البرادعي يعتبر نفسه بابا علمانيا مهمته منع البشرية من قتل نفسها

الوسيط الذي وجد نفسه وسط المتاعب والجميع يحتاجونه

نائب الرئيس الايراني يتحدث امس في مؤتمر وكالة الطاقة الذرية وخلفه محمد البرادعي (ا.ف.ب)
TT

في اواخر اغسطس (آب) الماضي وضع محمد البرادعي مدير وكالة الطاقة الذرية اللمسات الاخيرة على اتفاق نووي مع ايران جرى التفاوض عليه بسرية. والاتفاق سيكون حاسما ومغامرة واكبر مقامرة يقوم بها البرادعي خلال فترة 10 سنوات على رأس الوكالة الدولية، فايران ستجيب على اسئلة هامة عن انشطتها النووية السابقة مقابل تنازلات، وبدون اخطار مقدم او استراتيجية اعلامية امر البرادعي بنشر الاتفاق في المساء ثم انتظر.

في اليوم التالي ذهب الى مكتبه دبلوماسيون من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والمانيا لتقديم احتجاج وقالوا ان الاتفاق وساطة غير مسؤولة تهدد استراتيجية مجلس الامن بعقاب وليس مكافأة ايران.

وكان البرادعي المحامي المصري مؤدبا وحازما في نفس الوقت «اذا ارادت ايران ان تجيب على اسئلة، فماذا يتعين علي ان افعل، اقول لهم لا تستطيعوا؟».

وبعد سنوات من متاعبه مع ادارة بوش حول العراق ثم حصوله على جائزة نوبل يجد البرادعي نفسه مجددا وسط المواجهة بين الغرب وايران، ويقول منتقدوه الغربيون انه مذنب بخطايا دبلوماسية ومنحاز ومتهور وفوق كل ذلك ساذج. وخلال العام الحالي قدمت دول غربية احتجاجات كثيرة تجاه طريقته في ادارة السفينة في ملف ايران.

وحتى بعض الموظفين في الوكالة الدولية يرونه متعاطفا مع ايران حسب ما قال دبلوماسيون، لكن الايرانيين انفسهم يريدون اهانته ومنع وصول مفتشيه.

ووصف لي هاملتون السيناتور السابق في الكونغرس الذي يحظى باحترام في قضايا السياسة الخارجية ان مشكلة البرادعي انه الرجل الذي في الوسط والولايات المتحدة وايران لا تثقان في بعضهما واي وسيط سيكون موقفه صعبا. وينتقد البعض البرادعي بانه منتشي بقوة جائزة نوبل، ولكن ما يبقيه في موقعه حقيقة براغماتية هو انه اخر امل للجميع، واصبح شخصا من الصعب الاستغناء عنه بعدما تضاءلت مصداقية الولايات المتحدة في مجال المعلومات الاستخبارية النووية بينما اصيبت الدبلوماسية الاوروبية مع ايران بالشلل.

وبالنسبة الى القوى الدولية فانه افضل مصدر لمعرفة التقدم النووي الايراني وهي معلومات تستخدمها واشنطن بانتظام لابراز خطر ايران على الساحة العالمية، وحتى الايرانيين يحتاجونه ( كما يحول له ان يذكرهم) لان مناوراته قد تؤدي الى انفراج ورفع عقوبات الولايات المتحدة.

البرادعي، 56 عاما، يؤمن بالقدر الذي وضعه في دور صنع السلام العالمي ويصف دعاة الحرب بانهم مجانين ويصف نفسه في مقابلتين طويلتين بانه بابا علماني مهمته التأكد لن ننتهي بقتل بعضنا بعضا في اشارة الى البشرية.

وقال «انني اقبل اناسا في الشارع وبعضهم يقول لي انك تقوم بعمل جيد وهذا ما يجعلني اواصل مهمتي لبعض الوقت، وكل منتقديه مثل روبرت انهورن مدير قسم نزع السلاح في الخارجية الاميركية بين 1999 و2001 انه بدلا من ان يكون مدير وكالة تقنية وظيفته ان يراقب الاتفاقيات وان يأتي بتقييمات ايجابية فانه اصبح صانع سياسة».

لكن مؤيدي البرادعي يقولون ان وجهة نظره خلال ازمة العراق بانه لا دليل على وجود اسلحة دمار شامل والتي ثبت صحتها، وهذا سبب يدعو الى الاستماع له.

