوم الجمعة هو حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي مني بهزائم في دوائر، اعتقد بالتمني أو الحساب السياسي الخاطئ، أن ناخبيها، سيجددون الثقة بمرشحي «الوردة»، شعار الحزب، كما تجلت الخسارة الثانية في إخفاق وزيرين منه في نيل ثقة الناخبين، بمدينة مكناس التي ينتميان لها، ويتعلق الأمر بمحمد الأشعري وزير الثقافة، ونزهة الشقروني الوزيرة المكلف الجالية المغربية المقيمة في الخارج، إضافة إلى خسارة ادريس لشكر، رئيس الفريق النيابي في المجلس في دائرة شالة بالرباط.

والأمر الوحيد الذي يمكن أن يخفف من وطأة الهزيمة النسبية، هو اخفاق الأحزاب اليسارية الصغيرة، وبعضها منشق عن الاتحاد، كونها ناصبته العداء السياسي، قبل الانتخابات أثناء إعداد القوانين الانتخابية حيث دعا الاتحاد الاشتراكي إلى التشدد في شروط مشاركة الأحزاب الصغيرة ورفع العتبة في اللائحة النسبية، مما جر عليه نقدا عارما من التشكيلات الصغيرة الطامحة بجموح نحو تجريب حظها، وكيلت إليه اتهامات الرغبة في احتكار المشهد الحزبي، بينما كان يرد على منتقديه أن الدافع يكمن في الرغبة في عقلنة العملية السياسية وتشجيع قيام التحالفات والتكتلات الانتخابية حتى لا يصاب المصوت الناخب بدوار أمام خليط من الأحزاب والألوان والأسماء والبرامج المستنسخة.

وإذا تأكدت مؤشرات النتائج غير الرسمية، فإن الاتحاد الاشتراكي، مرشح في أسوأ الاحتمالات للصف الرابع بعد أحزاب الاستقلال والعدالة والتنمية الأصولي المعتدل، والحركة الشعبية، التي لم تعد معبرة بالأساس عن الحساسيات الأمازيغية، بل اكتسحت عددا من الدوائر في المدن حيث كان حضور الاتحاد الاشتراكي لافتا وحيث يفترض أن الاختيار السياسي يقوم على معايير غير تقليدية.

ويتضاعف الإحساس بالخسارة، عند الاتحاد الاشتراكي، إذا ما قارن وضعه المستقبلي بذلك الذي ضمنه في انتخابات عام 2002 فعلى الرغم من أنه كان يتولى المسؤولية الرئيسية في الحكومة التي قادها أمينه العام السابق عبد الرحمن اليوسفي، فإن الحزب حصل على الرتبة الأولى في مجلس النواب كما حصل على الرتبة نفسها من حيث مجموع عدد الأصوات، فضلا عن نسبة المشاركة التي بلغت 52 في المائة، مما جعله يرفع عقيرته مطالبا بمنصب رئيس الحكومة، إعمالا لما سماه الحزب آنذاك في بيان شهير صدر عن مكتبه السياسي «المنهجية الديمقراطية» التي أصبحت فيما بعد مصطلحا سياسيا يوظف في غير محله من لدن أحزاب أخرى.

أدرك الاتحاد الاشتراكي المغربي، ولو متأخرا، التحولات العميقة الجارية في المجتمع، وحاول مجاراتها واللحاق بها قبل أن تطحنه عجلاتها، فبادر إلى الانفتاح على المجتمع، وفتح النوافذ على مصراعيها دون أن يهيئ برأي عدد من المنتسبين إليه، لتلك الخطوة التاريخية ويواكبها بما تستوجبه من شرح وإقناع، مما جعلها بدل أن تظهر ثمارها في الانتخابات الأخيرة، تلقى بمزيد من ظلال الالتباس على هوية الحزب ومساره ومآله، بل ظهر جليا أن الماكينة الحزبية المصنوعة من قطع غيار مختلفة وغير متآلفة ومشدودة إلى بعضها البعض، لم تعد قادرة على جر قاطرة الحزب بقوة دفع كافية، فقد أثقلتها المشاكل التنظيمية والخلافات بين المناضلين، فكان من الطبيعي أن يلقي كل ذلك بثقله على حركية الحزب، وهو ما ظهر جليا في الحملة الانتخابية التي مرت في شبه لامبالاة من الرأي العام المغربي.

وكما يقول الغاضبون على الاتحاد والمتعاطفون معه، فإن الحزب كان بإمكانه أن يظهر بعض التشدد والتعفف عن المغانم السياسية الظرفية، بأن يعود إلى المعارضة بعد انتخابات 2002، ما كان سيمكنه لو حدث ذلك، من الإبقاء على جذوة النضال متقدة في صفوفه وبين جماهيره، ينصرف آنذاك إلى تقوية صفوفه وإعادة تأهيل هياكله التي بدأ التآكل والصدأ يتسربان إليها من جراء مشاركته بنصيب وافر في حكومة التناوب الأولى التي لم تكن بنظر منتقديها في مستوى الطموحات الشعبية وانتظاراتها بل تركزت إنجازاتها في الشق السياسي في المقام الأول.

ويرد الاتحاديون الرسميون، على مثل تلك الانتقادات، بالقول إن القيادة الحزبية وجدت نفسها عام 2002 بين نار خيارين صعبين: إما الاستمرار في تجربة إنقاذ البلاد وتحقيق القدر الممكن من الإصلاحات وإنهاء الأوراش الكبرى، أو التخلي عن القطار في بداية الطريق وتركه للمجهول السياسي. ويضيفون لو كان الهدف سياسيا نفعيا، لما دافع الاتحاد الاشتراكي عن نظام الاقتراع الحالي الذي لا يمنحه هو أو غيره النصر الساحق، ما يعني أن الحزب لم يكن راغبا في الاستئثار باحتكار المشهد. غير أن الذي يحز في نفوس هؤلاء أكثر، هو موقف الطبقة الحزبية في مجملها، حيث حرصت كل فئة على تحقيق أكبر قدر من المكاسب والمغانم، بصرف النظر عما يتطلبه الانتقال الديمقراطي من تنازلات إن لم تكن تضحيات حتى تقوم المؤسسات الدستورية على أسس متينة وقوية. وربما يشتد عتاب الاتحاديين على التشكيلات اليسارية التي مدوا إليها الأيدي لتأسيس تكتل اشتراكي قوي، لكن دعواتهم قوبلت بآذان صماء، فقد بدا لكثير من الطامحين كرسي الزعامات فارغا.