خادم الحرمين يرعى مؤتمر المصالحة الوطنية الصومالية

قال إن الاتفاق فجر مشرق يحمل الازدهار لأبنائه ويعزز السلام بين الصومال وجيرانه

خادم الحرمين الشريفين والرئيس الصومالي عبدالله يوسف أحمد (واس)
TT

برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، عقدت مساء أمس بقصر المؤتمرات في جدة الجلسة الختامية لمؤتمر المصالحة الوطنية الصومالية التي شارك فيها الرئيس الصومالي عبد الله يوسف أحمد ورئيس البرلمان آدم محمد نور ورئيس الوزراء علي محمد جيدي ورئيس لجنة المصالحة الوطنية علي مهدي محمد ومشايخ القبائل وممثلو الفصائل وكبار الشخصيات الصومالية.

وأكد خادم الحرمين الشريفين، أن بلاده عاشت مأساة الصومال وشعبه يوما بيوم وشهرا بشهر وسنة بسنة، مبينا أن المملكة العربية السعودية بذلت كل الجهود للوصول إلى حل «ليسدل الستار على صفحة دامية وماضية»، معربا عن تفاؤله بأن اتفاق الصوماليين من شأنه أن يكون «فجرا مشرقا يحمل الازدهار لأبنائه، ويعزز السلام بين الصومال وجيرانه».

جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها مساء أمس خلال رعايته الجلسة الختامية ومراسم توقيع وثيقة المصالحة بين الفرقاء الصوماليين، وذلك بحضور الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد.

واستهل خادم الحرمين الشريفين كلمته بالآية الكريمة «إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم» وقال: «أيها الإخوة قادة الصومال الشقيق يسعدني أن أرحب بكم في وطنكم الثاني وأتقدم اليكم بالتهنئة بهذا الإنجاز التاريخي الذي تحقق في الصومال للمأساة التي عاناها عبر السنوات الماضية». وأضاف «لقد عشنا معاناتكم يوما بيوم، وشهرا بشهر، وسنة بسنة، بذلنا كل الجهود للوصول الى حل مع الاخوة والاصدقاء، حتى يسر الله في هذا الشهر إلى اتفاق يسدل الستار على صفحة دامية ماضية».

وقال الملك عبد الله مخاطبا الفرقاء الصوماليين «إن الوصول إلى اتفاق خطوة أولى لا بد أن يعقبها عمل دائم وجاد»، وأضاف «انني متفائل بأنكم قادرون وبعون الله أن تجعلوا الاتفاق فجرا مشرقا يحمل الازدهار لأبناء الصومال ويعزز السلام بين الصومال وجيرانه».

وتأتي رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، مراسم توقيع وثيقة المصالحة بين الفرقاء الصوماليين، تتويجا لنتائج مؤتمر المصالحة الوطنية بين الفرقاء في ذلك البلد الافريقي، والذي عقد في أواخر أغسطس (آب) الماضي في العاصمة الصومالية مقديشو.

من جانبه قال الرئيس الصومالي عبد الله يوسف أحمد في كلمته «إنني باسمي وباسم الشعب الصومالي وحكومته أحمل لكم ولآل سعود والشعب السعودي الشقيق كل آيات الحب والإجلال والتقدير لما قدمتموه لنا من مساعدات أخوية سخية أتتنا في وقت كانت فيه الحاجة إليها ماسة وملحة وضرورية.. فقد كانت طوق النجاة لإنقاذ الغريق الذي يتفرج عليه الجميع ولا من مغيث».

وأكد أن العلاقات بين المملكة العربية السعودية والصومال «هي علاقة دم ودين وهي علاقة انتماء وعلاقة تاريخ أزلية تجمعنا فيها إرادة الله سبحانه وتعالى في السراء والضراء، كما يجمعنا الدين الإسلامي الحنيف والجوار والمصير المشترك وكل وشائج القربى الحميمة».

وقال «نحن إذ نتطلع إلى إعادة البناء والتعمير للمدن والمدارس والمعاهد والجامعات والبنى التحتية والإدارية التي تهدمت، فإننا بعون الله تعالى وبمساعدة كل جهود أبناء الشعب الصومالي سنتغلب على جميع الصعاب لنجعل من الصومال بلدا جميلا وقويا ضد الإرهاب والفئات الضالة».

