زيارة بري المفاجئة للبطريرك صفير توحي بالتفاؤل: رئيس توافقي للبنان قبل 24 نوفمبر

نواب الأكثرية «يزحفون» اليوم إلى البرلمان وجلسة الانتخاب غير مرجحة

مراسلون صحافيون يستعدون لتغطية الحدث الانتخابي غدا من وسط العاصمة بيروت (أ ب)
TT

تبدأ في لبنان اليوم المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية ومدتها شهران وتنتهي بانتهاء ولاية الرئيس الحالي اميل لحود. وفاتحتها جلسة نيابية عامة دعا اليها رئيس المجلس النيابي نبيه بري لكنها لن تعقد ـ كما بات مؤكدا ـ لمقاطعة نواب المعارضة، وبالتالي عدم توافر نصاب الثلثين الذي ينص عليه الدستور في عملية انتخاب رئيس الجمهورية، في انتظار ان يتم «التوافق» مع نواب الاكثرية على اسم الرئيس العتيد.

لكن جلسة اليوم، وان لم تنعقد، فانها ستكون مدخلا لتلاقي النواب في فريقي الاكثرية والمعارضة للحوار والتشاور حول الرئيس التوافقي على خلفية المبادرة التي اطلقها بري في 31 اغسطس (آب) الماضي والتي كانت حظيت بتأييد داخلي واقليمي ودولي قبل ان تترنح على وقع جريمة اغتيال النائب الكتائبي (من قوى 14 آذار) انطوان غانم الاربعاء الماضي.

وقد اضفى الرئيس بري جرعة من التفاؤل لدى الاوساط السياسية والشعبية على السواء تمثلت بزيارته المفاجئة للبطريرك الماروني نصرالله صفير في بكركي عصر امس. وهذه الزيارة كانت مقررة الجمعة الماضي وارجئت قسرا تحت وطأة جريمة اغتيال النائب غانم.

ومع ان بري لم يكشف ما دار بينه وبين البطريرك صفير عقب اللقاء، الا انه اكد «ان الجو تفاؤلي وليس قاتما او تشاؤميا». وقال ان زيارته للبطريرك صفير هي «لاستكمال» مبادرته الوفاقية «وللاستنارة برأي غبطته لنسلك الطريق الصحيح في اجراء الاستحقاق».

وسئل عما سمعه من البطريرك، فأجاب: «بداية، عندما تشتد الامواج وتصبح عاتية تلجأ اي سفينة او اي ربان سفينة الى المنارة للاهتداء الى الشاطئ الامين. وهذه الزيارة تأتي بهذا المقتضى. وسبق ان كررت انه قبل بداية موعد الاستحقاق الذي عيّن غدا (اليوم) في 25 ايلول، سأتشرف بزيارة بكركي. وقد طرحت موضوع الاستحقاق وما يدور حوله، ومحاولة السير بالمبادرة التي اطلقتها في مدينة بعلبك في سبيل التوصل الى التوافق حول الاستحقاق الرئاسي. هذا هو الهدف من هذه الزيارة للاستنارة من جهة وللاستشارة من جهة اخرى، وبالتالي كي نسلك الطريق الصحيح ان شاء الله».

وسئل بري ما هو رده على قول رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع ان دعوته غير جدية في حال عدم مشاركة كتلته النيابية في جلسة اليوم، فأجاب: «في النهاية مصيرنا سنشارك سوياً».

وعما اذا كان توصل الى «دخان ابيض» في زيارته لبكركي، افاد بري: «اني ازور بكركي لأتوصل الى الدخان الابيض. ان الجو تفاؤلي وليس تشاؤمياً. ولا اقول هذا الكلام فقط للتطمين. انا دائما كنت اطمئن وسأظل. ولكن، في النهاية يد واحدة لا تستطيع التصفيق». واكد انه «قبل 24 تشرين الثاني وفي الاستحقاق الدستوري سيكون هناك رئيس جمهورية للبنان بتوافق جميع اللبنانيين».

وسئل عن صحة وعده النائبين وليد جنبلاط وسعد الحريري بانه لن يوافق على رئيس جمهورية لا يرضيان عليه، فأجاب: «عندما اقول ان هناك توافقاً بين اللبنانيين لن يكون رئيس الجمهورية ضد اي شخص او قيادي او فريق على الاطلاق. سيكون بإرادة الجميع، ان شاء الله». واضاف: «لا اريد اعادة كلامي في بكركي. لقد قلت اذا التوافق حصل على مرشح من 8 آذار انا معه. واذا كان على مرشح من 14 آذار انا معه. وعلى شخص لا ينتمي الى الفريقين انا معه. المهم ان المرشح الاول والثاني والاحد عشر كوكبا هو التوافق».

