شريعتمداري صاحب مقالة «البحرين» صوت المتشددين في إيران ولديه حصانة خاصة

لا يحب كلمة أصولي ويفضل مبدئي ويعتبر المتحدين للنظام النساء اللاتي يرجعن غطاء الرأس للوراء ورفسنجاني

حسين شريعتمداري
TT

ماذا يحدث لرجل يتعرض في سن 27 عاما للسجن مدى الحياة بسبب آرائه السياسية، وتقتلع أظافر اصبع يديه وقدميه ويتعرض للضرب على اسنانه والصعق بالكهرباء والضرب على اخمص القدم؟ ماذا يحدث عندما يأتي حلفاؤه الى السلطة ويطلق سراحه؟ حسين شريعتمداري، الذي كسرت اسنانه بفعل ضربات أحذية الشرطة السرية لشاه ايران السابق، يخافه اليوم الكثير من الايرانيين. فقد اصبح صوت المتشددين في ايران، وهو لا يتسم فقط بالتشدد وإنما ايضا بالتطرف والسرية والتصلب. كما انه يرأس تحرير صحيفة «كيهان»، التي تعكس أكثر الآراء تطرفا لقادة ايران، وتعكس ايضا عقلية وخطط من هم في مركز السلطة. انه رجل قصير القامة بلحية يغطيها الشيب ويبدو عليه سلوكا متواضعا. ويتمتع شريعتمداري بحصانة قلما يتمتع بها الآخرون، ذلك ان موقعه الرسمي هو ممثل «المرشد الأعلى» آية الله خامنئي، ولديه ايضا صلات بأجهزة الاستخبارات. كلماته دائما مغلفة بلهجة تتسم بالعقل، ويصر على انه لا يجب ان يخشاه الآخرون وانه فقط يتبع التعليمات، فيما لا يتبعها آخرون، وعلى وجه التحديد الاصلاحيون. لا يحب شريعتمداري كلمة «اصولي» ويفضل كلمة «مبدئي». ويقول ان هدفه هو رعاية النظام، وهو النظام الديني الذي بلغ حوالي 30 عاما ولا يزال موجودا. وقال شريعتمداري معلقا بأسلوبه الهادئ في الحديث انه «لا يزال هناك بعض الذين يتحدون القيم»، وأوضح قائلا انه بكلمة «تحدي» يعني اولئك «الذين يشاركون في نقاشات وجدل حول قيم النظام». ترى، من هم هؤلاء الناس؟ يجيب شريعتمداري: «النساء اللاتي يتحايلن على اللبس ويدفعن غطاء الرأس الى الوراء. الرجال الذين يحلقون شعورهم بطريقة غريبة. رجال الدين الذين يشككون في الاسس الفقهية لوجود مرشد أعلى. أبو الثورة، وكذلك علي اكبر هاشمي رفسنجاني الذي اورد في كتاب ان آية الله روح الله الخميني كان يريد وقف استخدام عبارة الموت لأميركا». وعلى صفحات كيهان، حيث تضفي لغة شريعتمداري المهذبة قدرا من النعومة على رسائله الحادة، كتب شريعتمداري حول ما اورده رفسنجاني عن نية الخميني التخلي عن عبارة «الموت لأميركا»: «اذا اخذنا في الاعتبار حساسية هذه الأيام وفهم الناس الواضح لآراء الإمام، فإن مثل هذه الأخطاء ربما تكون أكثر اضرار برفسنجاني وليس بالناس». صحيفة «كيهان» لها سمعة قديمة ومتميزة في ايران. فقد اسست لأول مرة عام 1942 وأصبحت صوت الثورة، وكان لها قراء يقدر عددهم بمئات الآلاف عقب سقوط الشاه. وتوزع «كيهان» في الوقت الراهن حوالي 70000 نسخة يوميا ولديها 1000 من العاملين في اوروبا وآسيا والشرق الاوسط، وتصدر الصحيفة نسخة باللغة الانجليزية. ويقول معارضون ان شريعتمداري لا يعدو ان يكون أداة في يد اجهزة الاستخبارات. ويقول محمد شمس الواعظين، وهو رئيس تحرير سابق لـ«كيهان» ترك العمل عندما تسلم رئاسة التحرير شريعتمداري قبل 15 سنة، ان الحقيقة هي ان «كيهان» صحيفة استخبارات. ولشريعتمداري، البالغ 58 عاما، مكتب وسط طهران في بناية لا توصف تتسم بذلك الطابع الكالح والبارد الذي تسم به مكاتب الحزب القديمة في الاتحاد السوفياتي السابق. وعادة ما يقف للترحيب بالضيوف بابتسامة خجولة وانحناءة قليلة من رأسه. وعلى طاولة اجتماعاته عادة توضع فاكهة التفاح والتين والبطيخ ايا كان ما يتوفر في الفصل. وتوجد معجنات على طاولة القهوة.