وأضاف قائلا «أخي خادم الحرمين الشريفين، بحمد الله تعالى وتوفيقه قامت بعض الدول الأفريقية التي استجابت لمساعدتنا من دون قيد ولا شرط وبالاتفاق مع الاتحاد الأفريقي من منطلق تفهمها للخطر الذي يهددنا ويهددها في آن واحد ولمعرفتها بالأخطار التي يمكن أن تنتج من أمثال هؤلاء الخوارج لو استولوا على الصومال لا قدر الله وتمكنوا من وأد الحكومة الوليدة فإن وجود هؤلاء الخوارج سيكون بالتالي وبالا على الأمة الإسلامية والعربية والأفريقية والأسرة الدولية، لذا ومن باب الحذر ومن باب أن الوقاية خير من العلاج، وقفت تلك الدول إلى جانبنا بعد أن طلبنا مساعدتها بصفة رسمية ولهم منا الشكر الجزيل». وقال «إننا في هذا الإطار، ولتعزيز عملية المصالحة الوطنية الشاملة سعيا لتحقيق السلام والاستقرار وإعادة بناء وطننا على أسس وطنية راسخة، فإننا ندعو من هذا المنبر إلى إرسال قوات عربية أفريقية مشتركة تحت قيادة الأمم المتحدة لتتولى هي مسؤولية حفظ السلام والأمن في الصومال. ونأمل من جميع الإخوة الصوماليين دعم هذا النداء».

وأكد الرئيس الصومالي أنهم استطاعوا إقامة مؤتمر كبير ومهم للمصالحة الوطنية من القاعدة إلى القمة ومن القمة إلى القاعدة، ولبى النداء الذي وجهته الدولة إلى كافة أبناء الشعب الصومالي كل زعماء العشائر ونوابهم وكل الرجال والنساء ورجال الأعمال والسياسيين والشباب ورجال الدين الشرفاء والمثقفون ولفيف من المغتربين الصوماليين.

وبين أن تعداد المشاركين بلغ حوالي 3000 شخص من بينهم بعض الفئات التائبة من الضالين والذين استولى على عقولهم بعض المضللين المنحرفين عن الشريعة الغراء، وقال «أخي خادم الحرمين الشريفين لقد نجح المؤتمر نجاحا باهرا ومنقطع النظير بحمد الله تعالى وتوفيقه، والدليل على ذلك هو وجود هذه الجموع التي لبت دعوتكم الكريمة لأداء العمرة في بيت الله الحرام والسلام عليكم والاستماع والإصغاء إلى نصائحكم وتوجيهاتكم السامية لكي يقسم الجميع أمام الله وأمامكم على ما اتفقوا عليه في مؤتمر المصالحة الوطنية الذي عقد، ولأول مرة، في داخل البلاد. وليس هذا فحسب وإنما تقع أهمية هذا المؤتمر بأنه عقد في العاصمة مقديشو التي كانت عبارة عن عش الدبابير للفئات الضالة والمضلة والذين سينصرنا الله عليهم بعون الله وبتكاتف الجماهير الصومالية العريضة مع قواتها المسلحة ومع القوات الصديقة التي لبت دعوتنا».

وأضاف الرئيس عبد الله يوسف أحمد «لقد قرر أعضاء مؤتمر المصالحة الوطنية الصومالية أن يستمر المؤتمر وأن ينعقد في الريف والبادية والقرى والنجوع النائية حتى تصل قراراته وتوصياته إلى جميع أبناء الشعب الصومالي وذلك يتطلب جهدا ماديا ومعنويا نرجو أن تساهموا معنا فيه كما عودتمونا دائما».

وقال «أخي خادم الحرمين الشريفين، كلنا أمل أن يكون الصومال نصب أعينكم وفي قلبكم وعقلكم باعتباره امتدادا وعمقا للمملكة العربية السعودية، إذ أن أمننا هو أمنكم وأمن اليمن وأمن دول الخليج كافة وأمن مصر والجزائر والمغرب، وعليه فإننا نعلق آمالا عراضا عليكم وعلى هذه البلدان الشقيقة لدعم وتعزيز أمن واستقرار الصومال وحمايته من المعتدين والعابثين بمقدرات الشعب الصومالي ليكون الصومال مجدداً سياجاً استراتيجياً لأمن المنطقة وعامل استقرار ورافدا لتقدم شعوبها».

