الهند: امرأة تموت كل 77 دقيقة بسبب قضية المهور

الانتعاش الاقتصادي وارتفاع مستوى المعيشة لم يوقفا تيار العنف ضد النساء

هنديات في عنبر بسجن طهار في نيودلهي بتهم ارتكاب جرائم عنف ضد زوجات أبنائهن («لوس انجليس تايمز»)
TT

توقف الضرب فقط بعدما فرت من المنزل، فمنذ زواجها من صاحب محل تعرضت روبي دافي الى مضايقات كثيرة لعدم احضار مهور كبيرة، ثم عذبوها عندما فشلت في دفع مزيد من الذهب والنقد والبضائع.

وقالت دافي «كانت حماتي وشقيقة زوجي تضرباني بأي شيء،» بينما كان حماها يمسك بها.

وقررت في العام الحالي انها لا يمكنها تحمل الامر، وعادت الى بيت ابويها شرق الهند، ضحية اخرى من العنف والمضايقات في هذا البلد.

الا ان دافي محظوظة: فلم يوضع اسمها في قائمة الاف الزوجات اللائي يتعرضن للضرب حتى الموت، ويدفن احياء ويصعقن بالتيار الكهربائي، ويسممن ويدفع بهن من النوافذ او يقتلن بعديد من الطرق الاخرى كل عام لعدم رضاء اسر ازواجهن عن المهور واستمرارهم في طلب المزيد.

وفي عام 2005، وهي اخر سنة توفرت فيها احصائيات، ماتت امرأة بسبب المهور كل 77 دقيقة في الهند، طبقا لمكتب سجلات الجرائم الوطني في الهند. وبلغ الاجمالي 6787 امرأة، الا ان الخبراء يشكون في ان الرقم الحقيقي اكبر من ذلك بكثير، لأن العديد من قضايا القتل بسبب المهور لا يتم الابلاغ عنها، وحتى عندما يجري الابلاغ عنها فإن معظم القتلة لا يعاقبون.

ويعود تقليد المهور في الهند الى الاف السنين، ويقول العلماء ان الهدف منه كان حماية المرأة التي يمكنها، عن طريق احضار ممتلكات ومال الى الزواج، الاستمتاع ولا تضطر للاعتماد على زوجها بالكامل.

ولكن مع مرور السنين، اصبح ما هو المفروض ان يصبح ضمانا للعروس الى نعمة للعريس واسرته.

ولم يؤد الانتعاش الاقتصادي في الهند الذي انتشر منذ بداية التسعينات، وادى الى ارتفاع مستوى المعيشة بالنسبة للعديد، الى وقف تيار العنف المرتبط بالمهور.

بل ان البعض يقول، انه زاد، مع انتشار الملكية في المجتمع، مع زيادة عدد المستهلكين والبضائع الفاخرة وظهورها على ارفف المحلات التجارية وفي الاعلانات التلفزيونية.

فمنذ عام 1995 حتى عام 2005 فإن عدد الوفيات بسبب المهور ارتفع بنسبة 46 في المائة.

تجدر الاشارة الى ان المطالبة بالمهور في الهند غير قانوني منذ عام 1961، ولكن الحظر نادرا ما يطبق. وتنتشر المشكلة عبر كل الخطوط الاجتماعية والطبقية وتؤثر على الاغنياء والفقراء، والمتعلمين والجهلة والريفيين والحضريين.

وفي شهر يوليو، جرى الكشف عن فضيحة لوزير كبير هو ارجون سينغ عندما اتهم بالمطالبة بسيارة مرسيدس وشقة من اصهاره، الذين قالوا انهم انفقوا 150 الف دولار على الزواج. وفي العام الماضي اجبر نجم الكريكيت الهندي مانوج برابهاكار على الظهور امام القضاء بعدما اتهمته زوجته بتكرار ضربها لان يعتبر مهرها من النقد والمجوهرات والسيارة غير كافية. ويساهم ارتفاع تكلفة الزواج والمطالبة بمهور كبيرة في ارتفاع نسبة اجهاض الاجنة الاناث، وقد حظرت الحكومة الاختبارات الطبية لمعرفة جنس الجنين، الا انها مستمرة.

