الإمارات تدعو إلى تحرك روسي أكبر في الشرق الأوسط

بوتين: أميركا تلجأ للمواجهات العسكرية في تسوية القضايا بدلا من المباحثات

الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان يمنح الرئيس الروسي أرفع وسام في بلاده أمس (أ ف ب)
TT

في مسعى روسي للعب دور دبلوماسي أكبر في المنطقة، قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس بزيارة رسمية لدولة الامارات العربية المتحدة، استمرت يوما واحدا، وسط مطالبة إماراتية لافتة، أعلنها الرئيس الإماراتي الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، بتعزيز الدور الروسي والتحرك الدبلوماسي بالمنطقة. وتعد هذه الزيارة الأولى لرئيس روسي منذ استقلال الامارات في عام 1971، وثالث زيارة خليجية هذا العام بعد زيارته للسعودية وقطر اللتين زارهما في فبراير (شباط) الماضي.

وقالت مصادر إن المباحثات الإماراتية الرسمية، تناولت القضايا الإقليمية والدولية، وفي مقدمتها الملف النووي الإيراني وعملية السلام في الشرق الأوسط والأحداث الطائفية التي يشهدها العراق والوضع فيه. وسيواصل الجانب الروسي مساعيه من أجل تنفيذ فكرة إقامة مؤتمر دولي حول النزاع الفلسطيني والإسرائيلي بمشاركة جميع الأطراف بالمنطقة.

وأكد الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان أهمية التحرك الروسي في منطقة الشرق الأوسط «انطلاقا من موقفها الداعم والمساند لقضايا المنطقة التي لابد من إيجاد حل عادل وسلمي لها بما يضمن حقوق شعوبها»، منوها بالدور الذي تلعبه روسيا في دعم حقوق شعوب المنطقة في اجتماعات اللجنة الرباعية.

وروسيا عضو في اللجنة الرباعية الدولية في الشرق الأوسط والتي تشمل الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتسعى لاستعادة علاقاتها في المنطقة كما كانت أيام الاتحاد السوفياتي.

من جانبه، قال الرئيس الروسي، في تصريحات للصحافيين، إنه مازال متفائلا في إمكانية التوصل إلى اتفاق بين موسكو وواشنطن حول قضية المنظومة الأميركية للدفاعات المضادة للصواريخ، مؤكدا اختلاف مواقف روسيا والولايات المتحدة تجاه أسلوب تسوية الكثير من القضايا الدولية، متسائلا: هل تحل القضايا بالمواجهة العسكرية أم عن طريق المحادثات؟. وكشف عن رغبة بلاده اللحاق بالخطوة الأميركية، في إمكانية فرض قيود على الاستثمارات الأجنبية في الاقتصاد الروسي، وقال «الولايات المتحدة تبنت قانونا بهذا الشأن وتعكف بعض البلدان على مناقشة إمكانية إصدار مثل هذه التشريعات». وأبدى بوتين اهتمام ورغبة الشركات الروسية بالعمل في مجالي إنتاج النفط واستخراج الموارد الطبيعية والاستثمارات في الإمارات، مشيرا إلى أن بلاده مهتمة بتعزيز التعاون العسكري التقني مع دولة الإمارات العربية المتحدة.

وأثمرت الزيارة الرسمية الروسية على توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، في مجالات مكافحة الجرائم والخدمات الجوية والمواصفات والمقاييس والمشاورات السياسية وعلوم الفضاء للأغراض السلمية وفي مجال المصارف، واقتناء نظام خاص بالتصوير الفضائي وبالملاحة.

وكان من أبرز الاتفاقيات التي وقعها الجانبان، اتفاقية التعاون في مجال مكافحة جرائم الإرهاب والجريمة المنظمة وغسل الأموال وغيرها من الجرائم الخطرة، والتي وقعها عن الجانب الإماراتي الشيخ سيف بن زايد آل نهيان وزير الداخلية، ومن الجانب الروسي راشد نور جالييف وزير الداخلية، الذي قال للصحافيين إنه تم توجيه دعوة إلى الاختصاصيين في دولة الإمارات لحضور تدريبات في روسيا على مكافحة الإرهاب.