هذا وقد رحبت المملكة العربية السعودية بطلب الأطراف الصومالية المعنية بمؤتمر المصالحة الوطنية في الصومال الشقيق مساعدة المملكة على إتمام وإنجاز ما توصلوا إليه من اتفاق للمصالحة واستضافة ورعاية مراسم توقيع الاتفاقية.

وقد تم توقيع الاتفاقية من قبل الأطراف المعنية في رحاب المملكة، وبرعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أمس الأحد السادس عشر من سبتمبر (أيلول) 2007، وذلك انطلاقا من حرص خادم الحرمين الشريفين الشديد على استقرار الصومال الشقيق وتحقيق أمنه وازدهاره.

والمملكة إذ تعلن مباركتها لهذا الإنجاز المهم، تناشد الأطراف المعنية كافة أن تلتزم بما تم الاتفاق عليه وأن تدعم التأكيدات الصادرة عن فخامة الرئيس الصومالي باستبدال القوات الأجنبية بقوات عربية وأفريقية تحت إشراف الأمم المتحدة بما يضمن بعون الله استقرارا ومستقبلا زاهرا للصومال الشقيق.

إلى ذلك أعرب محمد محمود جوليد (جعمديرى) وزير الداخلية الصومالي عن تفاؤله بدخول السعودية على خط الجهود الرامية إلى حل الأزمة الصومالية وإيجاد تسوية سياسية شاملة لها، فيما رحبت المنظمات الإقليمية والعربية بالجهود السعودية لدفع عملية المصالحة الوطنية في الصومال عبر استضافة توقيع كل الفرقاء الصوماليين على اتفاقية تتضمن نتائج مؤتمر المصالحة الوطنية الذي عقد أخيرا ولمدة 45 يوما في العاصمة الصومالية مقديشيو.

وقال جعمديرى لـ«الشرق الأوسط» إن «الاهتمام الذي يوليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لتحقيق المصالحة وإعادة الأمن والاستقرار للصومال محل احترام وتقدير كافة طوائف الشعب الصومالي».

وأوضح جوليد أن التدخل السعودي في مرحلة التوقيع على ما تم التوصل إليه من تفاهمات واتفاقيات خلال مؤتمر المصالحة الوطنية يعيد إلى الصوماليين ما افتقدوه من اهتمام عربي على المستويين السياسي والاعلامى. وقال «من حسن الحظ أننا سنوقع نتائج ما توصلنا إليه في مقديشو بالأراضي المقدسة وخلال شهر رمضان المبارك، إنها مشاعر روحية ودينية رائعة نتمنى أن تنعكس إيجابا على مستقبل الأوضاع لاحقا في الصومال». وقال بيلارد جون كريستوف مسؤول ملف الصومال في الاتحاد الأوروبي «إن الاتحاد الأوروبي يدعم هذه الجهود المفيدة جدا»، مشيرا إلى أن الاتحاد الأوروبي كان على اتصال مستمر مع المسؤولين في السعودية للتشاور حول ما ينبغي فعله تجاه هذه الدولة التي دمرتها الحرب الأهلية الطاحنة التي اندلعت منذ نحو 16 عاما.

واعتبر بيلارد في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من مدينة جدة السعودية التي وصلها أمس أيضا للمشاركة في حفل التوقيع على اتفاق نتائج مؤتمر المصالحة الصومالية، أن النفوذ السياسي للسعودية بالإضافة إلى مكانتها الدينية والروحية سيؤثر بشكل ايجابي في مسار عملية المصالحة الوطنية.

