حماس تعيد تسمية منتجعات غزة وتفرض رسوما لتمويل نفسها

الزهار يريد محاكمات عسكرية لمسؤولي فتح السابقين

TT

ظل منتجع Flower of the Cities (زهرة المدائن) على مدى سنوات مكانا نادرا في قطاع غزة . أما الآن فإن سلطات حركة حماس حولت الأكواخ الصغيرة على شاطئ غزة الى غرف للصلاة، كما يعكس وضع النشاطات التي كانت سائدة في شاطئ غزة كيفية تعزيز حماس لسلطتها في بعد حوالي ثلاثة شهور من استيلائها على السلطة في القطاع. منظر اللحية والنقاب أصبح مألوفا في النادي، الذي اضرمت فيه حماس النار في يونيو (حزيران) خلال عمليات تعقبها لعناصر فتح في الشوارع. أعيدت تسمية المنتجع وبات يطلق عليها الآن «منتجع الأقصى»، كما بات له شعار جديد يظهر عليها مجمع المسجد الأقصى في القدس. ويفرض أتباع حماس مبلغ 2.5 دولار على الدخول. لم يعد لارتداء لباس البحر وجود منذ استيلاء حماس على غزة وتركت مسؤولية الشاطئ وبركة السباحة لبسام الخضري وستة من مؤيدي حماس يعملون الآن في وظائف بالمنتجع. في ظل شح الأموال وانكماش القطاع الخاص وازدياد المقاومة السياسية لجأ قادة حماس بصور متزايدة الى فرض تفسيرات متشددة للقانون الإسلامي واستخدمت سلطاتها قوة وحشية لتعزيز ادارتها المعزولة، التي تعتبر غير شرعية في نظر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.

في الوقت الذي فرضت فيه حماس نظاما في شوارع غزة التي كانت تعج بالفوضى، فرض مسلحو القوة التنفيذية، وهي قوة شبه عسكرية تتكون من 5000 فرد، اجراءات قمعية ضد مؤيدي حركة فتح والصحافيين المحليين. وعاد العون الدولي يمول مجددا مرتبات العاملين في الحكومة الفلسطينية والمساعدة على تنشيط أجزاء من اقتصاد غزة. إلا ان إغلاق نقاط نقل البضائع من اسرائيل التي لم تعد تنقل عبرها سوى مساعدات الطوارئ قد حرم أصحاب الصناعات الصغيرة في غزة من المواد الخام. وأغلقت حتى الآن نسبة 85 في المائة من قطاع الصناعة في غزة منذ يونيو الماضي وجرى ايضا تسريح ما يزيد على 35000 عامل، طبقا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة. ويقول حمدي بدر، 49 سنة، انهم يوجهون المسؤولية في كل ما حدث لحركة حماس"، وأضاف بدر، الذي اضطر الى إغلاق مصنع الملبوسات التي تملكه أسرته، قائلا انه لا يدري ما يمكن فعله. واجهات المصانع في الشارع الذي يقع فيه مصنع بدر مغلقة كلها وليس هناك ما يشير الى وجود حياة هنا سوى بعض الكلاب التي تبحث في أكوام النفايات. وكانت حكومة محمود عباس قد اوقفت المخصصات المالية التي كانت تستخدمها غزة لجمع النفايات. ويقول بدر، الذي توقف العمل تماما في مصنعه، ان المواطنين هم الذين يدفعون ثمن مثل هذا الخلافات السياسية. اتخذت شوارع غزة طابعا اسلاميا بصورة متزايدة خلال الشهور الاخيرة. ويلاحظ ان تحسن الأوضاع الأمنية دفع الناس الى العودة مرة اخرى الى الأسواق والشواطئ والحدائق، والغالبية من النساء اللائي يرتدين لأول مرة عباءة طويلة وغطاء للوجه وقفازات. يلاحظ ايضا وجود مسلحين تابعين للقوة التنفيذية في الشوارع الرئيسية والتقاطعات. وكان أئمة قد اتهموا في خطب صلاة يوم الجمعة الماضي محمود عباس بالتعاون مع اسرائيل وإدارة بوش. وتعمل ادارة حماس، التي يترأسها رئيس الوزراء المقال اسماعيل هنية، على تمويل نفسها من عائدات المرافق والترخيصات والضرائب الاخرى. وكان عباس قد حث من جانبه سكان قطاع غزة على عدم دفع فواتيرهم حتى لا تذهب أموالهم الى سلطة حماس. وكانت الضرائب المجباة كافية لدفع رواتب بعض الموظفين الحكوميين الذين يبلغ عددهم حوالي 30 ألفا كان عباس قد حذف أسماءهم من كشوف الأجور بسبب أن تعيينهم جاء عن طريق الحكومة التي تسيطر عليها حماس. والكثير منهم عملوا ضمن «القوة التنفيذية» التي أصبحت الآن الفرع الأمني الأساسي في غزة.