ويقول توماس فرانكس استاذ القانون في كلية الحقوق بجامعة نيويورك والذي درس البرادعي قبل 3 عقود وظلا اصدقاء منذ تلك الفترة، انه كان يمكن ان يجنبنا حربا مدمرة لو استمعنا له.

وعندما فاز البرادعي بجائزة نوبل في ديسممبر 2005 استخدم كلمته في تحديد اجندة طموحة تشمل مساعدة الفقراء وحماية البيئة ومحاربة الجريمة والاخطار الجديدة.

ويقول انه لا يمكن مواجهة هذه الاخطار ببناء المزيد من الجدران والاسلحة الاكبر ونشر المزيد من القوات.

لكن اسلوب البرادعي الشخصي مختلف، فيوم الحصول على جائزة نوبل وبينما كان يحتفل مع اصدقاء في الفندق في اسلو تجمع الاف تحت الفندق في الشارع وهم يحملون شموعا ولم يكن يعرف ماذا يفعل فابلغته زوجته ان يحييهم وذلك وفقا لرواية فرانكس.

وحسب مساعديه فانه متحفظ للغاية حتى في احاديث صغيرة في المصعد مع الموظفين، وبدلا من ان يذهب الى قاعة الطعام او الكافتيريا فانه يفضل ان يجلب الغذاء معه من منزله ويأكله في مكتبه، ولابد من بذل جهد كبير معه ليظهر في مناسبات مهمة للوكالة وتقول زوجته عايدة انه متحفظ للغاية وهو يعتقد ان حفلات الاستقبال الدبلوماسية مضيعة للوقت.

وقال مسؤول اوروبي في مجال منع انتشار الاسلحة ويعرف البرادعي جيدا انه يظل رجلا خجولا، ولكنه محتار في قدره وغالبا ما يقول «تحدث مع كوندي ( كوندوليزا رايس) الاسبوع الماضي وقالت كذا او تكلمت مع بوتين وقال لي ذلك» فهو مثل طفل.

والبرادعي هو الاكبر بين 5 اطفال لاسرة من الطبقة المتوسطة في القاهرة وتربى على يد مربية فرنسية وتعلم في مدرسة خاصة وعندما كان عمره 19 عاما كان بطلا في رياضة الاسكواش.

وكان والده محاميا ونقيبا للمحامين ودرس البرادعي الابن القانون والتحق بالخارجية المصرية حيث عمل في نيويورك في اواخر الستينات والسبعينات ويعتبرها فترة تحول في حياته حيث اصبح مرتبطا بنيويورك اكثر من القاهرة ويفضل الانجليزية على العربية.

ويتذكر البرادعي المواجهة التي حدثت بينه وبين واشنطن بسبب اسلحة الدمار العراقية ومحاولتها منعه من اعادة الترشح مديرا للوكالة، ويقول انه كان بنسبة 99% لايريد اعادة الترشح مجددا حتى سمع ان جون بولتون السفير الاميركي لدى الولايات المتحدة يحاول منع اعادة ترشحه عندها قرر الترشح لان قرارا شخصيا مثل هذا لا يجب ان يتخذ من قبل احد اخر. ويتذكر ان زوجته قالت له محمد يجب ان تترشح غدا.

وحول الازمة الحالية بشأن ايران يقول البرادعي ان قبول ايران الاتفاق تحول كامل وخطوة صلبة نحو نزع فتيل المواجهة، وانه ليست لديه مشكلة في ان البعض لا يثق بايران بسبب تصرفاتها السابقة، لكن في رأيه ان العقوبات وحدها لن تحل شيئا فيجب الجلوس والتحدث حول آلية بناء الثقة، واذا لم يف الايرانيون بتعهداتهم فان الموقف سينقلب عليهم وقد ابلغتهم ذلك.

ولو استجابت لمتطلبات الاتفاق الاخير فانه يطالب الولايات المتحدة بان تعطي ايران نسخا من وثائق الاستخبارات عن انشطتها العسكرية النووية.

واذا ثبت ان ايران حاولت القيام بخطوات سرية في السابق نحو اسلحة نووية، يقول البرادعي، الكثير من الدول كانت لديها طموحات في الماضي، رافعا احتمالات ان ايران يتعين عليها هي الاخرى ان تقوم ببعض الاعترافات، واكد ان اهم شيء بالنسبة لهم هو ان يأتوا نظيفين.

* خدمة نيويورك تايمز