وأشار إلى أن الدور السعودي محل إجماع سواء بين الفرقاء الصوماليين أنفسهم أو بين جميع الأطراف المعنية بملف الأزمة الصومالية. وقال «إن قيادة السعودية ورئاستها للدورة الحالية لمؤسسة القمة العربية تمنحها أيضا زخما إضافيا في هذا الإطار». وكان مبعوث المفوضية الأوروبية لشؤون الصومال قد زار السعودية في وقت سابق من العام الجاري ضمن جولة عربية وإقليمية دامت نحو الشهر للتعرف على وجهات نظر المختلفة إزاء الوضع في الصومال.

إلى ذلك، قال مسؤول بالجامعة العربية لـ«الشرق الأوسط» «إن استضافة السعودية لقيادات العمل الوطني الصومالي تأتي في إطار تنفيذ مقررات القمة العربية العادية التاسعة عشرة التي استضافتها السعودية خلال شهر مارس (آذار) الماضي»، موضحا أن «القرار الذي اتخذته القمة رحب آنذاك بالدعوة الكريمة الموجهة من المملكة العربية السعودية (رئيسة القمة العربية الحالية) إلى اللجنة الوزارية الخاصة بالصومال بعقد اجتماعها القادم في جدة، بمشاركة الحكومة الانتقالية الصومالية، والقوى السياسية والأهلية والدينية والمدنية الصومالية، من أجل النظر في أفضل الوسائل المناسبة لإسراع عملية المصالحة الوطنية الصومالية، والطلب من الأمانة العامة، بالتنسيق مع الجهات المعنية بوزارة الخارجية السعودية، اتخاذ ما يلزم من إجراءات، بما في ذلك إجراء المشاورات اللازمة مع كافة الأطراف ذات العلاقة، لضمان نجاح ترتيب عقد هذا الاجتماع في أقرب وقت ممكن».

من جهة أخرى، علمت «الشرق الأوسط» أن الحكومة الصومالية الانتقالية التي يترأسها علي محمد جيدي تدرس حاليا إمكانية التقدم بطلب إلى منظمة الأمم المتحدة والشرطة الدولية (الانتربول) لمساعدتها في توقيف معظم الأعضاء الـ191 الذين تم الإعلان عن انتخابهم أخيرا في ختام المؤتمر الذي عقدته المعارضة الصومالية في العاصمة الاريترية، أسمرة، تحت عنوان «تحرير الصومال وإعادة تكوينه».

وقالت مصادر مقربة من جيدي لـ«الشرق الأوسط» إن حكومته تجهز حاليا لملفات وثائقية تتضمن اتهامات مباشرة لمعظم أعضاء تحالف المعارضة الصومالية الجديد بالتورط في جرائم حرب ضد مدنيين وأنشطة إرهابية، لافتة إلى أن القائمة ستضم كل قيادات المعارضة بما في ذلك كبار مسؤولي المحاكم الإسلامية (الشيخين حسن طاهر أويس ومساعده شريف شيخ أحمد الذي تم انتخابه رئيسا لتحالف المعارضة) إضافة إلى أعضاء ورئيس البرلمان السابق الذين انشقوا على الحكومة بعد نجاح القوات الإثيوبية والصومالية فى الإطاحة بميليشيات المحاكم الإسلامية نهاية العام الماضي.

وأوضحت المصادر أن هذا التحرك يستهدف تضييق مجال الحركة أمام المعارضة الصومالية في المرحلة المقبلة وبهدف حرمانها من محاولة الحصول على أي دعم اقليمي أو خارجي لتحقيق ما اتفق عليه مناوئو السلطة الصومالية من تفاهمات. وكشفت المصادر النقاب عن أن الحكومة الصومالية بصدد الطلب من المجتمع الدولي مساعدتها على اعتقال مجموعة أسمرة بتهمة ارتكاب جرائم حرب وانتهاكات واسعة ضد حقوق الإنسان فضلا عن احتمال تورطها في عمليات إرهابية تشنها جماعات المعارضة ضد قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي.

وأوضحت أن حكومة جيدي ستطلب أيضا في نفس الإطار من منظمة دول هيئة التنمية الحكومية (الإيقاد) توقيف أي من معارضي السلطة الصومالية لدى محاولتهم عبور أراضي دولها على غرار مشروع قانون جرى تفعيله لفترة قصيرة العام الماضي ضد أمراء الحرب وزعماء الميليشيات المناوئين للشرعية الدستورية فى البلاد.