الطائفية تحول العراق إلى بلد آخر

تسببت في هجرة إجبارية للسكان تاركين ذكريات طفولتهم للنسيان

عراقي نازح يتفحص ألبوم ذكرياته في بلدته («نيويورك تايمز»)
TT

عصف العنف بعائلة محمد في ديسمبر (كانون الاول) الماضي آخذا معه الأب والبيت وكل الممتلكات صبيحة ذلك النهار البارد. لكن بعد هروب عائلة محمد بدأ العنف بالتلاشي وعادت الحياة الهادئة والعادية لها. والآن ما عاد أفراد هذه العائلة يخفون اسمهم الأخير الذي يشير إلى كونهم شيعة والبنت الكبرى ما عادت تضع غطاء الرأس، وما عاد التسوق فعلا متحديا للقتل.وعلى الرغم من أن مغادرة منطقتهم كان مؤلما، فإنهم ما زالوا يفكرون بذلك المشهد حينما راح شبان من المنطقة يطلقون النار على الأب بينما كان أبناؤه يراقبون المشهد. ولاحقا أخذ هؤلاء الرجال البيت. قالت رسل البنت الكبرى: «أنا فقدت كل شيء في لحظة واحدة. أنا لا أعرف من أنا. أنا شخص آخر». إنهم أفراد متعلمون وقالوا إنهم لا يريدون الانتقام، لكن افراد عائلة محمد أصبحوا لا يتقبلون الآخرين بسبب العنف. وقالت رسل: «في الماضي كان البلد يعيش معا لكن الآن لا. أنا لا أثق بأي شخص».استمر العراقيون في الهرب من بيوتهم خلال فترة زيادة القوات الأميركية الذي بدأ هذه السنة، وعلى الرغم من التطمينات بأن الوضع أصبح آمنا للعودة إلى بيوتهم، أصبحت تلك الخطوط غير القابلة للعبور قائمة في أذهان العراقيين وفي المناطق المختلفة. كذلك بدأت المدارس والمستشفيات ومباني البلديات تفقد تنوعها، بل حتى العراقيين المعتدلين مثل أسرة محمد يقولون إنهم لا يمكنهم تخيل العودة إلى منطقتهم.

وعلى العكس من ذلك، يمتلك هاشم، 14 سنة، والساكن في شمال غربي بغداد، حسا قويا بالانتماء إلى الطائفة الشيعية. وفي نادي كرة القدم لا يوجد لاعب غير شيعي، وفي مدرسته يشكل الشيعة ثلاثة أرباع عدد الطلبة. وهو يتجنب ذكر نكتة حول سياسي سني لأن ذلك قد يؤذي مشاعر الصبيان السنة في مدرسته. وقال أثناء جلوسه على كنبة في غرفة الضيوف في منطقة ذات أغلبية شيعية: «في السابق كان أمرا معيبا أن تقول إنك سني أو شيعي. لكننا الآن نعرف». وتبنت مدرسته أسلوبا من العقاب الجديد يتناسب مع المتطلبات الطائفية: يطرد كل طالب لثلاثة أيام إن هو جادل في قضية تخص الدين. لذلك فحينما تخاصم مع صبي سني كان يردد تعابير شوفينية ضد الشيعة أبعد كلاهما من المدرسة ولم يقل أي منهما سبب النزاع. قتل والد رسل حينما كان يضع مقتنيات الأسرة في سيارات من أجل مغادرة الدورة الواقعة في جنوب بغداد والتي يسيطر عليها الإسلاميون السنة. ولم يكن بإمكان أفراد العائلة أن يعودوا أبدا إلى مسكنهم على الرغم من أن جارا زارهم بسيارته في منطقتهم ذات الأغلبية الشيعية ببغداد، وهم فقدوا كل ماضيهم ألبومات الصور واليوميات والموروثات. أما رشيد حميد السني الكردي، فقد أجبر على مغادرة بيته هذا الصيف في البياع الواقعة في جنوب بغداد وانتقل هو وأسرته إلى سورية طلبا للسلامة. وفي بغداد تمكن من الحفاظ على بعض الأثاث بمساعدة جيران لهم علاقات برجال من الميليشيا الشيعية. وعاد ليأخذها وينقلها إلى سكنه الجديد. قال حميد مشيرا إلى الأثاث: «هم دمروا كل حياتي. ما هو السبب؟ لا ندري. ما هي جريمتنا؟».

*خدمة «نيويورك تايمز»