مسؤول صومالي لـ«الشرق الأوسط»: تفاصيل الاتفاق ظلت طي الكتمان حتى اللحظات الأخيرة منعا للتشويش

الاتحاد الأوروبي ومصر والجامعة العربية تطالب باحترام الاتفاق والوفاء بالتزاماته

خادم الحرمين الشريفين والأمير سلطان يحضران الجلسة الختامية من مؤتمر المصالحة الوطنية الصومالية في جدة أمس (واس)
TT

ربما كانت إحدى المرات النادرة والقليلة على الإطلاق التي يجتمع فيها رؤساء ترويكا السلطة الانتقالية الصومالية خارج بلادهم التي تعاني حربا أهلية طاحنة منذ نحو 16 عاما.

برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز مثل حضور الرئيس الصومالي عبد الله يوسف ورئيس وزرائه علي محمد جيدي ورئيس البرلمان المؤقت آدم نور مادوبي لمراسم التوقيع في مدينة جدة السعودية أول من أمس على نتائج مؤتمر المصالحة الوطنية الذي عقد على مدى ستة أسابيع في العاصمة الصومالية مقديشو، مثّل حدثا تاريخيا بكل المقاييس لرؤساء أجهزة الترويكا التي تتولى السلطة في الصومال منذ شهر سبتمبر (أيلول) عام 2004.

ولم يسبق على الإطلاق أن اجتمع الرؤساء الثلاثة (يوسف وجيدي ومادوبي) معا خارج الصومال منذ تشاركهم في الحكم لأسباب تتعلق بدواعي الأمن أو تضارب المواعيد والالتزامات، لكن جدة كانت وحدها قادرة على أن تفرض على الجميع الاستماع إلى لغة المنطق والتاريخ.

المراقبون فوجئوا بالسرعة الفائقة التي تم بها التوقيع على التفاهمات التي تم التوصل إليها في مؤتمر المصالحة بعدما اعتقد الجميع أن وصول الوفود الصومالية يعني الدخول في مفاوضات جديدة أو عقد محادثات جماعية لعدة أيام.

وطبقا لرواية مسؤول صومالي رفيع المستوى لـ«الشرق الأوسط» فان التحضيرات كانت جارية على قدم وساق بين السلطات السعودية والسلطة الصومالية، لافتا إلى أن موعد التوقيع ومكانه كانا مرهونين بدعوة سعودية رسمية تحددهما عقب اختتام أعمال المرحلة الأولى من مؤتمر المصالحة في مقديشو.

وروى المسؤول الذي طلب عدم تعريفه أن رئيس الحكومة الانتقالية علي محمد جيدي الذي زار السعودية خلال شهر يوليو (تموز) الماضي، قد استمع من كبار المسؤولين السعوديين الذين التقاهم إلى تفاصيل مبادرة سعودية محددة في هذا الإطار لدعم عملية المصالحة الوطنية وإبراز الاهتمام العربي بعودة الاستقرار والسلام إلى الصومال وطي صفحة الحرب الأهلية الأليمة.

وقال المسؤول الصومالي أن جيدي أثنى على المبادرة السعودية ورحب بها على الفور وأبدى استعداده لإنجاحها بالتعاون مع مختلف الفرقاء الصوماليين، مشيرا إلى أن توقيت ومكان التوقيع على اتفاق جدة ظل طي الكتمان حتى اللحظات الأخيرة لضمان عدم حدوث أي تشويشات عليه ولمراعاة الظروف الأمنية الخاصة بانتقال رؤساء الترويكا الثلاثة مرة واحدة إلى خارج البلاد على هذا النحو.

وقال المسؤول أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز سبق أن أبلغ جيدي عزم السعودية على تقديم كل المساعدات الممكنة لإنجاح الحوار الوطني بين مختلف الفرقاء الصوماليين في إطار التزام السعودية بمساعدة الأشقاء العرب قدر المستطاع على إيجاد حلول لمشاكلهم السياسية الراهنة.

من جانبها دعت مصر على لسان وزير خارجيتها أحمد أبو الغيط كافة الأطراف الصومالية إلى مواصلة الجهد من أجل استكمال المصالحة الوطنية الشاملة، وبناء توافق وطني حول خريطة طريق سياسية تصل بالصومال إلى بر الأمان عقب انتهاء المرحلة الانتقالية.

وأكد أبو الغيط أن المرحلة القادمة من مسيرة عملية المصالحة الوطنية في الصومال هي الأكثر أهمية وتحديا، لا سيما أنها ستتطرق إلى موضوعات تمس مستقبل الأوضاع السياسية والأمنية في الصومال خلال المرحلة الانتقالية لحين عقد الانتخابات عام 2009 وتشكيل حكومة وطنية على أساس دستور دائم. ورحبت الجامعة العربية أمس بما تم التوقيع عليه في اتفاق جدة بين رؤساء ترويكا السلطة الصومالية الثلاثة ونحو 300 يمثلون مختلف العشائر والقبائل ومنظمات المجتمع المدني المشاركة في مؤتمر المصالحة الرئيسي في مقديشو.

وقال سمير حسني مسؤول ملف الصومال لدى الجامعة العربية لـ«الشرق الأوسط» أن الجامعة العربية إذ تشيد بالدور الايجابي الذي تلعبه السعودية في هذا الإطار، فإنها تثني بشدة على مجهودات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لتمكين الصوماليين من التوقيع على تفاهمات تلزمهم احترام ما تم التوصل إليه آنفا في مؤتمر المصالحة الوطنية.

واعتبر أن استضافة جدة لمراسم التوقيع حدث ايجابي ومهم ومن شأنه المساهمة في تحقيق الوحدة الوطنية الصومالية، لافتا إلى أنه ما زالت هناك خطوات أخرى يتعين على الفرقاء الصوماليين القيام بها للوصول إلى حل سلمي وسياسي مقبول للمعضلة الصومالية.

ونفى حسني أن تكون الجامعة العربية مغيبة عما جرى في جدة، وقال إن السعودية التي تترأس الدورة الحالية لمؤسسة القمة العربية كانت ممثلة لجميع الدول العربية بهذه الصفة، معربا عن أمله في أن يحترم الذين وقعوا على اتفاق جدة هذا الاتفاق والأجواء السياسية والروحانية التي سادته وكونه يعقد في شهر رمضان المبارك على الأراضي المقدسة.

من جهته قال جون بيرد كريستوف مبعوث المفوضية الأوروبية لشؤون الصومال إن السعودية تستطيع ويجب أن تلعب دورا حيويا ومحوريا في المرحلة المقبلة عندما يكتمل تحقيق المصالحة الوطنية الكاملة في الصومال.

وأعرب بيلارد الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» هاتفيا من جدة بعد مشاركته في حفل التوقيع على نتائج مؤتمر مقديشو انه سعيد للغاية لحرص السعودية على دعوته للمشاركة في هذه المناسبة، آملا من جميع الصوماليين الوفاء بتعهداتهم.

وفي الإطار نفسه رأى جورجيس مارك اندري المبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي في الصومال أن ما حدث في جدة هو أمر ايجابي للغاية وسيكون له تأثير فعال على الإسراع في ترتيبات مؤتمر المصالحة الوطنية الصومالية.

وقال جورجيس في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط» من إحدى العواصم الأوروبية حيث يقضى أجازة عمل حاليا قبل أن يعود إلى مقره الرسمي في العاصمة الكينية نيروبي بحلول السادس والعشرين من الشهر الجاري، أن المرحلة المقبلة ستشهد مزيدا من التنسيق والتشاور بين السعودية والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية في إطار الجهود الإقليمية لحلحلة الأزمة الصومالية.