فريق عسكري أميركي يفحص الجثث المجهولة الهوية لتحديد حالات العنف الطائفي في العراق

استجابة لطلب من الكونغرس بغية تقييم استراتيجية بوش الجديدة

TT

عثر على جثث اربعة عراقيين في الاول من سبتمبر (ايلول) الحالي ممزقة بالرصاص في واحد من شوارع العاصمة بغداد. وبعد يومين عثر في شارع آخر على جثة شخص قتل برصاصة واحدة في الرأس. وطبقا لبيان الجيش الأميركي في العراق، فإن هذا الرجل راح ضحية أعمال العنف الطائفي فيما لم يقتل الاربعة الآخرون لأسباب تتعلق بالنزاع الطائفي في العراق. تحديد مثل هذه الحالات يشكل أساس ما أعلنت ادارة الرئيس جورج بوش انه تراجع في نسبة حوادث القتل لأسباب طائفية، فضلا عن كونه مؤشرا على نجاح الاستراتيجية العسكرية لمواجهة العنف الطائفي. عملية تحديد دوافع وحيثيات حوادث القتل يضطلع بها فريق من الجنود الذين يقضون ساعات الليل أمام أجهزة الكمبيوتر ينقبون في المعلومات الخاصة بالضحايا في اليوم المحدد بحثا عن قرائن او أدلة على دوافع القتلة. لدى أفراد هذا الفريق كتيب ارشادي يحتوي على الجوانب التي يجب النظر اليها. ويقول الضابط دان ماكومبر، رئيس الفريق، ان الآثار الدالة على التعذيب او الموت القتل برصاصة واحدة في الرأس او ترك الجثة في «مكان معروف لرمي الجثث»، كما في حالة الرجل السني الذي عثر على جثته يوم 3 سبتمبر، تدل على دوافع طائفية وراء القتل. وأوضح قائلا ان الشخص اذا كان مجرد مجرم يريد الاستيلاء على مال شخص آخر، فإنه لن يكون لديه الوقت لكي يوثق ضحاياه او يحرق جثثهم او يقطع أطرافهم او رؤوسهم، وإنما سيطلق عليهم الرصاص وينفذ ما يريد، مثلما حدث للرجال الشيعة الاربعة الذين اطلق عليهم الرصاص وتركوا في المكان الذي لقوا فيه مصرعهم.

المقاييس العسكرية التقليدية للانجازات، مثل نشر القوات او قتل الأعداء او الاستيلاء على مواقع، تواجه التحدي المتمثل في الفوضى التي سببتها العمليات العسكرية لمكافحة التمرد. إلا ثمة مطالب من جانب الكونغرس والرأي العام والجيش بتقديم أرقام. بعيدا عن ميدان المعركة، كلفت فصائل من الجنود في العراق والبنتاغون ايضا بمهمة تحديد أرقام حالات القتل بدوافع طائفية والعبوات الناسفة التي توضع على جنبات الطرق وعدد أفرد القوات العراقية التي جرى تدريبها وعدد مخابئ الاسلحة التي جرى اكتشافها، وذلك في إطار جهود متواصلة لمتابعة ومعرفة سير الحرب. غالب المؤشرات العسكرية خلال الشهور الاخيرة كان ذات طابع ايجابي. وكما هو الحال في كل الأشياء التي تتعلق بالإحصاءات والأرقام، فإن معناها يعتمد على كيفية جمعها وتحليلها. وفيما يتعلق بتحليل دوافع القتل الطائفية، يقول ماكومبر ان كل شخص له طريقته التي يحلل بها. وأضاف قائلا ان المعلومات ربما تتباين من يوم الى الثاني حتى اذا كانت متعلقة بحادثة واحدة ومحددة. لا شك في وجود تناقضات واضحة في الارقام. فعدد الضحايا المدنيين في العراق حسبما ورد في تقرير البنتاغون ربع السنوي حول العراق الذي صدر الاسبوع الماضي، يختلف كثيرا عن العدد الذي ورد في تقرير الجنرال ديفيد بترايوس، قائد القوات الاميركية في العراق، الذي قدمه للكونغرس في الآونة الاخيرة. تقرير بترايوس تناول عدد القتلى، فيما تضمن تقرير البنتاغون عدد القتلى والجرحى معا. ويلاحظ ان عدد القتلى في تقرير بترايوس أعلى من عدد القتلى في تقرير البنتاغون خلال الفترة التي سبقت زيادة عدد القوات الاميركية في العراق مطلع العام الحاري وأقل منذ تصعيد العمليات العسكرية الاميركية صيف هذا العام. عدد عمليات القتل الطائفي خلال عام 2006 تغير بصورة كبيرة طبقا للرسوم البيانية التي استخدمت في تقرير البنتاغون، وازداد بين مارس (آذار) ويونيو (حزيران) السابقين، واختلف العدد ايضا في التقرير الذي صدر الاسبوع الماضي. وقال ماكومبر إن اول فارق ملحوظ في العدد حدث عندما ادرك مكتبه في بغداد عقب نشر تقرير مارس(آذار) ان معلومات متراكمة للحكومة العراقية لم تضمن في أرقام عام 2006. وفيما اكد تقرير كل من الجنرال بترايوس والبنتاغون تراجع عدد الضحايا خلال الشهور الثلاثة الأخيرة، رفضت الاستخبارات الإعلان عن المؤشرات القائمة على اساس المعلومات التي جرى قياسها خلال فترات تقل عن فترة تتراوح بين ستة شهور وعام. وقال عدد من كبار مسؤولي الاستخبارات الاسبوع الماضي إن غالبية المؤشرات الرقمية والإحصائية تتحرك بصورة في اتجاه ايحابي خلال شهرين منذ ان توقفت المعلومات الخاصة بتقييم الاستخبارات للوضع في العراق. وبينما طرحت أسئلة حول الاحصائيات حاول الجيش ان يجعلها أكثر شفافية. وبعد شهادته أمام الكونغرس كشف بترايوس عن نسخة غير سرية من القوة المتعددة الجنسيات في العراق تحمل عنوان «منهجية العنف الاثني الطائفي». ووفرت قيادة بغداد الاسبوع الماضي مقابلة بالهاتف مع ماكومبر، الرجل المسؤول مباشرة عن تنفيذها.