واضاف أن الاتفاقية ستتيح تحديد الساحة القانونية وحل القضايا في اتجاهي مكافحة الإرهاب والإجرام، «وإنها توفر لنا الأساس القانوني من أجل أن نستطيع تركيز نشاطاتنا، ويشكل إعداد الكوادر وإجراء التدريبات المشتركة للكوادر القيادية للأجهزة الخاصة أحد اتجاهات التعاون».

وتم التوقيع على اتفاق تسوية ديون الاتحاد السوفياتي السابق للإمارات، وتبلغ 580 مليون دولار، والتي قالت مصادر إنها تتضمن تسوية الديون المترتبة عن القرض الذي قدمه بنك أبوظبي الوطني للبنك المركزي السوفياتي حسب الاتفاقية الموقعة في سبتمبر 1991.

ووفقا للمصادر فإن روسيا تعول كثيرا على هذه الزيارة التي يقوم بها بوتين للامارات، خاصة في ظل وجود أكبر جالية روسية في منطقة الخليج والتي يبلغ تعدادها أكثر من عشرة آلاف روسي، فيما يزورها سنويا ما يقرب من 300 ألف سائح وزائر ، وتعمل في أسواقها نحو خمسمائة شركة ذات أصول روسية ومائتي شركة روسية إماراتية، و80 شركة روسية في مناطقها الحرة. وبحسب المصادر فإن تعزيز التعاون في المجالات الأمنية يعد هاجسا للامارات وروسيا في آن واحد، وهو ما انعكس على توقيع اتفاقية في مجال مكافحة الجرائم بين البلدين، مع احتمال قوي لتوقيع اتفاقية أمنية بين البلدين. ولم يفوت الرئيس الروسي زيارته هذه بدون إسداء الشكر والتقدير للشيخ خليفة بن زايد على تسهيل إنشاء كنيسة أرثوذكسية في دولة الامارات للجالية الروسية المقيمة فيها، التي تعد الأولى من نوعها في الامارات والخليج، مشددا على أن الامارات «مشهود لها بإيمانها بالتسامح وحوار الحضارات والتعايش بين الشعوب».

والكنيسة الأرثوذكسية الروسية الجديدة، وضع حجر أساسها أمس الأول في إمارة الشارقة، التي منحت حكومتها الأرض التي ستقام عليها الكنيسة، وتبلغ مساحتها أكثر من ألفي متر مربع وتتكلف نحو 30 مليون درهم.

وتخدم الكنيسة الروم الأرثوذكس المقيمين في الامارات ويصل عددهم نحو 100 ألف نسمة، ويمثلون عددا من أبناء الجاليات الروسية والأوكرانية وروسيا البيضاء وكازاخستان وأزبكستان ومولدوفيا ورومانيا وبلغاريا وصربيا على اعتبار أنهم من الروم الأرثوذكس.

وتقول المصادر إن روسيا تريد أن تلعب من خلال هذه الزيارات لدول الخليج دورا أكبر ووضع قدم لها في الدبلوماسية التي غابت عنها روسيا طويلا، إلا أن المصادر قالت أيضا ان روسيا لا تريد أن تربط علاقاتها مع دول الخليج بالعلاقات السياسية وايضا الأمنية، باعتبارها قاسما مشتركا، حيث ترغب روسيا في تعزيز تلك العلاقة بمصالح تجارية مشتركة، ومنها الطاقة النووية السلمية والاستثمار في قطاع الغاز والبتروكيماويات التي تعد روسيا من أكبر منتجيه في العالم.

في حين يسعى الجانب الإماراتي إلى جذب الاستثمارات الروسية المتخصصة في مجال الاتصالات وتقنية المعلومات التي تشهد تقدما كبيرا، فضلا عن رخص تكاليفها، إلى جانب إمكانية الاستفادة من التقنيات الروسية المتطورة في مجال نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد، والتي تكتسب أهمية شديدة في الكشف عن المصادر الطبيعية والمعادن في الصحراء وأهميتها في صناعة النفط والغاز وتطوير شبكة الطرق والمواصلات؛ خاصة مع ارتفاع عدد الأقمار الروسية إلى أكثر من 700 قمر صناعي.