وهو صريح بشأن دوره كمدافع عن الجمهورية الاسلامية. وقال «أعتقد ان من واجب وسائل الاعلام أن ترفع صوتها».

ويعبر النقاد عن شكوكهم بشريعتمداري من أن لديه ملايين الدولارات موجودة سرا في الخارج، وانه يمتلك قصرا في كندا، وان فرقا ارسلت لقتله. ولكن الاشاعة الأوسع انتشارا هو انه كان محققا في مؤسسة المخابرات. وقال شريعتمداري انها جميعا عارية عن الصحة. واعترف بأنه طلب منه في مناسبات أن يتحدث مع سجناء واضاف انه كان سيسره ان يكون محققا. وقال «بالطبع، فان حقيقة عدم كوني محققا لا تعني أنني أرفض عمل المحققين. ومن المؤسف انني لم أستطع القيام بمثل هذا العمل».

وكشاب كان شريعتمداري يعتزم أن يكون طبيبا. وكان يدرس الطب في ايران ويعمل في الترويج لأفكار آية الله الخميني عندما اعتقل وحكم عليه بالسجن مدى الحياة بسبب ما كان يعتبر نشاطات هدامة، بما في ذلك الصلة مع آية الله. ثم جاءت الثورة وحررته من السجن. وكانت محطته الأولى الحرس الثوري حيث عمل كقائد خلال فترة حرب الثماني سنوات مع العراق. وكان بعض الأفراد الأوائل يتذمرون من ان الثورة انحرفت عن مسارها وان الزعامة راحت تعكس صورة الزعامة العلمانية في ظل الشاه التي اتسمت بالفساد وكان همها الأساسي السلطة. ولا يتفق شريعتمداري مع هذا الرأي. وهو لا يرى أن ضحايا الاضطهاد تحولوا الى ممارسين للاضطهاد. وقال «لو أننا كنا هذا النظام البوليسي لما تمكنا من اطلاق سراح من يقدمون الاعترافات، ولو اننا كنا نظاما من هذا النمط لما سمحنا لهؤلاء الناس بنفي اعترافاتهم».

ولفترة تقترب من ربع ساعة ظل شريعتمداري يتسم باللياقة والروح المحافظة. ولكن مزاجه تبدل عندما بدأ مناقشة مقالاته الأخيرة مجادلا بأن البحرين هي في الواقع جزء من ايران. وهذه قضية تقوض رسالة الحكومة الايرانية الى الزعماء العرب من أنه ليس لديهم ما يخشونه من ايران التي عززت قوتها في الفترة الأخيرة أو من ايران النووية، وان ايران لم تعد تحاول تصدير آيديولوجيتها الثورية. وضحك شريعتمداري على الغبار الذي اثاره.

وقال مشيرا الى منطقة الخليج برمتها وليس البحرين فقط «هذه دول لا يبلغ عمرها حتى 200 سنة. هذه دول صغيرة حيث الشيوخ يعيشون حياة اللهو».

وتخرج كلمات نادرا ما تقال من فمه الا اذا كان يتحدث عن الولايات المتحدة واسرائيل. ثم لم يكن هناك شيء خارج الحدود، ولا شيء خاطئ سياسيا. وقال في مقابلة في مايو (ايار) الماضي مع صحيفة «الشرق الاوسط» السعودية «في ما يتعلق بالمخاطر الخارجية أعاننا الله كثيرا لأن عدونا بوش احمق. وقد ساعدتنا حماقته كثيرا».

وعندما انتهت المقابلة نهض شريعتمداري وصافحني ووضع يده على قلبه تعبيرا عن الاحترام والمودة وأعطى كل واحد من حراسه هدية كانت حقيبة مليئة بنسخ من صحيفته.

وقال «يتساءل بعض الناس لماذا تصرخ ؟»، وأنا أتساءل «لماذا لا تصرخون؟».

* خدمة «نيويورك تايمز»