وقال محمود الزهار، القيادي المتشدد في حماس والذي تزايد نفوذه منذ استيلاء حماس على غزة في يونيو الماضي: «نحن للمرة الأولى نشغِّل جهازا قضائيا وأمنيا هنا. فتحت قوات أمن فتح كان الفساد سائدا من الألف إلى الياء». وكانت محطة التلفزيون التي تسيطر عليها حماس أظهرت في فيلم كرتون مقاتلي فتح كفئران يرمون الدولارات في الهواء ويطلقون النار على الأطفال بأسلحة أميركية، كاشفين النساء المسلمات ومطلقين النار على المساجد قبل قدوم «اسود» حماس لإنقاذهم.

ولم يظهر الزهار الذي احتل منصب وزير الخارجية في أول حكومة لحماس ندما على إقصاء فتح عن غزة. وأضاف أنه يفضل «محاكمات عسكرية» لمسؤولي الأمن السابقين من فتح وهؤلاء سبق لهم أن حاكموا اتباع حماس في غزة حيث كانوا يسمونهم «العملاء الأميركيون ـ الإسرائيليون».

وقال الزهار عبر قناة التلفزيون التي تديرها حماس إن الحكومة التي عينها عباس «غير شرعية»، زاعما أن قرار الرئيس سحب بعض الأموال من غزة وقراره الأخير منع حماس من الانتخابات المستقبلية غير شرعيين. واعتبرت الحركة الإسلامية منظمة إرهابية من قبل إسرائيل وإدارة بوش وهزمت فتح في انتخابات يناير 2006 النيابية.

بعد صلاة الجمعة خلال الأسابيع الأخيرة سار أنصار فتح عبر شوارع غزة احتجاجا على إدارة حماس هاتفين: «شيعة! شيعة!» إشارة إلى حصول الحركة الإسلاموية السنية على دعم مالي من حكومة إيران الشيعية.

وزاد عدد المتظاهرين ليصل إلى الآلاف ويبدو أن صبر حماس قد نفد. وأصدرت جمعية علماء فلسطين والمجلس الإسلامي اللذان تسيطر عليهما حماس فتوى في أوائل هذه الشهر يحرمان الصلاة في الشوارع. وجاءت الفتوى بعد أيام من ضرب أعضاء من القوة التنفيذية عشرات من المتظاهرين بعضهم ألقى بقنابل صوتية مصنوعة في البيوت وحجارة على مجمعات حماس الأمنية.

وقال محمد ياسين، 19 سنة، المناصر لفتح والذي يعمل في محل حلاقة: «كل المساجد الآن تحت سيطرة حماس لذلك نحن قلنا إننا لن نصلي فيها بل في الخارج. وقالوا لي: إذا ذهبت إلى أي مظاهرة فإنك ستدفع الثمن باهظا».

كذلك هناك فتوى علقت على لوحة الإعلانات في وزارة الصحة وفيها إعلان عن أن أي اضراب جزئي لكوادر مستشفى الشفاء هو ضد التعاليم الإسلامية.

وظل أطباء غزة يعملون لأسابيع في أكبر مستشفى ثلاث ساعات في الصباح ثم يتركون عددا من المرضى المحتاجين إلى فحص ما بعد العملية، أو إلى أدوية أو الحصول على إجازة تسمح لهم بمغادرة غزة والسفر إلى إسرائيل للعلاج هناك. وحث عباس الأطباء على البقاء خارج الخدمة.

وقال جمعة السقا، 49 سنة، المتحدث السابق الذي تم إقصاؤه من مكتبه على أيدي مسلحين من حماس الشهر الماضي بعد عقدين من احتلاله للمنصب: «قالوا لي إنني إن بقيت فإن طلقة ستدخل إلى رأسي. إنهم يريدون حماس في كل الوظائف».

لكن باسم نعيم، وزير الصحة من حماس، قال إن الجدل هوحول أي من الحكومتين ـ في غزة والضفة الغربية ـ لها الحق في أن تعين مسؤولين كبارا للوزارة، وقال إن القرار بالإضراب اتخذ مع اقتراب بروز نقص في الأطباء وإن «مئات من المرضى» يمنعون من استمرار الحصول على العلاج في إسرائيل. وقال نعيم: «إنه إضراب سياسي لا علاقة له فيما إذا كان هناك شخص واحد من فتح والآخر من حماس. هذا الوضع خطير خصوصا مع دعم الحكومة للإضراب».

حضر قبل حلول الساعة الحادية عشرة عدد من الرجال والنساء والأطفال خارج الغرف بينما كانت هناك لفافات مبقعة بالدم حول الأصابع مع شدادات حول الأذرع وصور لأشعة أكس محمولة في الأيدي. وترك الأطباء بعد دقائق قليلة تاركين تمام البيس خارج غرفة رقم 23 التي أجرت عملية جراحية لقلبها قبل شهر من دون وجود طبيب يتابع حالتها. وقالت البيس، 54 سنة، التي سافرت من بيتها في مخيم للاجئين وسط غزة: «أنا بانتظار طبيب، والآن ليس هناك أي منهم. نحن نعيش فقط في البؤس والمرض».

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»