«تائبون» من تنظيم «أنصار الإسلام» الكردي: الحركة تستغل سذاجة الشباب والبطالة

مدير جهاز الأمن الكردي: نطلق الذين تخلصوا من أفكارهم المتطرفة إذا لم يتورطوا في جرائم قتل

TT

روى أعضاء سابقون في تنظيم انصار الاسلام الكردية الأصولية أو منظمات متطرفة أخرى على علاقة بـ«القاعدة» لـ«الشرق الأوسط» تجربتهم في السجن، والكيفية التي تغيرت بها قناعاتهم الفكرية، وذلك بعد ان اطلق الامن الكردي سراحهم اخيرا. وفي مديرية «الآسايش» جهاز الأمن الكردي في شرح اللواء سيف الدين على أحمد المعروف باسم ماموستا سيف الدين لـ«الشرق الأوسط» آلية وأسباب الأفراج عن هؤلاء المعتقلين قائلا «منذ نحو عامين ومديريتنا تطلق كل ثلاثة أو أربعة أشهر، سراح دفعات من المعتقلين السياسيين الذين تم اعتقالهم سابقا بسبب أفكارهم المتطرفة او نتيجة تعاونهم مع الجماعات الأصولية المحظورة في الأقليم، وذلك وفقا للقانون وبعد التأكدد التام من عدم تورطهم في جرائم القتل أو ضلوعهم في العلمليات الارهابية، حيث تشكل المديرية لجانا مختصة تضم كبار الضباط والحقوقيين لتقييم أوضاع وحالات المعتقلين كل على حده بعد متابعة طويلة ودقيقة لتصرفاتهم وسلوكياتهم داخل السجن للتأكد التام من زوال الأفكار المتطرفة عن أذهانهم ونفوسهم». وقال إن اللجنة «قررت مؤخرا اطلاق سراح دفعة أخرى من هؤلاء المعتقلين، الذين ثبت حدوث تحول جذري في أفكارهم الاصولية، وتم التأكد من أنهم أصبحوا مواطنين عاديين وطبيعيين ولا يشكلون خطرا على محيطهم أو على المجتمع وأمنه، وقد جرى الافراج عنهم بموجب كفالات روحية وضمانات عقارية من باب الاحتياط وكإجراء احترازي لمنعهم من الانزلاق ثانية نحو شرك الجماعات المتطرفة أو الارهابية». وأكد اللواء سيف الدين أن قرار الافراج عن هؤلاء المعتقلين صدر عن المديرية العامة لـ«الآسايش» في محافظة السليمانية التي لها الصلاحية في اتخاذ هذه القرارات إذا توفرت الشروط الموضوعية لذلك «خصوصا وأن الكثيرين منهم أمضوا فترات طويلة في الحجز والاعتقال ما يحتم علينا من الناحية الانسانية أطلاق سراحهم، لا سيما وأنهم أثبتوا حسن سلوكياتهم داخل السجن».

