قبل عامين تقريبا حاول الرئيس الاميركي جورج بوش أن يمنع حدوث تمرد في الكونغرس بشأن العراق عبر تقديم استراتيجية جديدة، قال انها ستكون مقدمة لتقليص في القوات الأميركية. وقد بدأ المسعى بخطاب في «الأكاديمية البحرية» للولايات المتحدة، حيث قاطعه طلاب البحرية بهتافات حماسية. وخلفه كان البيت الأبيض قد نصب لافتة كبيرة تحمل كلمات «خطة للنصر».
اما أمس، عندما يبدأ قائد القوات الاميركية في العراق الجنرال ديفيد بترايوس تقديم شهادته حول آخر خطة لسحب القوات، وهي عملية بطيئة قد تبدأ في ديسمبر (كانون الاول) المقبل، لم يتحدث أحد عن تحقيق النصر وانما عن الاستقرار فقط. ويتمثل جزء من الاستراتيجية هذه المرة في إبقاء بوش في الخلفية حتى وقت لاحق من الأسبوع، عندما يتوقع أن يلقي خطابا أمام البلاد يطرح فيه خطة معدلة، ويحدد اتجاها يأمل البيت الأبيض ان ينهي الاختلافات العلنية غير المألوفة بين المستشارين العسكريين للرئيس حول مدى الجهد والدم الذي يتعين استثماره في الحرب.
ومما لا ريب فيه أن بوش ما يزال يعتقد بقوة أن المشروع العراقي يمكن إنقاذه. وأثناء زيارته الى محافظة الأنبار الأسبوع الماضي استخدم كلمة «النجاح» ست مرات. ولكن نمط «النصر» الذي وصفه في نوفمبر (تشرين الثاني) 2005، عندما أطلق النائب جون مورثا أولى الدعوات الديمقراطيين للخروج من العراق، لم يعد يناقش باعتباره الهدف.
وفي ذلك الوقت حدد تقرير «الاستراتيجية القومية للنصر في العراق» النصر بلائحة من الأهداف المتوسطة المدى والبعيدة المدى التي يؤدي انجازها، حسب قوله، الى سحب القوات. وكان من بين الأهداف القريبة المدى «تلبية المعايير السياسية، وبناء المؤسسات الديمقراطية، وإعداد قوات أمن نشطة لجمع المعلومات الاستخباراتية وتدمير الشبكات الارهابية والحفاظ على الأمن، واجراء الاصلاحات الاقتصادية الأساسية لإرساء أساس اقتصاد متين».
ويعترف عدد من كبار مسؤولي الادارة بأنه سيتعين على الجنرال بترايوس والسفير الاميركي في بغداد رايان كروكر، ان يقولا انه بعد عامين واستراتيجيتين ما زالت تلك الأهداف تبدو بعيدة؛ وهي النقطة الوحيدة المشتركة المتفق عليها في عاصفة التقارير الاخيرة من المؤسسات الحكومية والأوساط الاستخباراتية وهيئات الخبراء الأجانب. وقال مسؤول رفيع في الادارة الأسبوع الماضي ان «كروكر هو الذي يواجه المهمة الأكثر مشقة. ويمكن أن يجادل بترايوس بأنه وصل الى مكان ما، ولكن تحقيق المصالحة قضية أصعب بكثير».
وقال مسؤولون في الادارة وبعض المراقبين الخارجيين، ان مهمة الجنرال بترايوس تتمثل في استخدام مصداقيته بين الديمقراطيين والجمهوريين لتقديم قضية لن يكون بوسع الرئيس ان يقوم بها دون دعم. ثم يأتي الجزء الصعب: تهدئة بوش، الرجل الذي يتمرد في إطار موقفه الراسخ، وإخراجه من أغلال تصريحاته المتفائلة الماضية حول ما يجب انجازه.
وقال بوش، حسب ما جاء في سيرته الذاتية التي كتبها روبرت دريبر ونشرت مؤخرا تحت عنوان «مؤكد تماما»، انه يجب ان يبدو متفائلا، لأن شخصيته متفائلة بطبعها ولأنه ما من أحد سيتبع رئيسا مثقلا بشكوك معلنة.