كما ان جرائم القتل بسبب المهور، منتشرة على نطاق واسع لدرجة وجود تعبير منتشر لهذه الظاهرة يطلق عليه «حرق العرائس» لان العديد من النساء المتزوجات حديثا يمتن بعد القاء كمية من الكيروسين عليهن وحرقن. ثم يبلغ الزوج الشرطة بالحادث باعتباره «حادثة مطبخ».

ويقول النقاد ان المهور الثرية، اصبحت الثمن الذي يدفعه والدا العروس للحصول على زوج جيد في الهند، حيث معظم الزوجات مرتبة. وقال كوماري ان البحث عن شاب مناسب هذه الايام اصبح مثل المزاد حيث يقارن والدا العريس العروض المقدمة.

وقبل سنوات وضعت صحيفة التايمز الهندية قائمة بالسعر بقيمة المهور المطلوبة من مهن مختلفة، فكلمة زادت قيمة وطبيعة العمل كلما زادت قيمة المهور المطلوبة. فرجل اعمال يحمل شهادة ماجستير في ادارة اعمال يمكن ان يحصل على مهور قيمتها 1.5 مليون روبية أي ما يقرب من 37 الف دولار، بينما يمكن ان يحصل موظف حكومي على مهور قيمتها 50 الف دولار.

وجمعت اسرة ريتا كوماري التي تنتمي للطبقة تحت المتوسطة مهور قيمتها 75 الف روبية (1875 دولارا) لزواجها قبل ثلاث سنوات، وهو ثروة في بلد لا يزيد متوسط الدخل الوطني فيها على 500 دولار، واضافوا الى المهور بعض المجوهرات بالاضافة الى نفقات حفل الزواج.

ولكن بعد شهر او اثنين من الزواج ذكرت كوماري ان اصهارها بدأوا في الضغط عليها للحصول على 100 الف دولار اضافية، وقالوا انهم يحتاجونها لإصلاح منزل الاسرة وترتيب عمل لزوجها. وعندما قالت لهم ان والديها لا يمكنهما تحمل مثل هذا المبلغ، بدأ زوجها وابواها وشقيقيه في ضربها.

وحاول والدي كوماري في ارضاء اسرة زوج ابنتهما بشراء جهاز تلفزيون ملون لهم وسلسلة ذهبية، بل وهاتف جوال. ولم يكن كافيا واستمر الضرب. وفرت كوماري من بيت زوجها في شهر ابريل.

وخافت من الذهاب للسلطة. فالشرطة الهندية تشتهر بالفساد، ويقول النقاد ان العديد من الضباط الذكور يتجاهلون الشكاوى المتعلقة بالعنف في هذا المجال.

وعندما تتقدم اسرة العروس بشكاوى يتم اعتبار الاسر بأكملها متواطئة، الا ان الاحكام محدودة. ففي عام 2003، بلغت نسبة الاحكام 28 في المائة في قضايا الوفيات المتعلقة بالمهور، وبالمقارنة فإن معدل الاحكام في قضايا التحرش الجنسي تزيد ثلاث مرات.

وتجدر الاشارة الى ان العديد من الزوجات ضحايا المهور لا يرون بديلا الا الاستمرار في الزواج، البديل الوحيد المطروح عليهم في مجتمع يدين الطلاق.

وقالت دافي التي فرت من بيت اسرة زوجها في شهر يناير الماضي انها ترغب في العودة الى زوجها، شريطة الاقامة بعيدا عن اسرته.

وتشعر كوماري بنفس الامر، وبالرغم من ان زوجها انضم الى اسرته في ضربها، وتلوم والديه ولا سيما امه، في التسبب في العنف. الا ان كوماري على وعي بالقضية الحقيقية وراء مشاكلها، وتقول «كل ذلك يرجع للمهور والوسيلة الوحيدة هي الغاء نظام المهور للابد».

* خدمة «لوس انجليس تايمز» - خاص بـ«الشرق الأوسط»