الجيش يواكب نواب الأكثرية من «إقامتهم الجبرية» إلى البرلمان في «بروفة» انتخاب الرئيس

وسط بيروت يكتسي حلته الأمنية والإجراءات تستثني «ساكني الخيام»

TT

انجزت اللمسات الامنية الاخيرة لساعة الصفر في محيط مبنى المجلس النيابي في وسط بيروت استعدادا للجلسة «التمهيدية» لانتخاب رئيس للجمهورية التي ستعقد اليوم لتكون «بروفة» لجلسة فعلية ما زال مصيرها في علم الغيب. منذ صباح الاحد استنفر عناصر قوى الامن الداخلي بكثافة لينتشروا في الوسط التجاري، على ان تتولى شرطة المجلس النيابي الأمن في داخله، كما جرت العادة. قوة كبيرة من الجيش اللبناني، قوامها مجموعات التدخل ومغاوير البر تلتزم حماية المكان وامتدادته ومواكبة نواب الاكثرية الى الجلسة. ذلك ان غالبية هؤلاء في «الاقامة الجبرية» في فندق الفينيسيا الذي يبعد مئات الامتار عن مقر البرلمان. وتمسك هذه القوة بالنطاق الجغرافي الممتد من محيط الفينيسيا لجهة البحر وصولا الى أطراف ساحتي رياض الصلح والشهداء وبعمق يصل الى ما قبل ساحة النجمة بأمتار قليلة. كما ستواكب مروحيات الجيش المشهد الأمني في الوسط. بالطبع تحول محيط الفندق الى «قلعة امنية». وقطعت الطرق المحاذية له ليصبح المرور قربها متعرجا وبطيئا وخاضعا للتفتيش، ولكن من دون إغراق في المظاهر العسكرية النافرة، لتستبدل السواتر الترابية والاسلاك الشائكة بعارضات من الاسمنت منخفضة الارتفاع وملونة بالأخضر وتحمل رسوما لحمائم السلام. وكأن الفندق على رغم الاجراءات المشددة يرفض التخلي عن سمته السياحية. الاقتراب من الفندق لمن ليس لديه عمل غير مستحب، كذلك الفضول الصحافي. وفي حين يبقى عدد النواب المقيمين فيه ملتبسا، يقول البعض انه يقارب الخمسين نائبا وان نواب الاكثرية الذين لم يلتحقوا بزملائهم في الفندق فضلوا الاعتماد على اجراءاتهم الامنية الخاصة والناجحة حتى الساعة.

المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي اتخذت تدابير منعت وقوف السيارات اعتبارا من الخامسة من عصر امس حتى انتهاء الجلسة على جانبي الطرق والمحاور المؤدية الى الوسط وتكاد تشمل نصف شوارع بيروت.

كذلك تقرر تحويل السير اعتبارا من الخامسة من صباح اليوم وحتى انتهاء الجلسة في هذه الشوارع والطرق. على ان يسمح بمرور مندوبي وسائل الإعلام والموظفين والعاملين في المكاتب الى وسط بيروت سيرا على الأقدام وبعد إخضاعهم للتفتيش، باستثناء سيارات الشخصيات السياسية والرسمية والدبلوماسية وبعض موظفي مجلس النواب المزودين تصاريح خاصة. اما الاعتصام القائم في ساحتي الشهداء ورياض الصلح منذ ما يقارب الأشهر العشرة فلن يطاله اي اجراء امني مفروض على عامة الشعب من المواطنين اللبنانيين. وكانت شائعة قد سرت امس عن نية رفع الخيم، وذلك اثر «تحركات لوجستية» حولها، ليتبين سريعا ان الشباب يقومون بتحصين «مضاربهم» من المطر الخريفي، وذلك بالاستعانة بأغطية من النايلون السميك. وكان «الشباب» شددوا اجراءاتهم منذ صباح امس حول محيط اعتصامهم، فأحكموا طوق «امنهم الخاص» بالعوائق والكراسي المقلوبة حيث يجب. ولم يوفروا الفواصل الحديد التي كانت تسور مواقف السيارات، فاقتلعوها من مكانها واستخدموها وفق احتياجاتهم. كما منعوا اصحاب التصاريح (التي منحوهم اياها سابقا) من الوصول بسياراتهم الى مراكز عملهم في وسط بيروت. ما زاد من وحشة المكان حيث تنتصب الخيم فارغة الا من عدد قليل من العناصر والى جانبهم بعض افراد امن الدولة وقوى الامن الداخلي.

لم تكن ساحة النجمة افضل حالا من جارتيها (رياض الصلح والشهداء) فقد هجرها الرواد. والمقاهي القليلة التي لا تزال تعمل تبلغت قرارا بوجوب الاقفال. كذلك مواقف السيارات المحيطة بها. وحدها اسراب الحمام البري اخذت حريتها في التجول بين اقدام عناصر القوى الامنية وآلياتهم. وفي حين لوحظ حضور خجول لبعض نواب الاكثرية الذين ربما فكروا باستكشاف المكان، تعرض محيط المجلس الى هجوم اعلامي كثيف. لكن شرطة المبنى لم تسمح للمصورين بالتقاط صور للقاعة العامة المقفلة منذ ما يقارب التسعة اشهر والتي بدأت تنفض غبارها لتستقبل «بروفة» جلسة الانتخاب.

سالم حمزة، وهو عجوز في العقد السابع من عمره، نظر الى المبنى وقال بحسرة: «لم يعد يداوم الا الموظفون ورجال الشرطة. رزق الله عندما كان كل استحقاق رئاسي مهرجانا شعبيا. كنا نتجمع حول البرلمان واحيانا ندخل ونجلس في مكان الزوار ونراقب عملية الانتخاب. واحيانا كنا نحمل الفائز بالرئاسة على اكتافنا لنحتفل به مع مؤيديه في هذه الساحة». ويضيف: «عندما انتخبوا الرئيس الراحل سليمان فرنجية كنا هنا. وقبيل اعلان النتائج هدد جماعته الزغرتاوية باحداث شغب اذا حاول احدهم التلاعب بالنتيجة. خرطشوا اسلحتهم، فخفنا وابتعدنا. لكن الصوت الذي حسم المعركة الانتخابية لمصلحته جنّبنا المعركة على الارض، ليكتفي الزغرتاويون آنذاك بإطلاق كثيف للنيران في الهواء».

اليوم لا مكان لمثل سالم حمزة في محيط البرلمان. ورجال الامن شرعوا بالعد العكسي لساعة الصفر. سأل احدهم: «متى نبدأ؟» اجابه زميله: «دورنا في منتصف الليل تماما»، فأضاف: «الحمد الله، سيكون باستطاعتنا الذهاب الى المنزل وتناول الافطار مع العائلة قبل العودة الى هنا».