وحديث بوش حول «النصر» او «النجاح» يتعارض مباشرة مع التقييم الواقعي لتقارير مجلس الاستخبارات الوطنية الاميركية، التي يعتزم الديمقراطيون إثارتها خلال جلسات هذا الاسبوع. واستمع بوش خلال الايام القليلة الماضية الى هيئة الأركان المشتركة للجيش الاميركي، التي تشعر بالقلق إزاء امكانية الاستمرار في العمليات الحالية، كما استمع ايضا الى مخاوف الأدميرال ويليام فالون، قائد القياد المركزية، الذي يرى ان الولايات المتحدة ربما لا تكون جاهزة للدخول في مواجهات اخرى، بما في ذلك احتمال الدخول في مواجهة مع ايران، في ظل عدم تخصيص موارد كافية للقوات الاميركية في العراق. وكان مسؤول رفيع في الادارة الاميركية قد ابدى دهشته إزاء استمرار بوش وقدامى مساعديه في التمسك برؤيتهم وتصريحاتهم السابقة حول كيف ان النجاح في العراق سيؤدي الى إحداث تحول في منطقة الشرق الاوسط. وقال مسؤول رفيع سابق جرى استدعاؤه لتقديم استشارات للبيت الأبيض في الآونة الأخيرة، انه يخشى من ان طهران، وليس الولايات المتحدة، هي التي سيكون لها النفوذ الاكبر على الأحداث في العراق. إلا ان الرئيس بوش ربما يجد نفسه قادراً على سرد بعض الانجازات. ففي مقابلات أجريت معهم في الآونة الاخيرة، أشار مساعدون للرئيس بوش الى الحجة التي سيسوقها، وهي تتلخص في ان التقدم الذي أحرزه الجنرال بترايوس في بعض المحافظات، حيث انقلب العرب السنّة على «القاعدة»، سيؤثر تدريجياً وببطء على السياسة وعلى احتمالات المصالحة في بغداد على المستوى الوطني. كما سيطرح بوش حجة مفادها ان التغيير الذي حدث وسط السنّة في العراق قد أتاح فرصة يجب ان تستغلها الولايات المتحدة، وهي حجة نجحت فيما يبدو في إقناع بعض الجمهوريين المترددين في مجلس الشيوخ. وفيما لم يتضح بعد ما سيقوله بوش في خطابه الى الاميركيين، من الواضح انه لن يصر قبل عودة القوات الاميركية الى الولايات المتحدة على الحديث عن «انتصار» على النحو الذي استخدم به هذه الكلمة عام 2005. ويقول مسؤولون ان ثمة ما هو مشابه لحديث الرئيس الاسبق ريتشارد نيكسون حول «السلام بشرف» أثناء حرب فيتنام أعيدت كتابته وجرى تجديده لاستخدامه في الحديث حول حرب مختلفة تماما. وفي الاسابيع الماضية، بدأ الديمقراطيون يتراجعون عن الخطط التي طرحوها مطلع صيف هذا العام ليدفعوا مجددا باتجاه تحديد جدول زمني لسحب القوات الأميركية عقد شهادة بترايوس أمام الكونغرس. رغم ذلك، سيكون الاسبوع الحالي اسبوعا حاسما. فقبل اسبوع واحد كانت تدور الخطابات الرئاسية والشهادات العسكرية حول الحاجة الى المحافظة على ما تحقق من مكاسب أمنية وإضافة قوات عسكرية. ولكن ابتداء من أمس، بدأت الحجج والمناقشات اكثر تركيزا على مدى السرعة والحذر في خفض حجم القوات الاميركية في العراق فضلا عن الحديث حول وجود القوات من الأساس في بلد تقر حتى غالبية مرشحي الحزب الديمقراطية للرئاسة انه يتطلب وجودوا عسكريا اميركيا على مدى سنوات مقبلة.
*خدمة «نيويورك تايمز»