وتحضيرا لاستحقاق اليوم عرض الرئيس بري الموضوع مع كل من سفير الولايات المتحدة جيفري فيلتمان والقائم بالاعمال الفرنسي اندريه باران. واكد فيلتمان «ان قرار اختيار الرئيس الجديد لبناني. ولا يعود للاميركيين التحكم به». فيما اعلن باران انه شجع بري على «اصراره على ايجاد مخرج للازمة الحالية» مشيرا الى «ان الحوار والبحث المستمر عن اتفاق بين اللبنانيين يشكلان الرد الوحيد المناسب على المسلسل الاجرامي».

وقال باران: «جئت لمقابلة الرئيس بري للاطلاع منه على تقويمه للاوضاع في وقت ستدخل عملية الانتخابات الرئاسية في الحيز العملي. وقد اكد الرئيس بري اصراره الحازم على مواصلة جهوده من دون كلل بهدف ايجاد مخرج للازمة الحالية. وقد سمعت ذلك منه وشجعته على الاستمرار في هذا الاتجاه». ورأى «ان اغتيال النائب انطوان غانم اظهر فعلا ان البعض مستعد للقيام بأي شيء لافشال الانتخابات الرئاسية واغراق لبنان في الفوضى. ويجب احباط هذا المشروع الاجرامي. ولذلك فان مواصلة الحوار والبحث المستمر عن حل يقوم على الاتفاق بين اللبنانيين يشكلان الرد الوحيد المناسب». ومن جهته، قال السفير الاميركي عقب لقائه بري: «انها الفرصة الاولى التي التقي فيها الرئيس بري بعد جريمة اغتيال النائب انطوان غانم المأسوية. والهدف الاول من هذا الاجتماع كان نقل تعازي حكومتي وتعازي السفارة الى رئيس مجلس النواب باغتيال احد اعضائه. ولاحظت انه كان علي ان اقوم بذلك اكثر من مرة في لبنان، فهذا رابع عضو في هذا البرلمان وسادس نائب يتم اغتياله منذ قدومي الى لبنان (...) وقد بحثنا ايضا الانتخابات الرئاسية المقبلة. وشددت مرة اخرى على السياسة الاميركية وهي ان لدينا ثقة كاملة بمجلس النواب اللبناني وبقيادة رئيسه بانه سينتخب رئيسا يمثل مصلحة لبنان العليا. اعلم اننا قرأنا بيان المطارنة الموارنة بدقة الاسبوع الماضي ونحن نتشارك الرؤية للبنان التي ركز عليها البيان. وطبعا عرضنا مساعدتنا بكل ما يمكن لايجاد المناخ المناسب. ولكن شددنا على ان القرار بالنسبة لمن يكون الرئيس الجديد هو قرار لبناني وليس امرا يعود للاميركيين التحكم به».

وردا على سؤال حول تهديد النواب وتصفيتهم وذهابهم الى الانتخاب في ظل هذه الاجواء، قال: «تحدثنا في هذا الموضوع مع الرئيس بري. التهديدات التي تطال النواب ليست افتراضية. انها تهديدات حقيقية كما ثبت ذلك يوم الاربعاء الماضي. ولكنني اشعر بالتشجيع بعد المحادثات الجادة التي اجريتها مع عدد من المسؤولين الامنيين والسياسيين حول كيفية تأمين امن مجلس النواب، انها خطوة شجاعة جدا يقوم بها هؤلاء البرلمانيون. ولكني لاحظت ايضا ان النواب ينظرون الى واجباتهم ومسؤولياتهم تجاه الشعب اللبناني ولبنان لدفع البلاد الى الامام. واعتقد انهم يأخذون هذه الخطوة الشجاعة بالرغم من الاخطار».

بعد ذلك ترأس الرئيس بري اجتماعا استثنائيا لكتلته النيابية (التنمية والتحرير) خصص للبحث في الموقف الذي ستتخذه من الجلسة البرلمانية اليوم. وقد اعلن امين سر الكتلة النائب انور الخليل ان نوابها «سيكونون في مجلس النواب غدا (اليوم) بعدما لمسنا المواقف الايجابية لغالبية الكتل النيابية المتمسكة بالوفاق والاجماع». وقال: «ان كتلة التحرير والتنمية عقدت اجتماعا استثنائيا اليوم لدرس الأجواء والمناخات والتطورات المحيطة بالاستحقاق الرئاسي، وبعدما استمعنا الى الاتصالات التي جرت ولا تزال في سبيل انضاج هذه المبادرة الوفاقية التي اطلقها دولته، وانطلاقا من تشديد الكتلة على ان يكون الاستحقاق الرئاسي محطة للجمع والوفاق وترسيخ الوحدة الوطنية، فانها وافساحا في المجال للوصول الى هذه الغاية، وبعدما لمست الكتلة المواقف الايجابية الصادرة عن أغلب الكتل النيابية والتي تتمسك بالوفاق وبالاجماع، فانها وفي انتظار تحقيق ذلك وتأكيده عمليا ستكون موجودة في مجلس النواب غدا في الخامس العشرين من ايلول الحالي».