وقال ماكومبر، الضابط في الجيش منذ 18 عاما، انه أحد كبار محللي المعلومات الاستخباراتية وان مهمة فريقه الذي يضم ستة اشخاص هي «تجميع معلومات ومتابعة مسارات وتقديم تحليلات للجنرال بترايوس». وتجمع المعلومات اليومية عن أعمال قتل المدنيين في قاعدة معلومات. وقال ماكومبر ان مصدر المعلومات «يمكن ان يكون قوة تحالف في مهمة حراسة. ويمكن أن يكون الشرطة أو أي شخص يتصل ويقول انه وجد جثة».

وقال «نحن نبحث في كل سجل ونميز بين المعلومات لضمان ألا تكون هناك اخطاء. ثم نبحث في كل سجل ونطبق منهجيتنا ومعاييرنا على ذلك ونقيم ما اذا كان ذلك اثنيا طائفيا». وتعريفهم المكتوب لذلك المصطلح هو «حدث او حالات موت مدنيين مرتبطة به من او خلال اعمال قتل وإعدام واختطاف وإطلاق نيران ونيران غير مباشرة وكل انواع وسائل التفجير المشخصة باعتبارها مستخدمة من جانب اشخاص أو جماعات اثنية ودينية موجهة نحو أشخاص او جماعات اثنية أو دينية مختلفة، حيث الدافع الأساسي للحدث يستند الى الانتماء الاثني او الطائفة الدينية».

وعملية تقرير ما اذا كانت الجثة لأي فرد شيعي او سني عملية ناقصة، وفقا لما قاله ماكومبر. وأضاف انه «في بعض الأحيان يعرفون بأي نوع من التشخيص، وفي بعض الحيان لا يعرفون. وفي مرات كثيرة يصل الأمر الى ان جثة تكتشف في منطقة شيعية ولم تنقل الى أي مكان آخر، ونقدر بالتالي انها يحتمل ان تكون لشخص شيعي».

والقتال الطائفي الأخير في منطقة ما مسألة أخرى. وقال ماكومبر «انه ليس من المثالي ان يكون المرء قادرا على تشخيص كل شخص. ولكن هناك أشياء اخرى يمكن استخدامها لمساعدتنا. وفي خاتمة المطاف فان الامر يعتمد على المحلل». وقد اعتبر مقتل سبعة عراقيين يوم الخامس والعشرين من أغسطس (آب) الماضي في حي الكاظمية ذي الأغلبية الشيعية ببغداد، طائفيا؛ فقد كان الضحايا من الشيعة، وتشير الطريقة والموقع، حيث كانت سيارة مفخخة في سوق، الى السنة.

غير أن عراقيين قتلا بتفجير سيارة مفخخة يوم الثالث من سبتمبر الحالي لم يجر ادخال المعلومات عنهما في قاعدة المعلومات الطائفية. وظهر الهجوم في طريق قرب الرمادي، ليس بعيدا عن المكان الذي التقى فيه الرئيس بوش مع مسؤولي الحكومة في ذلك اليوم. ولكن الضحيتين، بغض النظر عن الانتماء الاثني والطائفي، كانا من الشرطة. وجرى تسجيلهما في مكان آخر.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)