من جانبه قال العميد ناصر عزيز مساعد المدير العام للشؤون السياسية في المديرية أن عدد المعتقلين المفرج عنهم حتى الآن بلغ (99) شخصا منذ بدأت المديرية بالافراج عنهم قبل عامين، وقال ان الدفعة الأخيرة ضمت 25 شخصا تم اطلاق سراحهم وفق شروط وضوابط معينة أهمها التعهد بعدم انضمامهم ثانية الى الجماعات الاصولية المحظورة او التنظيمات الارهابية، وأوضح أن جميع المفرج عنهم كانوا من أعضاء جماعة «أنصار الاسلام» الكردية المحظورة والجماعات الاخرى المرتبطة بـ«القاعدة» وأن أعتقالهم كان قد جرى بسبب تبنيهم افكارا متطرفة، مشيرا الى أنهم من سكنة السليمانية وضواحيها ومن كركوك ومناطق كرميان أيضا، ومضى يقول «لو أخل أي من المفرج عنهم بالتعهدات التي قطعها على نفسه لدى قاضي التحقيق في جهاز الآسايش، فإنه سيعرض نفسه للمساءلة القانونية والاعتقال مجددا في قضية اخرى، وسيحال الى القضاء من جديد، وقد يستثنى من أي قرار للعفو مستقبلا». وفيما يتعلق ببقية المعتقلين الذين لم يطلق سراحهم لحد الآن قال العميد ناصر هؤلاء ثبت تورطهم في جرائم يعاقب عليها القانون، وسيحالون لاحقا الى القضاء ليقول كلمته بشأنهم. وزودنا العميد ناصر بعناوين وأرقام هواتف عدد من المعتقلين المفرج عنهم. أسامة صالح محمد، 21 عاما، الذي يقع منزله في حي هواره برزه بالسليمانية هو أحد المعتقلين المفرج عنهم قبل أسبوع، وروى لـ«الشرق الأوسط» قصته قائلا «تركت الدراسة منذ أكملت المرحلة الابتدائية، وتفرغت في عام 2000 للعمل كمهرب على الحدود مع إيران إذ كنت أنقل البضائع الايرانية الى أسواق السليمانية عبر مسالك التهريب، مرورا بمناطق هورامان الحدودية التي كانت وقتذاك خاضعة لنفوذ وسيطرة الجماعات الاصولية التي شكلت فيما بعد تنظيم أنصار الاسلام، ونتيجة لاحتكاكي اليومي معهم تأثرت بأفكارهم، لا سيما وأنني كنت ذا ميول إسلامية منذ صباي وبمرور الوقت أصبحت أحد كوادرهم.. وفي شتاء عام 2005 تم اعتقالي من قبل «الآسايش» في السليمانية بتهمة التعاون مع بعض عناصر التنظيم المذكور الذي تعرض لضربات من قبل القوات الأميركية ربيع عام 2003 أثر عمليات تحرير العراق». وفيما يخص دواعي تغيير أفكاره وميوله قال أسامة «السبب الأول والأهم الذي حثني على تغيير أفكاري ونظرتي للحياة هو التعامل الانساني الذي لمسته من عناصر جهاز الآسايش طيلة فترة اعتقالي خلافا لما كانت الجماعات الاصولية تروج له في مسعى منها لتأليبنا نحن الشباب ضد السلطة الكردية والأحزاب الحاكمة، اضافة الى أنني أكتشفت متأخرا وللأسف الشديد أن تلك الجماعات تستغل سذاجة واندفاع الشباب المراهقين لتحقيق أهدافها وغاياتها السياسية، وتتخذ الدين الاسلامي وسيلة لها في ذلك». أما كيوان قادر علي، 32 عاما، من أهالي السليمانية حي علي كمال وأحد المفرج عنهم قبل أسبوع أيضا، فقد أكد أن المناخ الديني الذي ترعرع فيه في كنف أسرته المحافظة حثه على ترك الدراسة في المرحلة المتوسطة والانضمام الى صفوف جماعة «أنصار الاسلام» وحمل السلاح في مناطق هورامان ضد الاحزاب الكردية العلمانية، لكنه قال ان الجماعة منعته من المشاركة في المعارك والعمليات العسكرية ضد قوات البيشمركة الكردية، نظرا لصغر سنه، وطلبت منه البقاء في الثكنات العسكرية بأمر من مسؤوله المباشر سواره محمد، الذي كان من اهالي السليمانية أيضا. ومضى يقول «بعد تعرض معسكرات ومعاقل الجماعة للقصف الصاروخي من قبل القوات الاميركية ربيع عام 2003، ومقتل أكثر من 100 عنصر من الجماعة تشتت شملنا وانفرط عقدنا فهرب من بقي منا على قيد الحياة نحو الاراضي الايرانية، واستسلم آخرون الى السلطات في الأقليم، وأنا من ضمنهم في مارس (أذار) 2003. وعن دوافع تغيير افكاره وميوله المتطرفة قال كيوان «لقد اكتشفت في المعتقل ان الجماعة استغلت سذاجتي والمئات من امثالي لتحقيق مقاصدها الخبيثة وقضت على مستقبلي الدراسي، ثم تركتني اواجه مصيرا قاسيا بمفردي، وتخلت عني تماما لذلك قررت بدوري ان أتخلى عنها ايضا. أما والده الحاج قادر علي معروف 63 عاما، ويعمل بقالا فقد اكد أن اصدقاء السوء هم الذين اغووا ابنه كيوان ودفعوا به في ذلك الاتجاه الخاطئ، وقضوا على مستقبله الدراسي وفترة طويلة من شبابه، وقال «لم اكن اعلم مطلقا بانضمام ولدي الى تلك الجماعة الإرهابية المشبوهة، والا لفعلت المستحيل لمنعه من ذلك خصوصا، وانه ولدي الوحيد الذي كنت اتمنى ان آراه طبيبا او مهندسا او مدرسا لا ارهابيا مطاردا او معتقلا في السجون».