الى ذلك، واصل الرئيس الاعلى لحزب «الكتائب اللبنانية» الرئيس الاسبق للجمهورية امين الجميل تحركه الهادف الى تلاقي اللبنانيين بغية التوصل الى حل للازمة. وفي هذا السياق زار امس المرجع الشيعي اللبناني السيد محمد حسين فضل الله. وعرضا تطورات الاوضاع في لبنان وسبل معالجة الازمة وتفاعلاتها. وشدد فضل الله على ان «من واجب الجميع ان يشتغلوا في الليل والنهار لفكفكة هذه الازمة واعادة اللحمة الى الساحة الداخلية، لانه اذا عادت الثقة السياسية بين الاطراف يمكن للبنان ان ينطلق مجددا، على رغم حدة الازمة، ومنع انعكاساتها على الاوضاع الاقتصادية».

اما الجميل فقال ردا على سؤال: «نحن والرئيس بري على تواصل دائم. ولا أعرف المفردة التي ينبغي أن نستخدمها في هذا المجال، لكننا نتكامل. وقد اتفقنا على أن نبذل كل الجهود من جهته وجهتي وكل المخلصين. وقد لمست تشجيعا من سماحة السيد على ذلك. ونأمل أن تكون المسألة حاسمة في الأسابيع المقبلة. وأعتقد أنه بعد عيد الفطر ستكون هناك خطوات عملية حتى نتوصل إلى حل لهذه الأزمة التي يتخبط بها البلد انطلاقا من انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية».

وفي المواقف من الجلسة النيابية اليوم، اعتبر عضو كتلة نواب «القوات اللبنانية» النائب انطوان زهرا «ان مساعي الرئيس بري تعرضت لمعوقات سورية واخرى من حزب الله». وقال في حديث اذاعي: «اننا جاهزون لخيار انتخاب الرئيس بالنصف زائد واحدا اذا لم يتم التوافق». وأضاف: «ان قوى 14 آذار متجهة غدا (اليوم) الى المجلس ومنفتحة على الحوار في مسعى للوصول الى رئيس توافقي قبل موعد 14 تشرين الثاني».

واكد وزير الدولة لشؤون مجلس النواب ميشال فرعون (قوى الاكثرية)، في حديث اذاعي، ان «حضور جلسة 25 ايلول في مجلس النواب سيترافق من قبلنا بالانفتاح الكامل على الحلول والحوار حول الاستحقاق ومن اجل الاصرار على الحد الادنى من التفاهم والوفاق السياسي حوله، وايضا من اجل رفض التعطيل وعدم الخضوع للابتزاز والارهاب ورفض الانقلاب على قواعد اللعبة الديمقراطية».

وشدد على ان «يوم 25 ايلول لن يحمل جديدا على صعيد انعقاد جلسة الانتخاب وستكون هناك جلسة اخرى بعد عيد الفطر مباشرة. وضمن هذا الوقت ستتواصل المساعي على الصعد الداخلية والاقليمية والدولية لضمان الاستحقاق وخصوصا بعد الصدمة الكبيرة جراء اغتيال الزميل انطوان غانم التي تشير الى تنفيذ التهديدات تجاه لبنان ومسيرته السيادية».

واعتبر عضو «اللقاء الديموقراطي» النائب وائل أبو فاعور، في حديث اذاعي وردا على سؤال حول توفير الأمن في محيط مجلس النواب، ان «المسألة لا ترتبط فقط بتأمين الحماية في محيط المجلس النيابي، على الرغم من اننا حتى هذه اللحظة لا نعرف ما هي الاجراءات الفعلية. وهناك فارق بين ان نسلم محيط المجلس لقوى الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي، وبين ان يبقى الاعتصام ولا نعرف ماذا يحتوي هذا الاعتصام».

مسؤول منطقة الجنوب في «حزب الله» الشيخ نبيل قاووق تطرق في كلمة القاها في احتفال في بلدة حولا الجنوبية الى الاستحقاق الرئاسي، فقال: «ان الاستحقاق مصيري وهو يحدد اتجاه حركة المستقبل الوطني» معتبرا انه «لا يمكننا تحمل رئيس يرضى عنه العدو لان الرئيس الذي يرضى عنه العدو لا يمت الى الوطنية بصلة. نريد رئيسا يصون ويحصن الشراكة الوطنية وانجازات المقاومة ويعالج قضايا الناس ويراهن على الذات الوطنية بعيدا عن كل وصاية واملاء». واعتبر تكتل «التغيير والإصلاح» في ختام اجتماعه الاسبوعي امس برئاسة النائب ميشال عون «ان المطلوب الاشد الحاحا عشية الجلسة التي دعا اليها الرئيس بري هو الاقتناع المشترك بان الهدف من الاستحقاق الرئاسي هو التوافق على برنامج انقاذي وطني وليس تسهيل مجرد عملية تقنية لملء موقع قبل شغوره عبر الاتيان برئيس يعمق الازمة اثناء ادارته لها».