ويروي دلشاد جمال قادر 26 عاما، أحد المفرج عنهم حديثا والساكن في حي آزادي شرق مدينة السليمانية كيفية انضمامه الى الجماعة، ومن ثم اعتقاله ولكنه رفض تصويره ومضى يقول «كنت طالبا في الخامس الاعدادي، لكن الظروف المعيشية القاسية لأسرتي، ارغمتني على ترك الدراسة والتفرغ للعمل كبائع متجول، وفي تلك الاثناء تعرفت الى صديق استدرجني رويدا رويدا الى صفوف جماعة «انصار الاسلام» مستغلا ميولي الاسلامية وحالة العوز التي كنت اعانيها وقتذاك، وأوهمني بأن السلطة الحاكمة هي السبب الاساسي والمباشر.. فقررت حمل السلاح وانضممت الى صفوف مسلحي الجماعة في منطقة هورامان، لكن الجماعة لم تأذن لي وقتذاك بالمشاركة في المعارك والاشتباكات ضد قوات البيشمركة لكوني مقاتلا مستجدا». وعن معتقداته السابقة قال دلشاد كنت اتمنى ان تنتصر الجماعة وتستحوذ على السلطة في الاقليم، لكنني الآن احمد الله كثيرا على انه لم يجعل النصر حليف اولئك المسلحين الذين لو كانوا قد انتصروا في حربهم لأغرقوا المنطقة في بحر من الدماء». واعرب دلشاد عن اعتقاده بأن البطالة «هي السبب الرئيسي والاساسي الذي يحرض ويدفع الشباب المتدينين على نحو خاص الى الارتماء في احضان تلك الجماعات التي تتفنن بدهاء شديد في استغلال سذاجة الشباب وحماستهم وتسخيرها لبلوغ مآربها السياسية التي لاتمت الى الاسلام بصلة». واردف دلشاد باسلوب هادئ يقول، للأسف ادركت هذه الحقائق المريرة متاخرا أي قبل استسلامي للسطات الامنية المحلية في 6 ابريل (نيسان) 2003.

وفي بلدة كفري 250 كم جنوب غربي السليمانية التقينا بمعتقل سابق آخر ويدعى احمد شوقي محمد امين، 26 عاما، وهو شاب من اب تركماني وام كردية وتحدث قائلا «انضممت الى صفوف جماعة انصار الاسلام في بلدة حلبجة عام 2002 من خلال اثنين من اقربائي اللذين شجعاني كثيرا على حمل السلاح بدافع الجهاد في سبيل الله، وعلى اثر ذلك تركت الدراسة في المرحلة المتوسطة، وعندما تعرضت قواعد الجماعة للتدمير شبه الكامل من قبل الصواريخ الاميركية في ربيع عام 2003، تسللت الى بلدة كفري مسقط رأسي واختبأت في البيت لعدة اشهر ثم رحت أزاول اعمالا وحرفا يدوية لكسب الرزق. وفي عام 2005 اعتقلني الاسايش، بتهمة عدم الاستسلام رسميا الى السلطات الامنية». وعن اوضاعه في المعتقل قال احمد إن المنظمات الانسانية الدولية وخصوصا منظمة الصليب الأحمر الدولية كانت تتردد باستمرار على المعتقل وترصد اوضاع المعتقلين عن كثب، وتنقل رسائلهم الى ذويهم وبالعكس، مضيفا ان تجربته في المعتقل على مدى عامين واربعة اشهر غيرت كثيرا من نظرته الى الحياة بشكل عام، والى الاحزاب الحاكمة في الاقليم بشكل خاص، مثلما غيرت من قناعاته السابقة ازاء الجماعة التي كان ينتمي اليها. واثناء حوارنا مع المعتقلين المذكورين الذين انتقيناهم بشكل عشوائي من مختلف مناطق الاقليم، كنت اركز شخصيا في وجوهم واجسادهم لرصد اي اثر للتعذيب او العنف، فلم ألاحظ سوى حالة الحول في احدى عيني اربعة من المعتقلين الذين التقيناهم.